مطلع الالفيه الثانيه 1031 م كانت الدوله العربيه الاسلاميه في الغرب (الاندلس) قد وصلت الى نهايتها بعد 280 عاماً . في الشرق وفي نفس الوقت كانت الدوله العربيه الاسلاميه ( العباسيه) تتهاوى تحت عوامل التفكك بفعل الصراعات المذهبيه بين السنة والشيعه . وعلى وقع الهزائم العربية الاسلاميه شرقاً وغرباً ومن روحها كان الغزالي المتوفي 1111 م يهاجم الفلسفه ومدرسة العقل ومنهجها ويسفه منطق وفلسفة الفارابي وابن سينا (874-1037 ) .

على الطرف المقابل كان الغرب يقرأ فكر الفارابي وابن سينا مهتماً بعلمهما وفلسفتهما ينهل منهما ويغذ الخطى نحو صحوة مستدامه . وعلى صعيد الفكر السياسي – احد اهم مخرجات الفكر الفلسفي العقلي – سجلت صحوته اولى خطواتها في انجلترا باعلان (وثيقة الحقوق ) في العام 1125 في محاولة للانتقال بشعبها من رعايا للدوله الى مواطنين احرار لهم حقوقهم وعليهم واجباتهم .

وبينما مضت الدول العربيه الاسلاميه المفككه على خلفية صراعات المذهب والسلطه تمارس شعوذتها باحراق كتب ابن رشد ، وتتهمه بالزندقه وتزج به في السجن حتى توفي معزولاً في العام 1198 م ، كان الغرب ماض في قراءة فلسفته وفكره يتثقف بهما ويتحضر للتقدم في صحوته بخطوة انجليزية اخرى مع اصدار وثيقة الحقوق الكبرى (ماجناكارتا) في العام 1225 كاول اعلان حضاري متمدن لحقوق الانسان .

وعندما اعلنت الامبراطوريه العثمانيه الاسلاميه قيامها عام 1515 دولة خلافه مرجعيتها الخليفه صاحب الدين والدنيا جامعاً بين يديه السلطتين الدينيه والزمنيه ، كان الفكر الاوروبي السياسي يؤسس لاحترام العقل والحريات والدوله المدنيه العلمانيه بثورة مارتن لوثر (المانيا) على الكنيسه الكاثوليكيه في العام 1517 ألتي اسست لعزل الكنيسه عن ادارة الدوله واعادت ادارتها الى الشعب مالكها الحقيقي ليرى في شأنها ما يراه . وكان الفكر الاوروبي ينتشل اوروبا من كهنوت الكنيسه ويقودها الى عصر التنوير .

ظلت الامبراطوريه الاسلاميه العثمانيه على تبروئها من الفكر الفلسفي ومنهجها العقلي تنحو في ذلك نحو من سبقها من الدول الاسلاميه العربيه منها (الامويه والعباسيه) وهما دولتان سنيتان في المذهب وغير

العربيه (البويهيه والفاطميه والصفويه) وجميعها دول شيعية في المذهب . وظل الغرب بالمقابل مخلصاً في احتضانه للانارات الفرديه للفكر الاسلامي العربي ابتداء من الخوارزمي في نهاية القرن الثامن ( 781م) وحتى ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع في نهاية القرن الخامس عشر (1406م) مروراً بالفارابي وابن سينا وابن رشد الذين امتد حضورهم من نهاية القرن التاسع (874م) وحتى نهاية القرن الثاني عشر (1198م) .

هكذا افلت الامبراطوريه العثمانيه الاسلاميه في العام 1918 مخلفة شعوبها في ظلام دامس ، بعد ان كانت حكمة الغرب قبل قرن من ذلك قد نضجت وتسمت بالليبراليه وبدأت تنعم بمخرجات ثوراتها الانسانيه الفكريه والعلميه وبمنهجها العقلي من ثورة مارتن لوثر على الكنيسه الكاثوليكيه 1517م ، والثوره المجيده في انجلترا 1668م ، والثوره الامريكيه وحرب الاستقلال 1776-1783م ، والثوره الفرنسيه 1789-1799م والثوره الصناعيه التي تزامنت مع الثورتين الامريكيه والفرنسيه ولاتزال مخرجاتها تتوالد في متوالية هندسيه تضيف للغرب وللعالم كل يوم فرقاً جديداً في التقدم التكنولوجي المذهل .

ستقولون لنا ان دول حضارة الغرب ليست انسانيه وغير عادلة مع الدول والشعوب الاخرى ... سنقول لكم دلونا على دول حضارة غيرها وعلى مر التاريخ تعتبر اكثر انسانية وعدلاً منها . هذا هو الانسان فاذا استغرقته الاف القرون ليقيم حضارة انسانيه وعادله لبني قومه أو دينه او مجتمع دولته ، فكم يحتاج من قرون ليقيم حضارة انسانيه وعادله للعالم أجمع ؟