facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




غواية نائل العدوان تستفزك للحديث عنها


يارا عويس
30-12-2017 11:55 AM


لم تكن تلك مصادفة أن ألتقي (غواية.. لا تود الحديث عنها) تلك الرواية التي أغوتني لأن أنهيها بشغف القارئ اللحوح، فكعادتي يفضُّ الكتاب من ساعدي في فصوله الأولى إلا إذا وجدت فيه شيئاً مغايراً مائزاً يلامس فيه فضولي وشغفي.
نائل العدوان كاتب متمكن يحيل السطور في أعين قارئه إلى صور ومشاهد متحركة يمزجها بتفاعل القارئ الشعوري فتخترق من حيث لا تدري بواطن العقل، فيتشكل قارئه كوحدة مع النص لا يتجزأ عنه ولا ينفصل.
وعبر فصول الغواية المصوّرة المتحركة تلتقي العدوان، حيث تبدو روحه جليّة من خلال عكس رؤيته على الشخوص وتفاعله مع السياق، الذي يبين لك أنك أمام عمل إبداعي يفصّل كاتبه قبل أن تتمازج معه كنص روائي، فمهما استدار بفنية وحرفية حول الشخوص وألبسهم من حِلل، إلا أنه حاضراً في جزئيات النص مما أكسب الرواية تفاعلها الشفاف مع القارئ.
في الغواية رؤية تنويرية ترتقي لأعلى مراحل الوعي في بعض مقاطعها التي تحاكي جدلية البقاء، والروح، والجسد، والقدر، فقد تركت تساؤلات تبقى عالقة في ذهن القارئ؛ وصفَ فيها مقتطفات الحياة بأنها مقاطع ومشاهد مكتوبة وقدرية حيث طرحها العدوان على شكل تساؤلات على لسان الشخوص، أو ضمن تكهنات السارد ليضعك على مفترق من الوعي مستفزاً إياك للخوض في معتركات السؤال؛ أهي الحياة وأحداثها مكتوبة لا يصح لنا التغيير فيها؟! ووسط زخم الأدوار الحياتية التي يعيشها البطل وارتدائه أكثر من حلّة جسدية عبر مشاهدها وفصولها يبقى السؤال عالقاً
(أنتَ .. من أنت ..؟!)
وفي غمرة انسجامك وانغماسك في تتبع أحداثها يغافلك بحرفيه ليذكرك بأنك تقرأ نصاً روائياً؛ فيذكر بتعابير خاطفة عبارات تفك ارتباطك الشعوري مع النص للحظات، فيحركك عبر ردهات وعيه من اللاشعور وبواطن انغماسك الى اليقظة؛ نعم، فالعدوان يراوح في عيارات البنج التي يزودك بها لتبقى عالقاً في ردهات نصه الشيّق.
الغواية تحمل محاكاة فلسفية للحياة بنصوص مكتنزة وسرد أنيق يتسرب بعفوية الى شغاف قلب القارئ؛ كيف لا وقد وضعك أمام حلول لبعض منزلقات الحياة، فعندما صوّر البطل بأنه يلقي همومه كأكياس من الملح في البحر لتذوب ويذوب منها ما مضى، فإنه يصل بك إلى نقلةٍ من الحضور تنفيك عن تشبثك بالماضي وتستحضركَ إلى الآن.
وعندما راح البطل ينقذ شأن السفينة من الغرق فإنه يضعك من حيث لا تدري مع أزماتك الحياتية وقدرتك على مجاراتها لتنفذ من أي معترك...
(حين يثور الموج صخبه عالياً كنت تدفع السفينة باتجاه ثورته، لا تعاكس صخب البحر تميل بخصر السفينة الى اليمين فيتزن لليسار ، وأنت هكذا تلاعب البحر لتخرج من العاصفة الهوينى)
ومع النسبية يرسو بكَ العدوان إلى شواطئ التحرر من عوالق الفكر ومسميات الأشياء من حولنا ...
(الحرية لا تعني أن تكون خارج القفص، فأنت وإن كنت داخله فروحك هي المعنية بالسجن، وأنت ساهمٌ في أمر الحرية التي افتقدتها، تفكر بنسبية الأشياء وعدم جواز إطلاقها)
تفاصيل السرد والوصف الدقيق يجعل الرواية تتحرك كمشهد امامك في بعض حلولها، وبعضها الآخر تحس أنك ضيفاً على المشهد ومشارك في تسلسل أحداثها وهذا يعود بكل تأكيد إلى حرفية الكاتب وتمكنه من السرد الشفاف وسبر أغوار النفس البشرية.
يناقش العدوان جدلية الحزن والفرح بتصويرات هندسية فيمنح أشكالاً لكليهما في حلولها قلبك كدوائر ومستطيلات، ويرسم حلول الخوف وكأنه يضع خارطة جغرافية للمشاعر البشرية ..
(خوف صغير ودائري ومعقد، ولعلك تستغرب لمَ هو دائري ولماذا لا يكون على شكل مثلث أو مربع، هو دائري يا صديقي لأنه يصيبك في رأسك من جهة الشمال ثم يصعد إلى ناصية رأسك تماماً عند القمة، وينخفض إلى اليسار ثم يرجع إلى نقطة الأصل).
ولم يكتفي بهذه الأبعاد الفلسفية الحياتية فقد قاربت الحكاية المشهد العربي وثوراته الأخيرة مما ألبس النص بعداً سياسياً يحاكي فيه الثورة والإصرار ومعاناة الشعوب.
رواية تصلح لأي زمان ومكان، تجعل القارئ يقارب بين أمكنتها ليتكهن أرض حلولها وعصر حدوثها؛ ورغم الوصف الدقيق المتناهي، إلا أنها غيبت تفاصيل هذا مما جعلها صالحة لأي زمان. ولربما أكثر ما لفت انتباهي فيها هو تلك الحركة المنسابة للأحداث والتي تجعلها متسارعة في بعض فصولها، ومتباطئة في الأخرى؛ لعل هذه السرعات المتفاوتة في سرد القصة تمسك بالقارئ من الانفلات بين أوراقها.
لمْ يسبق لي أن أتمسك بما أقرأ ففي الغالب أنهي الكتاب وأضعه جانباً ليترك ما تركه من أثر في نفسي وروحي، ولكن هذه الغواية لم تغادرني حتى بعد إنهائها، هي كتاب يستحق أن تقرأه لتمتلئ من هذا الفكر وهذه الروح التي تتسرب إليك، حقاً الغواية عمل إبداعي يجعلك تقف أمام كاتب استثنائي.
شكراً نائل العدوان شكراً للغواية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :