facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




قراءة حجاجية في الورقة الملكية السادسة "سيادة القانون أساس الدولة المدنية"


د. نزار قبيلات
09-12-2016 03:56 PM

غاية هذا المقال المقتضب الوقوف على الأوراق النقاشية الملكية (الورقة السادسة) بغية تبياناستراتيجية الخطاب الموجه في هذه الورقة وتأطير قوة الحجة المقدمة من لدن صاحب الجلالة في طرحه الذي أسماه منذ البدء بـ"أوراق نقاشية"، إذ تفتح هذا الأوراق الباب واسعاً للتحاور والتأتي معها، فاستراتيجيتها بدايةً هي استراتيجية تضامنية غير معهودة في مثل هذا المقام؛ بمعنى أن الخطاب أو المرسوم الملكي في العادة يقدم خطاباً توجيهياً إيعازياً لكنه هنا جاء ليكرّس علاقة تحاور يتساوى فيها الطرفان -الباث و المستقبل- لاعلاقة الرئيس بالمرؤوس،

فهذه الاستراتيجيةمن شأنها توثيق تلك العلاقة من خلال تقريب مسافة التلقي بين مرسل الخطاب (جلالة الملك) ومتلقيه(كل أطياف الشعب الأردني)، إذ تقليص هذه المسافة يجعل مستقبل الخطاب يشعر بالقرب والتشاركيةبفضل هذه التقنية الإنسانية التي جعلت الأولوية لاعتبار الغيرلا لاعتبار الذات. وللتدليل عليه نأخذ جانباً من الصياغة اللغوية لهذا الخطاب، فقد عمد جلالته عند لجوئه إلى تحضيض أطياف شعبه لتعديل سلوكهم أو التأثير فيهم إلى المراوحة بين صيغتي (لا بدّ) و(يجب)؛ من حيث استخدم أولاهما حين كان يوجه خطابَه لأبناء الشعب، وممّا جاء منه في المتن: (لا بدّ من تضافر الجهود .... ) في حين جاءت صيغة (يجب)عندما كان المعنيُّ في الخطاب الحكومة الأردنية، ومنه: (يجب تحديد مواطن الخلل...)، وههنا نهضت صيغة التّحضيض (يجب) الرّامية إلى زجر المتقبّل وإخراجه عن اطمئنانه عندما يكون منتمياً إلى الحكومة أو المؤسّسات، على أنّه جاء أكثر تلطّفاً بـِـ(لا بدّ) عند التحاور مع سواهم.


ومن جانب آخر فقد عمد خطاب جلالته إلى الإمعان في أساليب الخبردونالإنشاء في خدمة مسعاه الحجاجيّ؛ ومدعاة ذلك أنّ أساليب الخبر من مثل توشيح بدايات الفِقَر بـ "إن" واستخدام أسلوبي النفي والحصر تقترن بما يُتوقع حدوثه ولا خلاف عليه؛ فأساليب النفي تفيد تقديم الشأنعلى أنه حقيقة لا تُمارى ولا شكَّ يخالطها، ويبرز المثال على ذلك في قول جلالته: (...فلا يمكننا تحقيق التنمية ...... إن لم نضمن تطوير إدارة الحكومة.....). وراح أسلوب الحصر ليفيد تمركز الحديث وتبئيره في نقطة يُسلّط الضوء عليها دون بقية الكلام،وذلك بهدف تسديد فكر المتلقي وجعله منشغلاً به دون غيرهِ: (إنّ مبدأ سيادة القانون لا يمكن أن يترسخ إلا بوجود....)

إنّ التركيز على الجملة الاسميةبوصفها أسلوب إخبار دون الفعلية يسمح بطاقة تأكيدية أبلغ من حيث التشديد على مواضيع الطرح والإلحاح على الفكرة التي يحملها هذا الضّربمن الجمل، إذ ليس هذا من قبيل الإطناب أو الحشو وإنما دليل على توجيه عناية المتقبّل بالأفكار المطروحة للنقاش وأهميتها لدى الباث (جلالة الملك)، ولهذا جرى التأكيد على قضايا من مثل: عدم التواني في تطبيق القانون ...، وتطوير الإدارة الحكومية..... والتطبيق الدقيق لمواد القانون..... و مبدأ سيادته... كل ذلك وغيره صُدِّر بحرف التوكيد "إنّ".

