وسائلُ التّواصلِ الاجتماعيّ
29-08-2016 02:30 PM
يبدو أنّ وسائل التّواصل الاجتماعيّ (الفيس بوك، تويتر، يوتيوب.....) أصبحت بلا منازعٍ الرّافعة الأساس في السّاحة الإعلاميّة لأيّ مجتمعٍ بما تنقله على المساحة الواسعة المتاحة للتّعبير والنّقد والمُشاركة وقدرتُها على تشكيل الرأي العام أو توجيهه أو قياس نبضه في قضيةٍ معينةٍ أو حادثٍ طارئٍ. ومّما لا شك فيه بأنّ وسائل التّواصل الاجتماعيّ قد ازاحت الغطاء عن كثير من عورات مجتمعنا، فكشفت كم نحن منافقون ومتعصّبون نهوى تصوير الذّات ونتلذذُ بمهاجمة الأشخاص والأفكار والإبداع دون دراسةٍ أو تمحيصٍ أو تروي، والبعض يُعبّر عن مشاعره وعواطفه وربّما عن غرائزه الدفينة دون خوفٍ أو ترددٍ، وقد أدّى ذلك إلى حالةٍ من الاستقطاب السياسيّ والفكريّ والدينيّ وأفصح الكثير عما يدور في عقلهم الباطن من ميل إلى العنف والعنصريّة الطائفيّة، وأكثر من ذلك فقد تمّ استغلال هذا المجال المفتوح للدّعوة إلى الإرهاب.
لقد أظهرت لنا هذه الوسائل الحديثة أنّنا وإن كُنا نستعملُّها إلا أنّنا ما زلنا نعيش بعقلية القرن الثّالث عشر الميلادي، وقد أحسن المفكّر الجزائريّ مالك بن بني في كتابه شروط الحضارة عندما قال :"إنّ تراكم منتجات الحاضرة لا تعني الحضارة".
إلاّ أنّ ذلك ليس هو الوجه الغالب لوسائل التّواصل الاجتماعيّ فهي سيف ذو حدين فلا أحد يُنكر فضل هذه الوسائل في التّحرر من الخوف والتّوجس عند التّعبير عن الرأي الذي لم يكن يجد له مساحةً في صحف ومطبوعات سلطة الدولة أو شيوخ الدّين، أو هيمنة أصحاب رؤوس الأموال أو أقطاب الاقتصاد فكل شخصٍ يستطيع أن ينتقد المسؤول الحكوميّ ، أو المرشح للانتخابات، أو ما تجبيه شركات الاتصالات، أو أمانة عمان، أو إدارة السّير، أو التّرخيص، أو ما يجري في المزارع و الجامعات الخاصة أو غيرها من المؤسسات ... على صفحته الخاصة دون خوفٍ من مقص الرّقيب الذي سيكون له بالمرصاد على صفحات الصحف الورقيّة المتعاقدة مع هذه المؤسسات.
وسائل التّواصل الاجتماعيّ التي تأخذ كثيراً من وقتنا، و بدأت تتغلغل في أحاسيسنا، وتوسّع من دائرة معارفنا وفهمنا والإحاطة ببوصلة مزاجنا الاجتماعي والسياسي هي قاطرة التّغيير القادمة لا محالة، والتي نأمل أن تأتي بجانبها الايجابيّ الحضاريّ ودون إراقة الدّماء وفي أقرب وقت ممكن.