غريسا التي كانت يوما قرية بلا سقوف ، رفع سقفها أبنائها الذين هجروا مساكنها القديمة وأقاموا قرية حديثة ، وأنشاوا مزارعا على طرف الصحراء ، وحفروا في الصخر آبارا حتى يفور الماء ليرووا زيتونهم ومواشيهم ، وظلوا أوفياء لعرق الآباء والجدود ، وأوفياء لوطن ما بخلوا بدمهم يوما ..

غريسا التي أنتجت عسكرا وضباطا وأساتذة جامعات ومعلمين ومعلمات ومهندسين ومهندسات ونوابا مشرعين ، وقبل ذلك أنتجت بيادر من كرم وقهوة وطيب وفروسية وإبداع وفن ... غريسا قرية الكاتب ومعلمة التراث الأردني محمود الزيودي حارس الذاكرة الشعبية الأردنية والذي يعد مرجعا في العادات البدوية والقضاء العشائري وحكايا الأردنيين ..

في تراب غريسا هناك مدفون خمسة من شهداء عشيرة الزيود يغفون هناك ويستظلون بشجرها ، وآخرهم الشهيد البطل راشد الزيود والشهيد البطل لؤي الزيود وهو دليل على أن الوفاء للوطن لا يعلو عليه شيئا من أهلها وأبنائها ، وأن الدم يرخص إن مسّ الوطن كائن من كان .

اليوم تكافئ غريسا وأهلها وشهدائها ودم أبنائها بأن يُحجز أراضيها وتغلق آبارها المرخصة وتجفف مائها وتعطّش زرعها وبساتينها بحجج واهية .. الآبار التي حفرها أهلها بأظافرهم ودم وتعب الأجداد وبركتهم .. كنت أتمنى أن تغلق إلآف الآبار لمتنفذين لا يدفعون فلسا واحدا لخزينة الدولة أو أن يحجز على من سرق قوت أطفالنا وفرّ ، أو من نهب جيوب الناس وما زال حرّا طليقا .
لغريسا تبكي البواكي وبالقلوب تفتدى ولفرسانها ترفع الرايات ولسيوفها حق الوفاء أما العابرون سيمرّون كغيرهم وستتكسر نصالهم على أسوارها .