كما وردَ استفهامٌ استنكاريٌ وحيد في هذه الأوراقكان هدفه الاستحواذ على وعي المخاطب وتغيير تصوراته بإرادته هو، وخلق الشعور لديه بأنه طرف فاعل في الخطابليغدو الأمر المستفهم عنه بالإنكار مبعث إقرار من لدنه هو، فالغاية من الاستفهام من منظور حجاجيّ هو الإثارة ودفع المتقبّل إلى إعلان موقفه إزاء المشكل المطروح؛ أي أنّ الباث إذا أراد التركيز على نقطة دون غيرهاليظهر قلقه نحوها فإنه يصوغها استفهاما، فقد جاء في الورقة....:(فأي جيل يمكن أن يحمي سيادة القانون أو أن يدير مؤسساتنا وقد ترسخت الولاءات الفرعية فيه على حساب الوطن؟) فجلالته يبرز رأيههنا مُشدّداً ومستنكراً- في آن- العنف الجامعي الناجم عن حسٍّ تفكيكي نبَتَجراءولاءات مناطقية وعشائرية طارئة على الفهم العام للوطنية.

أمّا المجاز من تشبيهات وكنايات وغيرها فشأنها عظيمٌ متعالٍ في الطرح الحجاجيّ الرّامي إلى الفعل في الآخر واختراق مناطقه؛ إذ لا قيمة جمالية محضة لها في هذا المنظور بل إنّ قيمتها متأتية من وضعها في إطارها التواصلي، من حيث لجأ فيها إلى الإضمار وترك الفرصة للمتقبّل لكي يصل إليها بنفسه. وفي هذه الورقة فقد حضرت وكان لها دور في استمالة القلوب، و إشعال فتيل الإنفعال والعاطفة لدى المتلقي الخاص ألا وهو الشعب الأردني بكافّة أطيافه، ما جعل الخطاب يبتعد نوعاً ما عن العلميّة التقريرية الصمّاء، فقد وشِّح بصور فنية كان لها بليغ الأثر في نفس الأردنيين، فكانت أدوات الصور ومعدّاتها مما يتصف به الأردنيون ويشهد لهم به؛فكم من لاجئ لجأ إلى الأردن ليستظلّ بالأمان المفقود في بلده، و ليتذوّق طعمَ الكرامة الذي لم يجده في وطنه.

لقد أبرزت الورقة صوراًحسيّة وواقعية كثيرة، وركزت على قوة الإخبار وكرّرته، و لم تكتفِ بذلك بل وراح خطابُها وصاحبها يعمِدان إلى تقنية الاستدعاء المشترك للإرث النبوي المتمثل بميثاق صحيفة المدينة المنوّرة وذلك بوصف هذا الاستدعاء في هذه الأوراقبمثابة تعاقد ثقافي بين الباث والمستقبل، فأيّ تحاور بين شركينيقفان على أرضية واحدة لا بد من أن ينطلق من خلفية جامعة يكون لها بليغ الأثر في تحقيق الانسجام والتشابك الإيجابي بين كل منهما. وعليه، فقد خُصّص الطّرح في هذه الأوراق للمجتمع الأردني بوصفه المتلقي الخاص الموجه له الخطاب الحجاجي هذا عبر أوراق للنقاش اكتسبت التنكير في العنوان لا التعريف بـ(أل)وما ذلك إلاّ للتدليل على أن الباث لم يركن بعد للخطاب التوجيهي لأنه بحاجة للقاء المتلقي والتفاهم معه على القرار السّيادي الذي لا يريد صاحبه إصداره قبل محاورة المتلقي والاستئناس برأيه وإعطائه دوره.

وفي ختام هذه التتبعة التي درست الأوراق من منظورلغويّ بلاغيّ حديث عُرف بـ" نظرية الحجاج"، يرى الكاتب أنّ المحتوى المضموني للأوراق ذهب إلى أقصى مستويات المشاركة والاشتباك مع الآخر الذي قد يكون مُعارضاً أو موظفاً حكومياً او فرداً من غير ذي منصب أو اتجاه سياسي، فقد أبرز جلالته موضوع سيادة القانون التي تعمّ وتشمل كل ما يطرحه الآخرون الذين يرون تقصيراً ربما في التوجيه الملكي، وهو ما نفضه خطاب الأوراق الملكية هذه لا سيما السادسة منهابعد أن جاءتعلى هيئةأوراقٍللنقاش رغبة من جلالتهفي التأتي والنزولإلى ساحة الآخرين ونبذ الإيعاز، فسيادة القانون المبرزة في الخطاب تمثل مضاداً حيوياً لكل أمراض ومعيقات النهوض والمدنية التي يطالَب بها الجميع، فتنتفي بذلك صيغة المعارَضة ما لم تأتِ بحجة وطرحٍ يعلوان على حجة هذه الأوراق.

 





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :