أما وقد نضجت إجراءات وزارة التعليم العالي في تقييم رؤساء الجامعات الأردنية ، ووصلت الأمور إلى مآلاتها ، فإننا لا نملك اليوم إلا أن نطوي صفحات الماضي بعجرها وبجرها ونتباشر خيرا بقرارات مجلس التعليم العالي الذي ارتأى أن متطلبات التغيير واستحقاقاته اقتضت الولوج في ضخ دماء جديدة في القيادات الجامعية. كتبنا كثيرا في الماضي وفندنا التراجع في الأداء القيادي والإداري للجامعات ،وتعرضنا بسبب ذلك للأذى والانتقام ،وأمضينا ساعات وأيام بين لجان التحقيق والرد على الاستجوابات وتلقي الانذارات والعقوبات الإدارية والمالية، ولم تلن لنا قناة في المنافحة عن مؤسسات التعليم العالي .لم يكن جل اهتمامنا منصبا على أشخاص الرؤساء فهم يأتون ويذهبون ولا نتذكر منهم إلا من أحسن للمؤسسة وطلبتها وكوادرها التدريسية .لقد ضلل بعض الرؤساء من قبل مساعديهم ومستشاريهم الذين أرادوا محاسبتنا على النوايا والمقاصد وهم لا يدركون أن النوايا والمقاصد هي في الصدور ومن الصعب لا بل من الظلم أن يعاقب الناس على ما يعتقدون أو ما تجول به خواطرهم.
لا نريد أن نجتر الماضي مع أنه لن يلومنا أحد إن فعلنا ذلك فقد بلغ الأذى مبلغه للعديد من الزملاء في جامعات، فمنهم من استدعي على عجل للنائب العام، ومنهم من أوشك على أن يتم احتجازه لولا كفالة محاميه، ومنهم من أسيئ لسمعته ومكانته العلمية والاجتماعية بسبب مقال هنا أو هناك ،أو إعجاب على منشور على وسائل التواصل الاجتماعي .لا نعلم كيف وسوست شياطين بعض الرؤساء للفتك بزملائهم مدرسين وإداريين ...لا نعلم من الذي زين لهؤلاء الرؤساء الانخراط في تشكيل عشرات لجان التحقيق والمجالس التأديبية والاستجوابات والإنذارات جاعلين من الجامعات مواقع عمل صعبة يسودها التربص والقمع والسلوك الكيدي؟ ما لحقنا من إساءة وأذى نفسي واجتماعي ومادي نحتسبه عند رب العزة الذي لا يضيع عنده شيء ويكفينا أن خير دليل على حصافة وصحة ودقة انتقاداتنا للجامعات هو ما انتهى اليه مجلس التعليم العالي من قرارات بإعفاء عدد من رؤساء الجامعات على ضوء ضعف وفقر أدائهم.
مجلس التعليم العالي برئاسة الوزير الدكتور عادل الطويسي أسهم في نزع فتيل التوتر والتأزيم في الجامعات المعنية ، كما أن قراراته بإعفاء بعض رؤساء الجامعات تضمنت رسالة واضحة للرؤساء الذين ارتأى المجلس استمرارهم في الخدمة مع الطلب منهم بتصويب بعض الفجوات والأخطاء الواردة في التقييم. نسجل للوزير تلك النقلة النوعية في عمل مجلس التعليم العالي ونسجل أيضا له صموده وثباته في وجه هجمات وحملات شرسة من التشويه التي قادها للأسف بعض من كنا نعتقد أنهم رموز التعليم العالي في الاردن .اللهم لا شماتته بالرؤساء الذين غادروا مواقعهم ونتمنى لهم التوفيق في عملهم بين زملائهم المدرسين ونحن على يقين بأن الأيام والشهور القادمة ستكشف لهؤلاء الرؤساء كم سيتغير سلوك الناس معهم ،وكم سيدركون حجم أجواء الوهم والخداع التي كانوا يعيشونها ،وكم سيتفاجؤون بسلوكيات بعض من كانوا يعتقدون أنهم معجبون بفكرهم ومنهجيتهم. لن تقرع هواتفكم كثيرا ولن يتسابق الكثيرون ممن وثقتم بهم للمديح والثناء على عبقرية إداراتكم.
دور مجلس التعليم العالي ينبغي أن يستكمل في إفراز قيادات جديدة وفق متطلبات تتجاوز الشهادات وأماكن التخرج وعدد المؤتمرات والأبحاث المنجزة. لقد طبقت مثل هذه المعايير سابقا وأفرزت من تم إقصاؤهم أمس عن مواقع رؤساء الجامعات. القيادة والسلوك والحصافة والتاريخ والنزاهة هي متطلبات غاية في الأهمية وربما تتجاوز في أهميتها المؤهلات العلمية والخبرات وعدد البحوث والمؤتمرات. التعليم العالي في الأردن يمر في منعطف مهم جدا ونحسب أن اختيار قيادات ملائمة وفعالة هو ضرورة لدعم التوجهات الرسمية لتطبيق الاستراتيجية الوطنية للموارد البشرية التي يمكن أن تشكل حبل النجاة وفرصة لإنقاذ مؤسساتنا التعليمية وطلبتنا من نواتج النكوص والتراجع الذي شهدته الجامعات خلال العقد الماضي ...