facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الوجع الغزاوي


ابراهيم عبدالمجيد القيسي
08-05-2018 01:16 AM

- القصة حقيقية، لكنها جاءت سردية بمناسبة رحيل الروائي جمال ناجي رحمه الله.

قرأت خبرا يفيد بأن أحد الناس كان مريضا، وحصل على فيزا الى بلد اوروبي لغايات انسانية، تسمح له بالسفر لتلقي العلاج، ولكنه توفى وهو في الطائرة، ولأنه لا يملك اي وثيقة سفر لم تسمح أي بلد باستقبال جثمانه، فالبلد الذي منحه الفيزا يقول منحتها لشخص حي يريد العلاج لكن هذا شخص ميت، والبلد العربي الذي كان يقيم فيه يورد الحجة ذاتها، والجثمان يتنقل بين المطارات ..لأن الجثة لكائن كان والده من غزة!.

ونادر أيضا؛ هو كتلة هائلة من اللحم البشري وعمره 28 عاما، متزوج ولديه طفلتان، يقود «ثلاجة» لنقل بعض مستلزمات لمطعم ما، ويؤكد: لم أكن بهذا الحجم، تضخمت الى هذا الحد نتيجة مرض ما وليس من كثرة الطعام.. ويطلق ضحكة مدوية تنطوي على أكثر من معنى.

جاء ليلا من جنوب عمان برفقة صديقه الى صديقهما ليث الذي كنت برفقته ذلك المساء، فاجتمعوا ليكملوا المباحثات حول مشروع سفرهم الى بلاد «الشنقل»، ولماذا تعذر، وكيف تعثر، ثم يطلق صديقاه النكات (انت السبب يانادر، جواز سفرك عطل السيستم، فتعطلت رحلتنا..لولاك لكنا الآن في ايطاليا ..)، يقهقه معهما نادر، ويقطع الضحكة المتماثلة للهسترة بالقول: بالله دبروني، ما في عندكو أي طريقة؟ لازم اترك البلد وأشوف حياتي ..
ثم يقف متراخيا بحذر متكلف ويقول بصوت يتهدج ينبعث من حالة لهاث بسيط :
الكرسي غرز بالأرض ..ثم يقف وينزعه من الأرض الصلبة ويقهقه بصوت مرتفع، تسمع أصداءه من خلال استهجان بعض الساهرين على جنبات الطريق الجديد الذي يربط شفا بدران بطريق ياجوز مخترقا أحد أحياء الجبيهة وتنتشر السيارت على جانبيه ليلا، في هذه اللحظة يلتفت إليّ محمد قائلا: بالله إسأل نادر متى شاف أبوه..وينطلق ثلاثتهم في فاصل من الضحك تلمس اصداءها حين يترك أقرب المجاورين لهم المكان الذي انتفى هدوءه بهؤلاء المجانين..

ثم يشرع ليث بتوجيه الأسئلة لنادر: بالله كم كان عمرك حين رأيت الوالد، يجيبه نادر : 16 سنة، ثم يطلق ضحكته المجلجلة ككتوم أفشى سرا خطيرا نكاية بنفسه !..
يتدخل محمد ضاحكا: بالله احكيلنا بالتفصيل كيف كان استقباله إلك، فيجيبه انت بتعرف انسى الموضوع..ثم يصمت كما ذلك الجثمان المتنقل بين تلك المطارات..
ولا يلبث طويلا فيطلق الضحكة إياها ويتحدث:
كان يعمل في السوق عنده بسطة خضرة، سلمت عليه وقلت: أنا ابنك نادر، فقال لي أهلا بك يا نادر، وعاد ينادي على الخضرة، ووعدني بأنه سيتواصل معي في المستقبل، فغادرت المكان..
صمت الجميع قليلا، ثم عاد الصديقان المجالسان لنادر على حافة الطريق الى الضحكات بمشاركة نادر، بينما أجلس داخل السيارة منتظرا انتهاء فاصل الضحك الهستيري..بادره ليث: لماذا لم تحاول ان ترى والدك قبل هذا العمر، لا بد أنه تفاجأ حين شاهدت وحشا يقف أمامه ويقول أنا ابنك، فضحكوا ثلاثتهم، وقال نادر: حين كنت طفلا «فيضحكوا..متى كنت طفلا؟!»،
يتابع: كنت أخشى على نفسي وعلى أمي من زوجها، ولم أعبر عن رغبتي برؤية أبي، لكنه وحين مات، قلت لأمي اريد رؤية أبي فوافقت، وصار اللي صار عند البسطة.

يخاطبني محمد: بتعرف يا أستاذ ؟ أم نادر تطلقت من أبيه، وتزوجت واحد أزعر وهو كان يصب غضبه عليها إن هي جاءت على سيرة زوجها السابق، وضاع بينهما نادر إلى أن توفى الأزعر، فذهب نادر لمشاهدة والده ورآه أول مرة ولم تطل المقابلة أكثر من 5 دقايق ويضحكوا جميعا،
ثم يبادر ليث بسؤال آخر: طيب لماذا استقبلك هكذا،
فأجاب نادر: «محكوم..ولا بيقدر يتفلسف مع مرته» هي أصلا مرته القديمة، قبل ما يتزوج أمي، اختلف معها وتزوج من أمي لمدة سنتين، ثم تصالح مع زوجته القديمة وكان شرطها أن يترك أمي وكان عمري عدة شهور، ثم وقعت أمي مع الزوج «الأزعر»، الذي عاملها بنفس الشروط وعدم التواصل مع أبي، وضعت أنا ...ويضحك نادر ضحكة طويلة غارقة في التوحش وبقول موجها الحديث لي: كان والدي قد تعهد بدفع الصالة عني في حفل زواجي فمنعته، بينما دفع 10 آلاف دينار تكاليف زواج ابنه منها..ويضحك عاشرة، فيبادره محمد، هل لك أخوة من امك من زوجها الأزعر؟ فيقول أختان، ازورهما أحيانا، بعد ان تزوجتا،

ثم سألته بدوري: هل تعيش مع أمك يا نادر؟ قال إنها انتقلت الى رحمة الله منذ زمن، وهي الجملة الوحيدة التي أجاب عليها نادر تلك الليلة دون أن يضحك هو أو صديقاه، لم ارغب بسماع شيء عن قصة نادر، لكنهم استطابوا الحديث والضحك، فتابعواالسهرة بالنبش بالتفاصيل العائلية لنادر وبمشاركته:
قال محمد لو كان لك أخ شاب لساعدك ذلك،
فأجاب نادر: لي إخوة ذكور غيرهم، فخيم صمت قصير، قطعه ليث: من وين الك اخوان، انت حكيت بس أختين ليش بتكذب يا نادر، فقال نادر : لأ يا زلمه ، أمي أصلا وقبل ما تتزوج أبوي كان عندها 4 أطفال من زوجها الأولاني..
فداهمت المكان موجة عاتية من الضحك، حتى الكرسي الذي يجلس عليه نادر»انغمس في الأرض أكثر ومال به قليلا»،
وبعد أن عدله نادر أجاب على الأسئلة:
نعم أمي تزوجت قبل والدي، وسافر زوجها الى إحدى الدول ولم يعد إليها، ثم تزوجت من والدي وكان أستاذ في مدرسة، وبعدها تزوجت «الأزعر»، ثم مات بتشمع الكبد، وبعده ماتت هي،
ثار محمد بموجة ضحك يتخللها كلمات :
طلع مظلوم زوج أمك الأزعر، يعني كان يصرف على أمك ومعها 5 ..ويضحك نادر ويتبعه ليث ومحمد لا يتوقف عن الضحك تقريبا الا حين يوجه سؤالا لنادر..

يصمت الجميع، ويطوي نادر الكرسي الذي تعرض الى ليلة قاسية بدوره ويقولها للمرة الخامسة ربما:
دبروني، لازم أطلع وأسحب مرتي وبناتي.. ويتمنى لو كان كسائر إخوته من أمه، فيأتي السؤال لماذا؟ فيجيب : كلهم معهم أرقام وطنية إلا أنا، فوالدي غزاوي.

ولعل جثمان الكائن الغزاوي يتنقل بين مطارات العالم، يتمنى بدوره قبرا لا وطنا ولا رقما.

ibqaisi@gmail.com

الدستور





  • 1 محمد 08-05-2018 | 02:31 AM

    رائعة ومبكية.


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :