انعقدت في يوم الأربعاء الموافق الثالث عشر من كانون الاول لعام ٢٠١٧ القمة الطارئة الاستثنائية لمنظمه التعاون الاسلامي لمواجهة التحديات والتداعيات السلبية التي خلقها قرار الرئيس الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية اليها، بهدف بلورة موقف موحد وثابت لأكثر من ٥٠ دولة عربية واسلامية ووسط ترقب مليار ونصف مليار عربي ومسلم لما سوف تسفر عنه هذه القمة من إجراءات تضمن حماية مدينه أولى القبلتين وثالث الحرمين. وخاصة لما شهدته القمة قبل انعقادها من تصريحات ومواقف بأنها ستكون رداً فعلياً وعملياً على القرار الامريكي استجابة للشارع العربي والاسلامي الملتهب.
ولكن هل فعلاً كانت هذه القمة وقراراتها على قدر الأمل المعقود عليها ، وقبل ذلك هل فعلاً كان الشارع العربي والإسلامي ملتهباً ضد هذا القرار الأميركي أم كان ملتهباً على نفسه ؟ وللإجابة على هذا السؤال فإنه باستثناء ما حصل في الشارع الأردني والشارع الفلسطيني لم أجد ما يشير الى وجود نبض في هذا الشارع بل كان الى صمت القبور أقرب الا لمن رحم ربي باستثناء صوت الاشتباكات العربية العربية.
اما بالنسبة للمؤتمر فكان من بداية انعقاده يحمل بوادر فشله وخاصة من مستوى تمثيل الدول به والتي اقتصر بعضها على ايفاد موظفين رفيعي المستوى لحضوره نيابة عن دولهم . وفِي الجلسة الافتتاحية ألقى أردوغان كلمه حماسية وكأنه يخاطب جماهيراً من أنصاره تجتمع في ميدان تقسيم بهدف الحصول على تصفيقهم وهتافهم قبل الذهاب الى منزله لينال قيلولته. ثم جاء الدور على المسكين محمود عباس الذي قدم قائمه بطلباته وتمنياته امام المؤتمر التي تضمنت إلغاء القرار الامريكي واتخاذ إجراءات لإلغاء الدور الأميركي كوسيط للحل السلمي والكثير من المطالبات والتي لو تحقق بعضها لأعتبر أكبر انتصارا للقضية الفلسطينية. ثم جاء دور جلاله الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ليتحدث حديث المنطق وحديث من يعرف إمكانيات وقدرات متلقي حديثه كما يعرف إمكانيات وقدرات بلاده مفوتاً الفرصة على من يريد ان يضع الأردن في فوهة المدفع ليذهب هو وشعبه وربه ليقاتلوا بينما هم قاعدون.
حيث أكد جلالته اننا سنتصدى لمحاولات تغير الوضع التاريخي والقانوني للقدس التي تعيش في وجدان كل المسلمين والمسيحيين . وتحدث عن تقديم كل الدعم للأشقاء للفلسطينيين بالاشتراك مع المجتمع الدولي لإيجاد حل عادل ودائم لقضيتهم يرفع الظلم التاريخي عنهم. وأكد استمرار الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وأنها مسؤوليه تاريخيه. وحذر من اتخاذ أية إجراءات أحادية تمس القدس خارج نطاق حل شامل يلبي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعاصمته القدس.
وبعد انتهاء الجلسة الافتتاحية جاءت قرارات القمه والتي تضمنت اعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية وان القدس الشرقية عاصمه لهذه الدولة ، ودعوه الدول للاعتراف بذلك .
كما تضمن البيان رفض وأدانه القرار الأحادي الغير قانوني والغير مسؤول لرئيس الولايات المتحدة الأميركية القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمه مزعومة لإسرائيل واعتباره لاغياً وباطلاً . وان قرار ترامب هذا يعتبر تقويضاً متعمداً للجهود المبذولة لتحقيق السلام ويعتبر في مصلحه التطرف والارهاب ويهدد السلم والأمن. وان هذا القرار بمثابة اعلان انسحاب للإدارة الأميركية من ممارسه دورها كوسيط في رعاية عمليه السلام وتحقيقه بين الأطراف المختلفة.
هذا ما وردني من قرارات القمه ولكن ليس بشكل رسمي حيث أني لم اطلع على النص الرسمي للبيان حتى الآن .
الا ان هذا البيان لم يتضمن أيه إجراءات او قرارات باتجاه الولايات المتحدة ولا باتجاه دوله الصهاينة ولا حتى الإشارة الى أي خطوات مزمع القيام بها لمواجه تداعيات القرار الامريكي كما كان بعض المتفائلين والحالمين يتوقعون او كما كان البعض يهددون . الامر الذي سبب سعادة غامره لنتنياهو، كما جلب السعادة للإدارة الأمريكية على مختلف درجاتها حسب ردود الفعل على نتائج المؤتمر.
وقد يقول قائل ان هذا البيان تضمن اعلان القدس الشرقية عاصمه لدوله فلسطين كما تضمن دعوه الدول للاعتراف بهذه الدولة وأن هذا شيء جيد ولطالما طالبنا به . ولكن هذ لا يعني اعتراف الدول المشاركة بالمؤتمر بصوره تلقائيه بهذه الدولة حيث ان هذا الامر يتطلب إجراءات قانونيه وبروتوكوليه، وان علينا ان ننتظر بعض الوقت او طول الوقت حتى يتم هذا الاعتراف وحتى نعرف من سيعترف ومن سوف لا يعترف. كما ان هذا القرار ودعوه الدول للعمل به بما فيها الدول العالمية قد يكون يخفي ورائه صفقة تم عقدها ومحتواها (نحن اعترفنا بالقدس عاصمه لإسرائيل وأنتم اعترفتم بأن القدس الشرقية عاصمه لفلسطين). ومن يعود الى خطاب ترامب او مندوبته في الامم المتحدة او تصريحات مساعده ووزير خارجيته ويبحث في خفاياها قد يجد فيها دليلاً على ذلك. وهذا سيعني حريه كل دوله في العالم بالاعتراف بالقدس عاصمه لإسرائيل وان تعترف هذه الدول بأن القدس الشرقية عاصمه للدولة الفلسطينية. وقد يقول قائل ان هذا ما كنّا نسعى اليه، ولكن كان هذا مطلباً من خلال الاتفاق على الوضع النهائي للقدس، لأنه دون ذلك سيبقى الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية حبراً على ورق طالما ان اسرائيل تحتل القدس وترفض الانسحاب منها وتصر على ان القدس عاصمه موحده لها. وبذلك لن تتمكن الدولة الفلسطينية من ممارسه سلطاتها من القدس ولن تتمكن اَي دوله تعترف بالقدس الشرقية عاصمه للدولة الفلسطينية من فتح سفارة لها فيها، على عكس الاتجاه الآخر فأن اَي دوله تعترف بالقدس عاصمه لإسرائيل فبإمكانها ان تفتح سفارتها بها غداً.
اما ما تضمنه البيان من رفض لقرار ترامب واعتباره غير شرعي وغير قانوني وغير مسؤول واعتباره لاغياً فهو لن يعدوا لغو الكلام ان لم نكن نملك إمكانية تنفيذه وإرغام ترامب وادارته على التراجع عنه . اما ما ورد في البيان من ان قرار ترامب يعتبر تقويضاً لعمليه السلام وأنه يعتبر بمثابة انسحاب الإدارة الأمريكية من القيام بدورها كوسيط محايد في مباحثات السلام، فهل كانت العملية السلمية تسير على سكتها الصحيحة؟ وهل كانت الإدارة الأمريكية في يوم من الأيام وسيطاً محايداً بين الفلسطينيين والإسرائيليين حتى ننعى هذه الدور الذي نحن من المفروض ان نطالب بتغييره؟ اما القول ان مثل هذا القرار سوف يسبب المزيد من التطرف والعنف، الم نقم نحن وخلال السنوات الأخيرة باتهام الولايات المتحدة الأمريكية بأنها هي من يقف وراء عمليات التطرف والعنف والارهاب في بلادنا، فما الجديد؟ ثم ماهي الوسيلة لإرغام الولايات المتحدة للرجوع عن قرارها عن طريق مجلس الامن اذ يتطلب اتخاذ مثل هذا القرار موافقه أربع عشر عضواً من أعضاء المجلس الخمسة عشر كما ورد على لسان مندوب فلسطين بالأمم المتحدة. وماذا بقي بعد ذلك من البيان الصادر عن هذا المؤتمر الذي ولد ميتاً بعزوف الغالبية العظمى من الزعماء وخاصه العرب منهم عن حضور هذه القمة بما فيهم الدولة التي ترأس لجنه القدس. وانحصار الحضور على مستوى الزعماء على سته عشر دوله من أصل حوالي خمسين دوله مشاركه على اهميه القضية التي من المفروض ان هذا المؤتمر عقد من اجلها؟ ثم كم عدد الدول التي سوف تقدم على القيام بأجراء ممكن ان يسبب غضب أميركا وعدد كبير منها بحاجه لأحسن العلاقات معها لمساعدتها في حربها مع النفوذ الإيراني التي هي خلقته وصنعته وزرعته ودعتنا لنتقاتل معه وحوله؟
هذه قراءتي لقرارات هذه القمه وأتمنى ان أكون مخطئاً في قراءتي هذه . ولكن ماذا علينا ان نتوقع منها إذا كانت الجامعة العربية التي عقدت اجتماعاً لوزراء خارجيه دولها في نهاية الأسبوع الماضي لمناقشه هذه القضية اكتفت بإدانة شفهية لقرار الإدارة الأميركية ودعوه خجولة منها لإلغائها. وإذا لم تستطع الدول العربية عقد قمة عربية طارئة لمناقشة هذا الموضوع والذي طرحت الأردن فكرة عقده ويبدوا انه تم وأد هذه الفكرة في مهدها.