المنخفضات الجوية: استعدادات حقيقية أم "فزعة"
21-01-2018 11:08 PM
عمون - محمد حمد - انقطاعٌ للكهرباء، اختناقاتٌ وحوادثٌ مرورية، مياهٌ تُغرِقُ الشوارع، حالاتُ اختناق بالمدافئ، هذه الأحداث وأكثر لا تحصلُ في ظروفٍ جويةٍ صعبة تستمر لمدَّةِ أيام بل خلالَ الساعاتِ أو الدقائقَ الأولى لدخولِ أيِّ منخفضٍ جويٍ يُؤثِّرُ على المملكةِ، والمشكلةُ الأكبر هي وقوعُ هذه الحوادثِ في وقتٍ تًؤكِّدُ فيه جميعُ الجِهاتِ الرسميةِ جاهزيَّتَها واتخاذَها جميعَ الإجراءاتِ الاحترازيةِ قُبَيلَ تأثُّرِ البلادِ بظروفٍ جويةٍ من المُتوقَّعِ أن تَحدُثَ خلالَ فصلِ الشتاء.
لا يُعدُّ التقصيرُ الرسميُّ في الخَدماتِ والاستعداداتِ بحَسبِ المراقبين أمراً مستغرباً، فالسنواتُ السابقةُ والتي أظهرَت تقصيراً كبيراً لدى غالبيةِ المؤسساتِ تُثبِتُ بأن نهجَ الاستعداداتِ السائدِ لدى الجِهاتِ المعنيةِ بمعالجةِ أيِّ خللٍ خلالَ الأحداثِ الطبيعيةِ غيرَ كافٍ أو مُنّظمٍ بل يتمُّ بشكلٍ عشوائي "فزعة" بعيداً عن التشبيكِ الجيدِ بين تلك الجهات أو حتى التنسيقِ في ما بينها خاصةً وأن عملَها يُعتبَرُ مُكملاً لكلٍ منها أي بمعنى آخر لا يمكن لواحدةٍ أن تتخذَ أيَّ إجراءٍ بعيدا عن الأخرى.
أرقام حول المنخفض الأخير
فورَ دخولِ المنخفضِ الجويِّ الأخير مساءَ الخميسِ الماضي والذي ترافقَ بهبوبِ رياحٍ سريعةٍ غيرَ مسبوقةٍ بدأت الشكاوى تنهالُ من مواطنينَ عن انقطاعِ الكهرباء في عددٍ من مناطقِ المملكةِ إضافةً إلى حوادث كسقوطِ أشجارٍ وأعمدةِ إنارةٍ حيثُ تمَّ رصدُ أكثر من خمسينَ شكوى مماثلةً خلالَ الساعةِ الأولى من المنخفض.
ولكن ما كشفَتهُ الأرقامُ الرسميةُ التي أعقبَت الظروفَ الجويةَ جاءت صادمةً أيضاً وذلك بعدَ وقوعِ نحو تسعين إصابةً نجمَت عن مئةٍ وحادثين في مجالِ الإطفاءِ والإنقاذِ تعاملَت معها كوادرُ الدِّفاعِ المدني، في وقتٍ لا يتجاوزُ أربعاً وعشرين ساعةً فقط.
أمانةُ عمان أيضاً تعاملَت مع مئةٍ وثلاثينَ ملاحظةً تلقَّتها بخصوصِ تعرُّضِ أشجارٍ للخلعِ أو تكسُّرِ بعضِ أغصانِها بفِعلِ الرياحِ القويةِ خلالَ المُنخفضِ الجوي، غالبيتُها داخلَ المنازلِ والمدارسِ بنسبةٍ بلغَت ثمانينَ بالمئة، تسببَ بعضُها في حالاتِ انقطاعٍ للتيارِ الكهربائي، كما تعاملَت شركةُ الكهرباءِ مع مئاتِ الأعطالِ الكهربائيةِ خلالَ يومٍ واحد.
هذا الأمر دفعَ إلى طرحِ تساؤلاتٍ عن طبيعةِ الاستعداداتِ التي أعلنَت عنها المؤسساتُ الرسمية، بدءاً من البلدياتِ ومروراً بالمياهِ والكهرباء، وليسَ انتهاءً بالسير، مع وقوعِ هذا الكمِّ الكبيرِ من الإصاباتِ والحوادثِ والأعطال.
المياه ونسبة الفاقد منها
ولعلَّ ما أعلنَته وِزارةُ المياهِ عن رَفدِ المُنخفضِ الجويِّ الأخير سدودَ المملكةِ بحوالَي خمسةٍ وعشرينَ مليون م3 من مياهِ الأمطار، ورَفعِ التخزينِ فيها إلى نسبةٍ وصلَت إلى أكثرِ من خمسةٍ وثلاثينَ بالمئة، ولكن في المقابل لم تُعلِن الوِزارةُ عن حجمِ الفاقدِ من المياه الذي يذهبُ هدراً بسببِ عدمِ وجودِ آلياتِ حصادٍ مائي تحافِظُ على كمياتِ المياِه الهاطلة، والتي بحَسبِ الخبراء تذهبُ نحوَ خمسينَ بالمئة منها دونَ فائدة، باستثناءِ تلكَ التي تروي الأراضي الزراعية.
هذا الهدرُ في مياهِ الأمطار يأتي في وقتٍ تتراوحُ المملكةُ فيه بينَ المرتبةِ الأولى والثانية على قائمةِ الدُّوَل الأفقرِ بالمياه، وفي وقتٍ تعملُ فيه الحكومةُ على تنفيذِ مشاريعٍ ضخمةٍ لتعويضٍ عَجزِ المملكةِ من المياهِ الصالحةِ للشرب وريِّ المزروعات.
نحن الآن على أبوابِ منخفضٍ جوي جديد، سيُطِلُّ برأسِه منتصفَ الأسبوعِ المُقبِلِ بحَسبِ الخرائطِ لمراكزِ الرصدِ الجوية، ولن يكونَ مُستغرباً أن نسمعَ ذاتَ التصريحاتِ المؤكدةِ على جهوزيةِ المؤسساتِ الخدمية، ولن يكونَ مستغرباً أيضاً أن نرى كمَّ الحوادثِ والأزماتِ كالتي شهِدناها مؤخراً.