عمون - عقد رئيس تحرير أخبار "القوات اللبنانية" جورج العاقوري مقارنة بين بلاده والأردن في مقالة تحت عنوان "هنيئاً للجدران في عمّان"، وجاء فيها:

“صبّحك بالعار”، هكذا ناداني مشهد النفايات المستلقية مجدداً امام مدخل منزلي وأنا اهمّ بالتوجه الى مطار بيروت. فإرتشفت فنجان “الخزي” وإنطلقت… على الطريق، وجوه تلتحف الجدران لتحضّك على إنتخابها رغم مضي ثلاثة اشهر على إغلاق الصناديق… أهرب بنظري عن فضلات الانتخابات التي تلطخ الجدران، فيقع على صورة لملاك على سيارة محاذية، إنها باتينا ابنة السنوات الثماني ضحية “داعشية” الرصاص الطائش الذي سرق ضحكتها من امام منزلها في بلاط – جبيل.

في الطريق الى الاردن، اسرح بالذاكرة الى احلام العبور الى الدولة التي تليق بلبنان، ولكن سرعان ما أعود الى أرض الواقع وأتذكّر أننا في زمن الفراغ والتعطيل و”الوطن المخطوف” والمشهد السياسي المفتوح على المجهول، وفي هذا الزمن اضحت أحلامنا متواضعة واصبحنا نحنّ الى أبسط مقومات الدولة وهمّنا الصمود بانتظار إنتهاء العاصفة التي تجتاح منطقتنا.

ما ان إستقلينا السيارة مغادرين مطار عمّان المتأهب بشراً وحجراً لاستقبال الوافدين حتى اطلت علينا صور المرشحين للإنتخابات النيابية المحددة الثلثاء 20 ايلول المقبل في مشهد حضاري حيث لا غابات شعارات وصور تجتاح المباني والشرفات والجدران والجسور وحتى اشارات السير كما عندنا بل نقاط محددة للحملات الانتخابية، وقد أصدرت الهيئة المستقلة للانتخاب تعميما بحظر رفع الصور الملكية لغايات الدعاية الانتخابية، كما غرّمت احد المرشحين الذي رفع صورة في مكان مخالف كاد يحجب الرؤية عن اشارة سير.

حشريتنا الصحافية دفعتنا الى ان نرشق السائق بوابل من الاسئلة التي تكررت مع أكثر من صديق أردني عن طبيعة تفاعل البنية المجتمعية – بما فيها تركيبة العشائر واصحاب الاصول الفلسطينية – وعن القانون الانتخابي الجديد القائم على القوائم المغلقة في 23 دائرة مع تخصيص مقاعد للمسيحيين والشركس والشيشان وكوتا نيسائية حيث اجمالي المقاعد 130، مخصص منهم 15 للنساء و9 للمسيحيين و3 للشركس والشيشان.

الكل يستعد لصناديق الاقتراع حتى الاحزاب الاسلامية التي قاطعت الانتخابات في المرة الماضية أدارت محركاتها وركبت قوائمها، وإن كان بعض الناخبين غير متحمس للاقتراع لأنه لا يتلمس تغييراً مرتقباً. كما أن بعضهم الآخر اعتبر ان القانون السابق المختلط والقائم على لوائح مفتوحة وعلى انتخاب عشرات النواب وفق قائمة وطنية والاردن دائرة واحدة شكل سمة ايجابية للمشاركة. وهناك من يتحدث عن ظاهرة الـ photoshop وصور المرشحين التي لا تشبههم في الواقع وآخرون يطلقون مصطلح “المرشح الحشوة” على المرشح الذي يشكل “كمالة عدد” في اللائحة.

ولكن أي تكن الآراء، ها هو الاردن يخوض إنتخابات وفق قانون يسعى لمراعاة خصوصية الاقليات الدينية والعرقية، وينشئ الهيئة المستقلة للانتخاب ويراقب الانفاق المالي وينظم الحملات الانتخابية بحيث تتكفل القوائم بإزالة صورها خلال 48 ساعة من إقفال الصناديق وإلا تخسر كفالاتها المالية التي تقدمت بها.

إنها نقطة إيجابية تسجل للمملكة الهاشمية بأن تجري انتخابات في ظل الظروف الصعبة في المنطقة وتكرّس الثقافة الانتخابية التي تشكل مساراً تراكمياً لا يخلو من الحفر. ومن سخرية القدر، أنه فيما الاردن تحرص على تمثيل الاقليات ثمة عندنا من يطرح إعتماد لبنان التعددي دائرة واحدة من دون أي معيار يضمن تمثيل الجميع فعلياً لا نظرياً!!!

“الطخ ممنوع” باللهجة الاردنية يجيبك من تسأله عن تقاليد إطلاق الرصاص في المناسبات وسقوط ضحايا جراء الرصاص الطائش، فالعاهل الاردني الملك عبدالله تدخل شخصياً ووضع حداً لهذه الظاهرة التي ما زالت تحصد عندنا في لبنان عشرات الابرياء سنوياً. هذا وتشهد الاردن حراكاً قوياً على جبهات حقوق الانسان وحقوق المرأة والتصدي لما يعرف بـ”جرائم الشرف” وتزويج القاصرات.

قد تشكل زحمة السير قاسماً مشتركاً بين الاردن ولبنان، ولكن لا مجال للمقارنة بين البنية التحتية للطرق وإنارتها.

الاردن غارق كلبنان بمستنقع اللاجئين، وهو الذي تدفق اليه الاف العراقيين والليبيين ولحق بهم مئات الاف السوريين، لكن الامن اولية وخط احمر، والثلاثية المرفوعة هناك “الملك والجيش واجهزة الامن” التي تشكّل الضمانة والاستقرار لمن يشاركنا “ازمة الجيران” بين البركان السوري المتفجر والخطر الاسرائيلي الدائم.

عندهم ملك ساهر وعندنا فراغ عامر، عندهم إجماع على ثلاثية تصون هيبة الوطن وعندنا ثلاثية تفرقة تضربة الهيبة وتأخذ الوطن رهينة. إنتهت زيارتنا وعدنا محمّلين بفرحة وغصة، فرحة بالاردن الشقيق وغصة على لبناننا الحبيب.