facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ليس مع العين أين ..


25-04-2009 12:13 AM

كنت حديث السن .. ، أتلقى تعليمي الابتدائي في مدرستي ؛ رابطا ما أتعلمه بالدروس التاريخية التي كنت أستقيها من جدي ، حتى كبرت وانتقلت إلى صفوف متقدمة ، وبدأت أشعر بأنني صرت ملما بأشياء كثيرة ؛ مليئة بالأمجاد والعزة ، كما أنني أصبحت مهتما بمادة (التاريخ القديم) ومحباً لها ؛ لما فيها من أمجادٍ تشعرني بالفخر والكرامة ، وعروبة ظللت مشتاقاً لارتشافها منه يوماً بعد يوم. ولكنني كنت ألاحظ أن جدي يمتطيه التوتر والخجل ؛ كلما تقدم بي السن وتكاثرت أسئلتي التي تحتاج لإجابات حاضرة في الذهن ، فصرت أراه يتوارى عن أنظاري التي كانت ترقبه لتستوضح منه عما يجول في أفقها الواسع.

بقينا على هذه الحال أياماً عدة ؛ وأنا أقتنص الفرصة الذهبية لأتلقى منه دروسا مثل تلك التي عظمت في نفسي عروبة لا حدود لها ، حتى جاءت تلك الليلة الظلماء ؛ في فصل تتساقط فيه الأوراق ، حيث ذهبت إلى مدرستي وجلست في صفي منتظراً بدء الدرس الذي اشتقت إليه ، وإذا بمعلم التاريخ يدخل متوجها إلى طاولته ليجلس عليها صامتاً والبؤس في عينيه ؛ دون أن ينطق بحرف ، وظل هكذا حتى انتهى الوقت ؛ وخرج دون أن يتكلم بكلمة واحدة … ، وفي اليوم التالي جاء وفعل ما فعله في اليوم الأول ، وهكذا دواليك حتى قارب الفصل الدراسي على الانتهاء ؛ دون أن يعلمنا شيئا في تلك المادة.

عندها صرت أشعر بأن هناك قاسماً مشتركاً بينه وبين جدي -فكلاهما يهرب بطريقته- ، ولم يعد هناك مصدر أستقي منه تلك الأمجاد التي اشتقت إليها … ، وقبل أن ينصرف المعلم كعادته … ، وقفت سائلا إياه معترضا على إغفاله تدريس تلك المادة ، فأجابني بكلمات نزعت مني تلك العظمة التي ترعرعتُ عليها ؛ عندما فتح كتابه وأغلقه بعد صمت دام لحظات ، ليُخرج التلاميذ من غرفة الصف ويبقيني وحيداً ليدعوني قائلا : دع التاريخ يا ولدي ؛ فما التاريخ معصومٌ من التزوير والدّس!! ، فقد ولى صلاح الدين منفرداً ؛ فهل حفظك للتاريخ سيبعثه من الرمس؟؟! فقد كنا عرباً أقاموا دولة عظمى بحد السيف والترس ، ولم تخضع عروبتنا (لرومان) ولا (لفُرس) ، وصرنا نطير كما طاروا ؛ ولكننا عدنا عن الطيران بالعكس ، فأمسى التاريخ يفضحنا ويسترهم ، ولعبت الأيام الصفراء لعبتها ؛ فأصبحنا ممثلين عمالقة ؛ نمثل على أنفسنا ولم ننجح إلا بأداء (الكومبارس).

دهشت لما سمعت ، بكت عيناي .. ، تناولت كتبي مسرعاً إلى منزلي لأجلس أمام جدي محدثاً إياه بما سمعت ، طامعاً أن ألقى جواباً شافياً ومخرجاً يخرجني مما أنا فيه، … ، ولكنني وجدته خائفاً من ذلك المصير الذي طالما هرب من انتظاره ، لاعنا عقارب الساعة التي طوت الأيام والسنين وتراكضت لحظاتها ودنت ساعات أجلها ، فبدأ العرق يتصبب من جبينه ، وتسارعت التضاريس المتجعدة في وجهه ، معبرة عن ذلك الخوف الذي كان يعتريه ، فأخذ يستعيد أنفاسه متحاملاً عليها ؛ ليحدثني عن زمانه الذي عاش فيه من مؤامرة إلى أخرى ومن بؤس إلى بؤس، فانهار مؤيداً ومعلناً صدق ذلك المعلم ، … ،فناديته بصوت صارخ مستعلماً عن تلك الدروس راجياً أن ألقى حقيقة تسعفني .. ، فناداني : أن لا تسلني إلى أين وأين ، فقد أرَّخت الأيام كل شيء في كتابك من حين إلى حين ، وعادت السنون تبكي حنيناً بعد حنين ، وأصبح التاريخ مهزوما بعزته ؛ وأمست أوراقه تبكي بأنين بعد أنين ، فإذا سألتَ كتابك يا ولدي ستعلم أن ما يجمعك والتاريخ هو البين ، وتعود إلى زمن تستـثـقل فيه القول إلى أين وأين ..؟؟!! لأنك ستدرك أنه ليس مع العين أين…





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :