facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




كَـتْـلِة ساخنة


هاني العزيزي
11-04-2007 03:00 AM

تعود بي أجواء المناظرات والمواجهات التلفزيونية ، عبر القنوات الفضائية ، وهي أقرب ما تكون للمعارك الكلامية ، تعود بي إلى معركة خاسرة خضتها مع أحد أقراني من جيراننا ، عندما كنت بالصف الثالث الابتدائي ج ، قبل نحو نصف قرن ، وهي وإن كانت - إن لم تخني ذاكرتي - المعركة البدنية الوحيدة التي خضتها بإرادتي ، إذ لم يجبرني على خوضها أحد ، وخضتها دون إدراكي بعدم قدرتي على متطلباتها ، وكانت نتيجتها أن أكلت " كـَتـْلِة " ساخنة ، لا يزال مذاقها المّر في فمي . وقد جرت المعركة على النحو التالي : شكى لي أخي الصغير ضربه من قبل ابن الجيران ، وكانا بنفس السن ، فاستشطت غضبا ، و " فزعت " للانتقام والثأر ، وخرجت باحثا عن الفاعل ، فوجدت أخاه الذي يقاربني سنا ، لكنه أقصر قامة مني ، وعلم بما فعله شقيقه ، وعرف بما أسعى إليه من عقابه ، فرد علي بهدوء بالغ : " يا زلمة إحنا كبار ، بلاش شغايل الصغار " !! ، لم يعجبني رده الهادئ ، وازددت إصرارا على موقفي ، وأخذت أشتمه وعائلته بأقذع الألفاظ ، فنصحني بمغادرة المكان ، وقابلت ذلك بالرفض وكيل السباب من جديد . عندها لم أدرك ما حدث لي ، إذ أطاح بي بحركة سريعة ، وأوقعني أرضا ، ووجدته يجلس على صدري ، وينهال علي بالصفعات واللكمات ، ونزف أنفي دما ، وغادرت المكان أجر أذيال الهزيمة النكراء ، وأعود إلى بيتنا لأنال " كـَتـْلِة " ساخنة أخرى في المساء ، من والدي – رحمه الله وموتاكم – بعد أن علم بما أصابني ، وبتمزق ملابسي المدرسية خلال " المعركة " مع ابن الجيران .

نشاهد مناظرة أو معركة بين طرف يمثل تيارا سياسيا أو وجهة نظر اقتصادية من جهة ، وطرف آخر يناقضه ، وينكر عليه رأيه . ويفترض بمن ينظم اللقاء أو المواجهة أن يوجه الدعوة لأقطاب المواجهة بحيث يمتلك كل منهم الحجج والبراهين والوثائق التي تدعم موقفه ، وتنقض موقف خصمه ، كما يقترض بمن يتطوع للمواجهة أن يكون بـ " وزن " الخصم علما وحجة .

ما يحدث أن تكون المواجهة غالبا - لسبب أو لآخر - دون ندّية أو توازن ، فيقوم أحدهما بتمزيق الآخر شر ممزق ، من خلال أدلة وأرقام ووثائق ، في حين يقتصر رد الطرف الآخر على إنكار ما اتهمه به الأول ، وإطلاق شعارات ، وعبارات إنشائية و " تهويش " يزيد من سوء موقفه ، بل ويخرج بمثل " كتلتي " ويفقد أي تعاطف من المشاهدين والمستمعين ، الذين باتوا لا يستسيغون مناظرات الفزعات ، بل يسعون إلى الحقيقة بحلة علمية ، وبلغة خطاب واضح ومقنع ، وبذلك يخرج بـ " كـَتـْلِة " أخرى تماثل كتلة الوالد لي .

أتمنى أن لا يخوض أحد مناظرة أو مواجهة ، دون قناعته التامة بصحة موقفه وسلامته ، وقدرته على الدفاع والخطاب ، بل والهجوم في الوقت المناسب ، وأن لا يلجأ إلى ما لا يليق لاستدرار عطف الجمهور ، وأن يعرف " وزن " الخصم وقدرته ، ويترك الأمر برمته للأقوى منه للاضطلاع بهذه المهمة الخطيرة ، فقد تكون نقطة تحول في الرأي مع أو ضد طرف من الأطراف .

بقي أن أقول : لم أجرؤ على النظر في وجه من ضربني في ذلك اليوم المشؤوم ، ولا أدري ما آلت إليه أموره ، لكني أتذكره عندما أشاهد كل مناظرة أو مواجهة تلفزيونية " يتنطح " فيها أحدهم لما لا يطيق ، ولمهمة أكبر منه ، ولا يمتلك الحق المشروع في مهمته أساسا .
haniazizi@yahoo.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :