facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أمريكا .. والسقوط نحو الهاوية !


أ.د عمر الحضرمي
07-01-2018 05:50 PM

منذ أن انهار الاتحاد السوفياتي، والولايات المتحدة الأمريكية تتفرد باحتلال القطب الأوحد في العالم، ومنذ ذلك التاريخ وهي ترتكب الجريمة تلو الأخرى، دون الأخذ بعين الاعتبار أو الاحترام لأي قاعدة قانونية أو إنسانية أو أخلاقيّة أو دولية، بل تجاوزت ذلك إلى احتراف البلطجة التي أخذت بها حيال عدد من دول العالم. وعملت على الضغط على الصالحين والراشدين والطاهرين من أصحاب القرار في الحكومات المختلفة ليغيّروا من نهجهم والسير في ركابها، مهددة إياهم بأنها ستعمل على اسقاطهم، وقبل ذلك ستعرضهم ودولهم إلى الاضطراب والفوضى الخلاقة وغير الخلاقة، إنْ هم رفضوا الانصياع لها.

تنازلت الولايات المتحدة الأمريكية عن بقية القيم التي كانت تمثل بعض مرتكزات المجتمع الأمريكي، وذلك بما عملته ضمن ممارسات ممنهجة للقضاء على الهنود الحمر أصحاب الأرض، واستعباد الزنوج الذين أتت بأجدادهم من أفريقيا ليبنوا أمريكا كمستخدمين لا ينالون من الحقوق إلا حق الدفن إن ماتوا، وربما هذا الحق لا يكون متاحاً لهم أحياناً، ومارست معهم كل صور التمييز العنصري.

صحيح أن هناك مسؤولية تلقى على عاتق الآخرين الذين يتنازلون عن كرامتهم، ويلهثون وراء الدرهم والدينار، شارين بها الهوان والانحطاط والتخلّي عن الكرامة والعزّة، بائعين أنفسهم في سوق النخّاسة. ولكن هذا لا يُعفي هذا الجزء من العالم الذي يّدعي الحضارة والتقدم والتطور والحداثة والمصداقيّة، من كونه هو السبب في هذا الانحدار الذي يشهده المجتمع الدولي، حيث أصبحت القوّة هي أساس القانون الذي اهينت كرامته ولم يعد يحسب له حساب إلا في المطارح التي تدور فيها حوارات حول شكليات الأقوال والأدبيات الفارغة من المضمون.

إن ما نشهده هذه الأيام من تصرفات، سواء للرئيس الأمريكي ترامب، أم ما يصدر من قرارات عن إدارته، تشي بأن هناك حالة من الانحدار والتدهور وصفها الحكماء الأمريكيّون أنفسهم بحالة "جنون"، وقال أحدهم وهو ما يكل وولف عن اعترافات خطيرة لمستشار ترامب المُقال ستيف بانون، والتي أثارت عاصفة في واشنطن: بأن ذلك ما هو إلا "نار وغضب داخل بيت ترامب الأبيض".

لقد أوصلنا الحال الأمريكي إلى الوقوف أمام مشهد لا يمكن وصفه إلا "بالجنون"، تُوِّج بإعلان ترامب الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لدولة الكيان الصهيوني، وأمْرِه الفوري بالبدء بإجراءات نقل مقر السفارة الأمريكية من تل إبيب إلى القدس، وهذا بشقيه يعني انتهاء الدور الأمريكي الوسيط في حل القضية الفلسطينية، ليس بانسحابها من العملية، ولكن بانتقالها إلى الانحياز الكامل إلى الجانب الصهيوني.

إن ما قام به الرئيس الأمريكي لم يكن جديداً، ولا شاذاً، ولا غريباً، ولا مستهجناً، فقبله قال كثيرون الكثير، حتى أن باراك أوباما قال: إن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل هي علاقة "مقدّسة"، بمعنى أنها علاقة يفرضها الدين والعقائد السماوية، ولا يمكن التنازل عنها، وكلما فعل الحاكم الأمريكي خدمة لإسرائيل كلما سُجل ذلك في ميزان حسناته في السماء. أي أن حماية إسرائيل والحرص على مصالحها أمران لا يمكن التهاون بهما حتى لو كان في ذلك مساس بالمصالح الأمريكية المباشرة في علاقاتها مع الأطراف الأخرى، وهذا برأي أوباما أمر من السماء.

وبالرغم من هذا الكم الكبير من الهزائم التي تتعرض لها الإدارات الأمريكية في المحافل الدوليّة، إلا أن الرئيس ترامب لا يزال مصراً على المزيد من الانحدار نحو الهاوية فيما يتعلق بالقضايا الدوليّة وأولها المسألة الفلسطينية.

وعلى الطرف الآخر من العالم، نرى أن إدارة ترامب بدأت تتعرض لمظاهر كبيرة من الانعزال التي يجب التنبّه إليها أمريكيّا. فقد شهدنا المزيد من التخلي عن العلاقات مع واشنطن، ليس من قبل المستفيدين من هذه العلاقات فقط، ولكن حتى من قِبَلِ الأصدقاء التقليديين. ولقد رأينا مؤخراً أن المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة أصبحت صوتاً ناشزاً ونشازاً، وراحت تغرّد منفردة خارج السرب. حتى الاستخدامات المتبعة في رسم العلاقات الدولية راحت تنحدر إلى المستوى الصبياني، وتجاوزت مرحلة "من ليس معنا فهو ضدنا".

في السادس من كانون الأول الماضي أعلن ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة "لإسرائيل" كما ذكرنا، وعلى أثرها لم يجد الفلسطينيون والعرب والمسلمون في امريكا الجهة التي يمكن الاتصال بها لحل القضية، كما أنهم رفضوا استقبال نائب الرئيس الأمريكي "مايك بينس" الذي كان ينوي زيارة المنطقة في العشرين من ذات الشهر، إلا أن زيارته قد تأجلت. ويأتي هذا في سياق جديد للتعاطي مع الولايات المتحدة الذي، بالتأكيد، سيكبر، خاصة ونحن نرى ذلك الفشل الأمريكي في مجلس الأمن، وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي التعاطي مع قضية الاتفاق النووي مع إيران، وفي التعامل مع كوريا الشمالية، وفي التصدي لهذا الصعود الصيني اللافت للنظر، وفي وقف تنامي الدور الروسي على الساحة الدوليّة، وفي الخوف من توتر العلاقات مع تركيا، وفي محاولة التسلل المذل إلى سوريا، وفي ذلك الرعب مما يجري في أفغانستان، وفي تلك المواجهة مع باكستان، وفي ذلك التراجع عن الاستمرار في قيادة العالم، وفي ذلك الصعود لقوى ودول أخرى منافسة "للدولة العظمى"، وفي ذلك الانسحاب من اتفاقية المناخ الدولية واليونسكو، وفي وقف دفع التزاماتها نحو الأونروا.

إن ما تمر به أمريكا، وما تقوم به إدارتها، وما تتخذه من قرارات، يجعل كل المحللين السياسيين، وحتى قارئ الفنجان، يرون أن السقوط نحو الهاوية قد بدأت تباشيره تظهر جلّية في الأفق، ولم تعد أمريكا تملك إلا عدداً قليلاً من أوراق اللعبة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :