facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




من دفتر يوميات جامعة مؤتة .. الهجرة إلى الشمال


د. سليمان عربيات
24-03-2009 05:29 AM


قبل أربع سنوات ، حملت أمتعتي وحقائبي وزوادتي ، مثل جندي عاشق ، وتوجهت إلى الجنوب الغالي. ودخلت البوابة الشمالية لجامعة مؤتة في صباح ربيعي متألق. ألقيت التحية على الحارس وقدمت نفسي له: أنا الرئيس الجديد للجامعة. عاد إلى الخلف وحياني على طريقة الجندي عندما يمر به قائده. عندها شعرت بالتهيب وبالمهابة وبأنني في جامعة عسكرية مدنية لها تاريخ عريق في الإنجاز منذ أن أعلن الملك الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه ، تأسيس جامعة مؤته على أطيب ثرى على تراب معركة مؤتة ، ومضت ترعاها وتعلي من شأنها عزيمة الملك المعزز عبدالله الثاني ، سيفها ويراعها.

واليوم أعد نفسي لرحيل حتمي إلى الشمال ، إلى جزء عزيز من هذا الوطن ، من جامعة تحمل اسم ارض معركة الفتح الأولى ، إلى جامعة تحمل أجل الأسماء وأحبها إلى القلوب "الهاشمية" وفي داخلي صورة ذلك الحارس منذ أربع سنوات. كان علي أن أستجمع قواي وأتظاهر بالشجاعة والقدرة على الفراق ولكن عواطفي ومشاعري تبوح وتكشف سر لواعجي المكتومة وكذبها. ليس من السهل عليك أن تفك اربتاطك بالمكان والانسان روحياً حتى لو كان سجناً ، فكيف عندما تكون في وطنك وبين أهلك الذين تحبهم.

وأنا أعد نفسي للرحيل ، تداعت أمامي صور الماضي لشريط من الأحداث لرحلة عمر متميزة من قصة حياتي تعلمت منها وأخذت ولربما أكثر مما علمت أو أعطيت ، فازددت حكمة وفعلت السنوات فعلها على وجنات وجه أطفأ اللهب والتعب بربق الشباب الغض فيها ولا ذنب للزمان فيما حدث فنحن في الواقع الذين غادروا مثل سراة الليل على عجل في صحراء الرمل الجليدي.

أعرف أن الرحيل أو الهجرة مفردتات قاسيتان ، ولكنه قدر علينا أن نعشق الأماكن إلى هذا الحد ، ونحن نعرف أننا مغادرون ، وهذه الحالة مرتبطة بتربيتنا ومفهومنا للانتماء والولاء ، فنحن وأن ارتبط في مخيلتنا بأننا نحب الصحراء والترحال إلا أننا حافظنا عليها وعمرنا المدن وأخلصنا للأوطان وصمدنا.

حكايتي وأهلي في الجنوب مع جامعة مؤتة وعلاقتي بها وبأسرتها لم تكن علاقة عادية رسمية بل اتسعت دائرة العلاقة لتشمل جميع جوانب الحياة والناس. وهذا يعود إلى ما تفرضه طبيعة المحيط الجغرافي والإنساني في تلك المناطق النائية من الوطن ، أشياء نفتقدها نحن أهل المدن وعندما نعيش التجربة نستكمل ونعوض ما فقدناه أو كنا بحاجة له من حب وفهم للأمور.

عندما واجهت الحقيقة ، وهي أنني لابد من أن احمل هذه الذكريات وأن أغادر ، أخذت بجمع كتبي ومقتنياتي من كتب وأوراق وبدأت بإرسالها على مهل دفعات وكأنني أعاند ما هو مكتوب. كنت أجلس وحيداً عل حافة السرير ، وأسترجع أحداث الماضي مع هذه البقعة الطيبة وهذه الجامعة الغالية من جوانبها المضيئة فأنا لم ولن أتحدث عن هذه الجامعة بلغة الأرقام المادية بل بلغة الحب فهي أقرب إلى روحي منها إلى جسدي وهي تسكن في مكان أثير من قلبي ، فأنا لست في صدد التبجح بالانجاز ، لأن الانجاز للفريق الذي كان يعمل بهمة عالية أما الفشل أو القصور اذا كانا موجودين فأنا المسؤول الوحيد.

قمت بجولة أخيرة ذات يوم قبل الرحيل على الديار مودعاً ، وحاولت أن أعبر الطرقات إلى بلدات وقرى في محافظة الكرك ، تمتد على نسق جميل ، وتعبق بعطر التاريخ من جبال شيحان ومروراً بالقصر والربة وصرفا والثنية وأدر والجديدة والكرك القصبة وضواحيها ومؤتة والمزار ومروراً بالمشيرفة والخالدية وكثربا وجوزا والحسينية والخرصان والطيبة والسحب وأم حماط ومحي والحامدية وبلدات وقرى زرتها والتقيت أهلها الطيبين في مناسبات عديدة.

تعرفت عن قرب على عشائر الجنوب وقبائلها وأحببت وفاءهم وكرمهم الأصيل ، فقد كرموني وأشعروني بأنني أبنهم وأحد رجالهم واكتسبت شيئاً من عاداتهم وتقاليدهم العربية وهي تقاليدنا كأردنيين القائمة على المحبة.

غادرت البوابة الشمالية في مساء يوم الخميس السادس والعشرين من شباط ، كما يغادر الأب أسرته الغالية استعداداً لسفر طويل. وكان صوت المؤذن يردد: الله أكبر.. الله أكبر... وأنطلقت السيارة صوب الشمال عبر الطريق الصحراوي. كنت قد القيت التحية والسلام قبل الرحيل على الراقدين من الشهداء في مقامات جعفر وعبدالله وزيد رضوان الله عليهم. لم أنظر خلفي ومضيت نحو الشمال وأنا أحمل في صدري ذكريات أربع سنوات أطلقت عليها سنوات "الحب والرضى والصبر الجميل".

الدستور





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :