محمد رشيد يكتب : فتح تحت حراب المقاطعة " 4 "
26-11-2016 11:26 AM
كثر الكلام لن يحل مشكلة حركة فتح، وليس هناك غير العمل والعمل الدؤوب ، عمل يبدأ بإعلان بطلان مؤتمر وشرعية محمود رضا عباس ، بسبب خروجه على دساتير ومواثيق الحركة ، وإنتهاكه الصارخ لكل قيم وأصول وأخلاقيات فتح ، مما لم يترك خيارا آخر غير خلعه، بوسائل شرعية تستند الى عمق وقوة القاعدة الفتحاوية ، وتلك عملية قسرية فرضت على قادة وكوادر وقواعد الحركة ، وهي ليست ولن تكون نزهة سهلة ، ولن تكون عملية عاصفة وسريعة ، بل كفاح وجوبي ، يتطلب الكثير من الصبر والمثابرة والإبداع ، فما هو واضح ومؤكد اليوم وغدا ، أن زمن الوفاق والتوافق مع عباس وقطعانه الهائجة قد انتهى.
ما ينفذه عباس اليوم ، هو إستكمال لإنقلاب " القصر " ، ولم يتبق أمام إنقلابه غير قلعة الوطنية الفلسطينية ، قلعة كانت عصية على كل أنواع الإنقسام والإنشقاق ، قلعة فتح ، فعشرات المحاولات تحطمت على أسوارها المحصنة بدماء الشهداء وآلام الأسرى ، والإنشقاق الحالي لن يكون مصيره أفضل ، إن قررت فتح استعادة عنفوانها ، ومواجه عباس وقطعانه بهمة وعزيمة حقيقية ، ففتح بلا عباس وقطعانه أفضل ، وتستطيع إحياء قدرتها ومكانتها الإستثنائية ، وفتح خالية من عملاء إسرائيل وعبدة التنسيق الأمني ، هي فتح أطهر وأقوى ، هي فتح العائدة الى شعبها وقضيتها ببهاء وجلال ، لكن علينا أولا إستعادة الروح الفتحاوية ، تماماً كتلك الروح التي أعتصم بها الرئيس الشهيد ياسر عرفات وصاحباه القائدان أبو جهاد وأبو إياد في مواجهة كل الانشقاقات .
أدوات ووسائل مواجهة إنشقاق عباس حتما ستكون مختلفة عن تلك التي جابهنا بها إنشقاق أبو موسى وأبو خالد العملة وأبو صالح وقدري ، ففي تلك الأيام السوداء فرض القتال على فتح ، ودارت معارك طاحنة بين إنشقاق مدعوم من قبل نظام حافظ الأسد ، وبين نخبة من خيرة قادة وشباب فتح ، فكان لا بد من القتال دفاعا عن شرف الإنتماء الى هذه الحركة المجيدة ، ودفاعا عن وجود منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح ، ودفاعا عن النفس ، فقدنا أغلى الناس علينا ، لكننا هزمنا الخيانة ، وهزمنا ذلك الإنشقاق الدموي بغطاء ودعم الشعب الفلسطيني داخل الوطن المحتل .
فارق ادوات ووسائل تنفيذ الإنشقاق لوحده عامل مضلل ، فهناك تشابه ، وربما تطابق تام في الغايات والأهداف ، وإستبدال غطاء الأمس السوري ، بغطاء اليوم الإسرائيلي ، لن يغير من الحقائق شيئا ، ومثلما هنا اليوم الجنرال الإسرائيلي " العم بولي " الذي يسهل مهمة محمود عباس ، لشق فتح واضعافها وتغييبها عن الكفاح الوطني ، كان هناك عام 1983 الجنرال السوري غازي كنعان ، فهو الآخر كان يسهل مهمة المنشقين آنذاك لتدمير فتح ، ويسهل تنقلاتهم بيسر وأريحية من خلال مناطق تمركز وسيطرة القوات السورية في البقاع اللبناني ، ولاحقا في حصار طرابلس الدامي ، تماماً كما تفعل إسرائيل اليوم من خلال جنرالها " العم بولي " .
لقد عشت قصة إنشقاق 1983 كاملة ولحظة بلحظة ، وكنت ملازما لأمير الشهداء أبو جهاد في سوريا والبقاع اللبناني ولاحقا في حصار طرابلس حيث عاد أبو عمار ليخوض المعركة التي كادت أن تكون الأخيرة ، لولا ستر الله ورحمته ، نعم كنت هناك من اللحظة الاولى في 9 أيار 1983 ، ولغاية الخروج بحرا من طرابلس في 19 ديسمبر 1983 ، وأرى من واجبي وضع بعض أحداثها وحقائقها أمام الأجيال الفتحاوية الناهضة ، لمقاربتها مع ما يحدث الآن .
قبل السرد والمقاربة أرى ضروريا تسجيل هذا التنويه :
محمود رضا عباس أتخذ موقفا رماديا من أحداث إنشقاق 1983 ، ولم يغادر الأراضي السورية ، الا بعد ان تأكد من نجاة أبو عمار وأبو جهاد من تلك المؤامرة الكبرى ، وظل لسنوات طويلة يعاير فتح ويحملها الجمائل ، لأنه فقد شقتين في دمشق ، دون أن يتذكر كيف نهب هو وأخوته حركة فتح وأستنزفوا الكثير من أموالها ، ولعل الأجيال الناهضة لا تعلم ، بأن عباس كان مفوضا ماليا للحركة قبل أن يطرده أبو عمار من تلك المهمة ، و بالمناسبة أستعاد عباس الشقتين بعد أن توسل بشار الأسد ثلاث مرات .
إنشقاق أيار / مايو 1983 أنطلق بشعارات مطابقة أو قريبة جدا من شعارات محمود عباس ، وبسلوك يكاد أن يكون نسخة كربونية من حيث استخدام العنف والترويع والإضطهاد ، ومن توظيف أجهزة الأمن السورية ، لإعتقال الآلاف من قادة وكوادر فتح على الأراضي اللبنانية والسورية ، وهو ما تفعله أجهزة عباس في الضفة الغربية ، وما تعجز عنه تلك الأجهزة ، تتكفل بتنفيذه الأجهزة الإسرائيلية بقيادة " العم بولي " عن طيب خاطر ، كما تتبرع قيادة حماس أيضا بحصتها الملحوظة ، عبر منع فتح من التعبير عن موقفها الرافض لانشقاق عباس .
منشقو 1983 أستفادوا من إحتلال الجيش الإسرائيلي لمناطق واسعة من لبنان ، وتحديدا حيث التجمعات الفلسطينية المؤيدة للرئيس الراحل ياسر عرفات ، أي ما كان يعرف ب " فتح لاند " ، وهو ما يتكرر اليوم في الضفة الغربية ، ما تبقى من تلك التجمعات الكثيفة لم تكن تحت سيطرة فتح ، بل تحت سيطرة و هيمنة سورية ، وهو ما يتكرر اليوم ، بحكم سيطرة حركة حماس على قطاع غزة ، كما أن قادة مقاومة الإنشقاق " أبو عمار وأبو جهاد وأبو إياد وأبو الهول " كانوا في مناف قسرية أبعد ، و هو ما يحدث تماماً مع قادة مقاومة إنشقاق محمود عباس .
قادة إنشقاق 1983 أعتبروا أن حركة فتح ركعت لهم أثر خروجنا بحرا من طرابلس بعد معارك دموية طاحنة ، وعقدوا مؤتمرا شبيها بمؤتمر " المقاطعة " تحت حراب أجهزة الأمن السورية ، وأعلنوا عن تشكيلات قيادية ، وهو نفس ما يحدث في مؤتمر محمود عباس ، ونفس الحقد والغباء الأسطوري يحرك عباس وقطعانه الهائجة معتقدين أن مجرد عقد مؤتمر " المقاطعة " الإنشقاقي ، وبدعم وحماية الأجهزة الإسرائيلية ، يكفي لتقليص وتقزيم فتح الى عائلات وأتباع و أزلام ، وكما لم ينفع منشقي 1983 تطعيم مؤتمراتهم ببعض الوجوه المختلفة ، فلن ينفع عباس وقطعانه وجود بضع عشرات من الأصوات المختلفة .
طوفان المدد لإنقاذ فتح عام 1983 جاء من الداخل ، جاء من الشعب ، جاء من فتح ، جاء من القدس والأقصى وفتاوى الشيخ الراحل سعد الدين العلمي ، وجاء من قطاع غزة والضفة الغربية ، فالداخل أنقذ فتح وحماها من الإنكسار والخضوع ، ومن تلوثات وفيروسات الأجهزة السورية ، ثم تماسك الخارج رويدا رويدا ، ليطلق أبو جهاد إبداعه الجديد ، ممثلا بحركة الشبيبة الفتحاوية بعد دورة المجلس الوطني الفلسطيني في عمان.
طوفان المدد الفتحاوي يأتي اليوم من الخارج ، من مخيمات لبنان والأردن وسوريا ، يأتي من أوروبا وكندا والولايات المتحدة ، ومن تجمعات الشعب الفلسطيني في كل مكان ، لكنه أيضا يأتي من الداخل ، من قطاع غزة و مخيماته ، من الضفة الغربية ومخيماتها ، يأتي من مخيمي بلاطة والأمعري ، يأتي من القدس وأهلها الصامدين بشرف ورجولة ، وستتماسك فتح رويدا رويدا ، ولكن لا ينبغي الإستسلام للمرارة والإحباط ، بل لا بد من تفجير ينابيع الغضب الفتحاوي ، عملا وخلقا وإبداعا ، ولا بد لألف أبو عمار أن ينهض ، ولا بد لألف أبو جهاد أن يبدع ، ولا بد لألف أبو إياد أن يصدح ، فلن يستطيع لص ومنشق بائس مثل عباس تسليم فتح الى مقصلة الأمن الإسرائيلي ، وسيفشل كما فشل قبله أبو خالد العملة وأبو موسى وغيرهما في تسليم فتح الى مقصلة الأمن السوري ...
ولحديث الانشقاق بقية.