facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حصار يخلق الأمل


هديل فايز الطوالبة
26-03-2018 06:22 PM

ضحكاتها العذبة وصوتها القوي وشخصيتها المرحة، عفويتها في الكلام، هي كالبستان الواسع, خضراء كاخضرار الربيع. هي تحمل تباشير الخير عبر نبضنا المسافر مع مواكب الأمل, هي هاجر الصمود من بلد الصمود فلسطين وتحديداً من قطاع غزة الأبية. التقيت بها في ورشة إعلامية عُقدت في العاصمة الأردنية عمان، هناك شيء ما يميز هذه الفتاة في عقدها الثالث، ابتسامتها الدائمة على شفتيها وحبها للحياة الظاهر بملامح وجهها وحديثها. وكعادتنا نحن بنو البشر نطلق انطباعنا الأول عن أي شخص نقابله من المرة الأولى، فمن يرى هاجر يتعجب في نفسه كم هذه الفتاة محظوظة، لا همّ يؤرقها ولا حزن يحيطها، لابتسامتها الدائمة وخفة ظلها.

من كان يدري أن وراء هذه الضحكات والتفائل والأمل بكلماتها قصة مؤلمة، لربما مؤلمة بالنسبة لنا، لكنها "بداية حياة" لهاجر – كما فضلت تسميتها- بداية جديدة تخطها بإرادة قوية وعزيمة وإصرار للتغلب على المرض "الخبيث".

من كان يعلم بأن الإعلامية الفلسطينية التي كانت متابعة ومناصرة لقضية مرضى السرطان في غزة، محاولة نقل معاناة وألم هؤلاء المرضى عبر تقاريرها ومقابلاتها الصحفية، لتلفت نظر الجهات المعنية إليهم، ولإيصال صوتهم لهم للقيام بالإجراءات المناسبة وتوفير العلاج الملائم، بأن يصبح المرض ضيفها من غير استئذان. ففي 11 نيسان من عام 2017 تلقت هاجر خبر إصابتها بمرض السرطان وبدأت معها معترك الحياة- البقاء للأقوى – لا وبل بنت معه علاقة صداقة. لم تستسلم هاجر بسهولة، وأحبت الحياة ونظرت إليها بكل إيجابية أكثر من ذي قبل.

تجربة المقاومة

لم تبدء بطلة قصتنا كغيرها من المصابين بهذا المرض بعبارات الحزن والأسى وأن نهاية حياتها قد شارفت على الانتهاء على العكس تماما، بدأت أولى أيامها ما دعته ب"تجربة المقاومة". شاركت أصدقاءها عبر حسابها على الفيس بوك بمنشور قائلة: "من اليوم سأبدأ بكتابة أول حروف التجربة الناجحة في مقاومتي لمرض السرطان، الذي زارني كضيف ثقيل دون استئذان، ومن فضلكم ادعموني، وساندوني لأبقى قوية، ولا تشفقوا علي فلست بحاجة لهذا".

حين مجالستها أثناء الاستراحة في ورشتنا الإعلامية، أشارت هاجر بأنها انتهت الآن من مرحلة العلاج الكيماوي بنجاح، وبدأت بالعلاج الإشعاعي لفترة معينة وهكذا تصبح هي المنتصرة على هذا المرض الخبيث – بعون الله-.  مستذكرة بداية الإصابة بهذا المرض حيث أنها كانت آخر ما توقعته الإصابة به، فكان الخبر مفجع وصدمت به في بداية الأمر، وكل السيناريوهات السوداء مرت من أمام عينيها إلى أن قررت المقاومة وعدم الاستسلام، مرددة " الاستسلام لن يؤدي إلا لنتيجة واحدة وهي الموت وأنا لا أريد أن أموت". المفارقة العجيبة هي أن هاجر قبل اصابتها بالمرض كانت قد كتبت ثلاث تقارير بشكل تطوعي غير مدفوعة الأجر كنوع من أنواع التضامن مع هذه الفئة، وأنها كانت على قرب كبير من السيدات المصابات تحديدا بسرطان الثدي "فكن يتحدثن بألسنتهن ولكن كنت انصت لهن بقلبي"، لم تكن تدرك هاجر بأنها ستصبح بعد أيام قليلة من إجراء هذه التقارير نموذج آخر من تلك السيدات المصابات بهذا المرض.


بعد انتهائنا من العمل الطويل بعد الورشة، ذهبت وزميلتي هاجر للغرفة لنأخذ قسطاً من الراحة، حيث كانت شريكتي في نفس الغرفة في الفندق. تداولنا الحديث حول الإعلام في وطننا العربي، الإعلام الذي بات موجه أكثر من ذي قبل حتى فقد مصداقيته. قاطعتني هاجر وكان الحزن ظاهر في صوتها وقالت: " لا أعرف كيف كنت أجري مقابلة صحفية مع مريضي السرطان وهم في أشد أوقاتهم ألما وتعبا أثناء علاجهم وخاصة الكيماوي، لم أكن أدرك كيف هم يشعرون وكمية الألم اللامتناهية التي يخضونها، أذكر شاب فلسطيني يدعى فارس (16) سنة، كان مصاب بمرض السرطان في الدم لم أعي في وقتها الألم الذي كان يشعر به، وكنت أسأله حول معاناته مع هذا المرض وهو كان يحاول الإجابة بصعوبة، لم أشعر وقتها بالمعاناة التي كان يشعر فيها فارس سوى الآن، عندما أصبت وعانيت الألم الذي عاناه، بالفعل لن يشعر بالمعاناة وحرقة الألم سوى من ابتليّ به".

استراتيجية التعاطي مع المرض

لا بد من أن يتأثر الإنسان بمرضه من الناحية الشخصية ويطرأ تغير في سلوكه وتصرفاته، فما بالك لو كان هذا المرض هو مرض السرطان، لكن نموذج هاجر لم يكن كذلك. رأيت فيها المرأة القوية الحكيمة في قرارتها والمتزنة في حديثها، لاحظت خلال الأيام التي التقيت بها الصبر والتروي، صاحبة ابتسامة دائمة و مرحة و سلسة في تعاملها مع جميع الأفراد، بالرغم من ألمها ومعاناتها من العلاج بالإشعاع التي تأخذه كل صباح لم يبدو عليها التعب أو الشكوى على الإطلاق. من يراها يحسب أنها في الثاني من عقدها، ويبدو على كل شخص المفاجأة على وجهه حينما يعلم بأنها مريضة سرطان تماما كما حدث معي. حين علمت بمرضها قلت في نفسي كيف لها أن تكون مريضة سرطان وهي بهذه القوة والجرأة، ولكن ما تبيّن لي بعد ذلك أن هاجر أوجدت لنفسها استراتيجية للتعاطي مع هذا المرض الخبيث، واعتمدت على نفسها لمواجهة المرض وتبعاته اللعينة لأنه "لعين وعلاجة ليس أقل لعنة من المرض نفسه" على حد تعبيرها. وتضيف "عادة ما كنت أواجه موقف يغضبني وفيه مشاعر سلبية، ولكن وقبل أن ينتابني الحزن نتيجة هذا الموقف مباشرة أتذكر ولو للحظة المعركة الأصعب في حياتي، وهي مواجهة السرطان ومواجهة الكيماوي بكل تبعاته، فأتذكر على الفور أن لا شيء في هذه الدنيا يستحق أن أعطيه اهتمام أكبر من حجمه وأن أغضب من أجله، فيجب أن نمتلك قدرة أكبر على مواجهة الأمور بحياتنا بكثير من العقلانية والحكمة والإتزان في التعامل مع ردة الفعل تجاه الأمور. أبرز التحديات التي تواجههنا نحن –مريضو السرطان- هو الإعتراف بأننا أصبحنا مريضين بالفعل بالسرطان، فهذه الخطوة تشكل الدرجة الأولى للصعود على السلم للحصول على فرصة نجاة وعلى فرصة حياة أفضل. أيضا يجب أن نتعاطى مع المرض على أنه مرحلة يجب تجاوزها بكل مراحلها الصعبة، وعدم الإستسلام للمرض وتبعاته، وذلك يكون باهتمام أكبر من قبل مجتمعنا وأهلنا وشركائنا في الحياة بدعم مريض السرطان نفسيا ومعنويا وماديا، فالكلمة الواحدة تشكل بارقة أمل لدى مريض السرطان ".

بناء على إحصائيات لوزارة الصحة الفلسطنية لعام 2017 كشفت فيها، أن معدل الإصابة بالسرطان في فلسطين بلغ 83.8 حالة جديدة لكل مئة ألف نسمة من السكان، بواقع 83.9 حالة جديدة لكل مئة ألف نسمة من السكان في قطاع غزة، و83.8 حالة جديدة لكل مئة ألف نسمة من السكان في الضفة الغربية. هاجر كانت من الأشخاص الذين حالفهم الحظ في الكشف عن هذا المرض في وقت مبكر حيث أظهرت التحاليل بأن مرض السرطان كان في مرحلته الأولى، أي أنه في مرحلة بالإمكان علاجه وليس بذات الخطورة كما المراحل المتقدمة، إلا أن الحصار المفروض على قطاع غزة عرقل عملية سفرها للعلاج في الخارج. فمن ناحية هناك إغلاق معبر رفح من الجانب المصري، ومن ناحية أخرى إغلاق معبر بيت حانون من الجانب الإسرائيلي، هذا الأمر يحول دون خروج الفلسطينين لتلقي العلاج في الخارج أو دخول المستلزمات الطبية اللازمة للمرضى، وهذا يعد أحد أهم أسباب موت الفلسطينين وتحديدا مصابي السرطان. أيضا، بحسب إحصائيات وزراة الصحة الفلسطينية فإن وفيات الفلسطينيين الناتجة عن السرطان بلغت ما نسبته 13.8% من مجموع الوفيات، أما في قطاع غزة بلغت نسبة وفيات السرطان 13.2% من مجموع الوفيات.  بعد الانتظار الطويل وعون مؤسسة العون والأمل في قطاع غزة التي تعنى بشؤون مرضيات السرطان الممنوعات من السفر بتوفير العلاج لهم وتسهيل أمورهم،  تم السماح لهاجر بالسفر إلى الأردن لتلقي العلاج في مركز الحسين للسرطان، ولكن كان المرض قد أصبح في مرحلته الثالثة وذلك لعدم مباشرة العلاج في مرحلته الأولى.

رحلة العلاج في الأردن

بدأت هاجر رحلة علاجها في الأردن ما يقارب السنة، وخلال هذه الفترة لم تشعر أبدا بالغربة وبعدها عن الوطن والأهل، دائما ما كنت أسمعها تردد بأنها تشعر بين أهلها وأصدقائها وهذا ما كان يخفف عنها الألم ومعاناة المرض، بين ثنايا الكلام تقول " منذ لحظة علاجي في مركز الحسين للسرطان لا أبالغ في حال وصف العاملين والأطباء بملائكة الرحمة، فالأدب والاحترام من قبل الكادر الطبي والموظفين في مركز الحسين لا حدود له، وهذا سبب من أسباب تخفيف المعاناة على مريض السرطان. الرعاية الطبية متوفرة وهناك الإخصائين والإمكانيات والكوادر الطبية الممتازة، كل هذه الأمور غير متوفرة في أي من مستشفيات قطاع غزة هناك نقص كبير في المستلزمات الطبية والإخصائيين وحتى عدد الاسرّة".


المواطن الفلسطيني محروم من أبسط حقوقه في العلاج

ما أشارت إليه هاجر أثناء حديثنا هو وجود 13 ألف مريض سرطان في قطاع غزة، و90% وربما أكثر من المرضى غير قادرين على توفير العلاج اللازم ابتداءا من جرعة الكيماوي، مرورا بالعلاج الإشعاعي والهرموني، وحتى نقص أبسط الإمكانيات التي يمكن أن تساعدهم في الكشف عن هذا المرض، فهناك الكثير من الحالات في غزة تكتشف في مراحل متأخرة لعدم وجود هذه الإمكانيات. المرض تزايد بشكل ملحوظ خاصة بعد الحروب الثلاثة التي خاضها سكان غزة، هناك تلوث كبير في المياه والتربة والهواء والغذاء بسبب إطلاق إسرائيل الآلاف من المتفجرات والأسلحة المحرمة دوليا وفق المعايير الدولية والتي تساهم بإصابة المواطنين بأنواع مختلفة لمرض السرطان .

بنبرة مليئة بالأسى تكمل هاجر كلامها "لا يمكن أن تتخيلي كيف ينهش السرطان في أجساد الفلسطينين. المواطن الفلسطيني محروم من أبسط حقوقة في الصحة أين هي منظمات حقوق الإنسان و المجتمع الدولي، أين هي منظمة الصحة العالمية من كل هذه الانتهاكات التي ترتكب بحق الفلسطينين في قطاع غزة؟ للأسف، لا أحد يولي الاهتمام بالمواطن في غزة، والحالة الصحية أكثر من متردية".  تكاد تجزم هاجر أنه لو حصل مرضى السرطان على كامل حقوقهم وأنهم ليسوا استثناء من المجتمع بأنهم سيواجهون هذا المرض بكثير من القوة والتحدي، وسيكون هناك العديد من المرضى ممن سينجون من هذا المرض الخبيث.


هاجر حرب هي نموذج من نماذج كثيرة في وطننا العربي بشكل عام وفي قطاع غزة بشكل خاص، رفضت الخنوع للمرض والاستسلام على الرغم من نقص أبسط حقوق الانسان في العلاج في ضوء غياب منظمة الصحة العالمية والمدافعين عن حقوق الإنسان، فلا رعاية صحية مناسبة تتوفر لهم في غزة ولا يسمح بدخول العلاج والمستلزمات الطبية له. المواطنيين في غزة باتوا في سجن محاصرين من كافة الجوانب، تنتهك حقوقهم دون أن تولي الجهات الرسمية أية اهتمام لهم. فلا يوجد للمواطنين سوى صبرهم وعدم الاستسلام.كما قالت هاجر "علينا أن نواجهه مرضنا ووضعنا المأساوي في غزة بكل قوتنا فلنعش الحياة بالرغم من مرارتها لنستمتع بكل دقيقة برغم من تعبنا، فاليوم نحن نمتلكه، ولكن غدا لا نمتلكه فلنعش اليوم الذي نمتلكه بكل تفاصيله لانه الحقيقة وإذا ذهب لن يعود".

فما بين الحصار الفعلي في قطاع غزة، وحصار نقص العلاج يتولد بريق الأمل.  





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :