facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




القوة الناعمة


د. ماهر عربيات
24-01-2018 03:12 AM

قد يكون للقوة الصلبة أو التلويح باستخدامها أو التهديد بفرض عقوبات اقتصادية على دولة ما، ذات جدوى مناسبة أحياناً، لتدارك اضطراب أو إنهاء نزاع أو التصدي لتهديدات قائمة، غير أن تحقيق الانتصار الواسع والرحب لا يتحقق حسب فلاسفة القوة الناعمة إلا من خلال الأدوات التي تجعل الجهة المستهدفة تقبل وترضخ للمطلوب منها، دون أن تدرك مستوى الضغط والإكراه الذي يمارس عليها، والارتهان إلى سياسات الفعل ورد الفعل، وحسابات العداوة والخصومة.
القوة الناعمة هي الوجه الآخر لقوة الدولة، ولذلك يتوجب على أي دولة أن تمتلك قوة روحية ومعنوية كالثقافة والأدب والفن والإعلام والبحث العلمي التي بحضورها تسود الأمة وبغيابها تنكمش وتتراجع، عبر ما تقدمه من إسهامات فكرية وثقافية وقيمية إذا ما أرادت أن تحظى بموقع طليعي بين الأمم، وتكون مركز جذب واحترام واعتبار وتقدير وصولا إلى الإعجاب بالدولة نفسها.

تتقدم الولايات المتحدة دول العالم في القوة الناعمة نتيجة وجود عشرات الآلاف من الباحثين الأجانب في مراكزها ومؤسساتها البحثية، وما يزيد عن مليوني طالب أجنبي في الجامعات الأمريكية، وتنتج أمريكا أكثر من ثلثي الأفلام والمسلسلات والبرامج التلفزيونية في العالم، وتمتلك ما يقرب من ربع القنوات الفضائية العالمية. وتأتي بريطانيا في المرتبة الثانية، فيما تحتل فرنسا المرتبة الثالثة على مستوى العالم.

هناك غياب للقوة الناعمة العربية، ضعف في الإنتاج الفكري، يتمثل في عجز السينما وركاكة المسرح وعجز الأدب، ووضاعة الإعلام، ولغو ووهن الفضائيات. ورغم امتلاك الدول العربية لوسائل إعلام مختلفة، وفضائيات تمثل ستة عشرة بالمائة من المحطات الفضائية في العالم، وتاريخ طويل في المسرح والسينما ودور نشر ومؤسسات ثقافية واسعة، لكنها تراجعت في أداء دورها، حتى أصبحت غير متواجدة ضمن الترتيب العام للدول القوية.
المخجل أن إسرائيل التي تعتبر مثالاً لأسوأ احتلال، جاءت في المرتبة السادسة والعشرين من بين أقوى ثلاثين دولة في العالم، وتمكنت من تقديم نفسها مكراً وخداعاً وكذباً وافتراءً، على أنها تملك قوة ناعمة، وحظيت بموقع متقدم عالمياً، وإن غادرته لاحقاً.
تفوقت إسرائيل في ميدان البحث العلمي، ومنحته أولوية كبرى، واعتبرته قضية أمن قومي، وتفيد بعض الدراسات أن الجامعة العبرية، تبوأت المركز الرابع والستين على مستوى الجامعات في العالم، في حين لم يرد ذكر أي من الجامعات العربية ضمن الخمسمائة جامعة الأولى. وتسيطر القوة الناعمة الإسرائيلية على الآلة الإعلامية العالمية، كالتلفزيون والإذاعة والسينما ومواقع إخبارية واجتماعية، ناهيك عن الصحف العالمية الكبرى، مثل التايمز اللندنية، والديلي تلغراف، ونيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وغير ذلك من الصحف والشبكات التلفزيونية.
كما احتلت اسرائيل المركز الخامس عشر عالميا، في مستوى أبحاثها المنشورة في العلوم البحثية والتطبيقية، ففي عام 2008 أنفقت تسعة مليارات دولار على الأبحاث العلمية، وهذا يمثل أعلى نسبة إنفاق شهده العالم في ميدان البحث العلمي.
ألا ينبغي لنا التوقف للتساؤل والتفكير، كيف امتلكت إسرائيل استراتيجية القوة الناعمة وطورتها؟ وكيف نجحت في مخاطبة المواطن الغربي عبر إنتاجها الفني وأفلامها الوثائقية من أجل إخراج إسرائيل من صورة الصراع مع الفلسطينيين إلى صورة الدولة القوية الناجحة، رغم الاحتلال ورغم ثقافة القتل وثقافة التشريد ورغم ثقافة مخالفة الأمم المتحدة، والقوانين الدولية والأعراف الإنسانية؟
لابد للعرب من حيازة قوة ناعمة متماسكة، وتقع علينا جميعا مسؤولية تعزيزها، لتشكل مصدر إلهام للجميع، ويتطلب الأمر إعادة تقديم الأدباء والمفكرين والفلاسفة والمثقفين... أدباء حقيقيين لا مزيفين، وخبراء مختصين لا خائبين، ومثقفين متمرسين لا عاجزين، ونجوم متمكنين لا مخفقين... فمن غير المعقول والمقبول أن يكون مستوى النخب الموجودة حاليا هم من يؤدون دور البطولة في قوتنا الناعمة، والبارعين وذوي الكفاءات مغيبين أو ثانويين... من غير المعقول تسليط الضوء على أفراد أو شخصيات لا وزن ولا قيمة لها، وأصحاب الوزن والقيمة الحقيقيين لا إضاءة عليهم.
هنالك ضرورة تقتضي إعادة النظر في توزيع الأدوار، وإعطاء الذين يعلمون ويفقهون ويدركون المكانة المناسبة، في مواجهة تكتل واتحاد عديمي الفكر والثقافة والمقدرة، الذين اختطفوا الأضواء وعدسات الكاميرات.
حديث ... للتأمل والتدبر.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :