facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




من يحاكم الشعراء


أ.د. خليل الرفوع
12-09-2018 03:35 AM


الشعر فن وجودي يحمل رؤى متخيلة تعيد بناء الواقع على غير صورته الحقيقية المعاينة ، بلغته الإيحائية وصوره المتجددة وإيقاعه شعرا أكان أم نثرا يثير في مخيال المتلقي دهشة وغرابة غير متوقعتين ، لذا قال الله تعالى عن الشعراء " ألم تر أنهم يقولون ما لا يفعلون " ، إنه تعبير لمقولة أدبية نقدية " أعذب الشعر أكذبه " والكذب هنا بمعناه التصويري وليس الحقيقي لذا فالشعر والأدب عموما ليس كلاما علميا موضوعيا مباشرا بل إيحائي رمزي لا يفهمه إلا من أوتي حظا من الثقافة ونصيبا من الفكر ، هكذا كان الشعر منذ أن تلبسه الإنسانُ ليكون قناعا يقول من خلاله ما يشاء ، وللأدباء حق إنساني أن يقولوا ما يؤمنون به فيما يشاهدون وما لا يشاهدون فبصيرتهم أقوى استشرافا وأنضج عمقا ، لكن مَنْ يحاكم نتاجَهم ؟ إلى مَن يقاضيهم الناس ؟ .من يحاكم الأدباء هم النقاد حجةً بحجة ورأيا برأي وفكرا بفكر ، يحاكمونهم لفظا وكلاما ، فيحيون شعرهم أو يقبرونه في غياهب النسيان ،فالشعراء كُثُرٌ قديما وحديثا لكن من عاش منهم هم القليل، لقد حُوكِم بعضُ الشعراء في كل العصور ممن لا يعرف الشعر فقتلوا أصحابه لكنهم خلدوا شعرَهم. قُتِل الشعراءُ وعاش الشعرُ، قُتِل المبدعون وبقي إبداعهم ، ومن أولئك : امرؤ القيس مات مسموما ، طرفة بن العبد مغدورا ،عدي بن زيد العبادي مقتولا بأرجل الفِيَلَةِ و عبد بني الحسحاس محروقا بالنار ، أعشى همدان مسموما ، وعبد الله بن المقفع قطعت أعضاؤه وألقيت في التنور عضوا عضوا وهو ينظر إليها ثم ألقي كله في النار، بشار بن برد مضروبا بالسياط ، وضاح اليمن دُفِنَ حيا ،ابن الرومي مسموما ، المتنبي مغدورا لعروبته ’ لسان الدين بن الخطيب مخنوقا ، وقائمة أؤلئك الشعراء طويلةٌ كثيرةُ الأسماء ،وما ينطبق عليهم ينسحب على كل ذي فكر ، والحديث هنا عن القتل بدوافع سياسية أو قبلية أو شخصية انتقاما خارج قانون الدولة وعدالة القضاء . والحق أن ثمة حالتين تنبئان عن حقيقة فهم الشعر وتجاوزٍ لسذاجة القراءة السطحية المسطحة له ، أولهما : فهم الرسول عليه السلام للشعر وقد نفى الله عنه قوله وما ينبغي له ذلك ، كما نبَّأنا الله في كتابه ، فقد كان يسمع شعرا فاحش الهجاء، وبدلا من قتل أؤلئك المقْذعين المشنِّعين من الشعراء كان يقولُ لشاعر الدعوة الإسلامية حسان بن ثابت : اهجُهم وروحُ القدس معك واستعنْ بأبي بكر فإنه أعلم بمثالبِ القوم ، فوالله إن هجاءك لأشد عليهم من وقع السهام في غَلَسِ الظلام , وحينما جاءه كعب بن زهير ـ وهو ابن زهير بن أبي سلمى وهما من عائلة شعرية جاهلية وصفهم الحطيئة بأهل البيت ـ معتذرا ألقى عليه بردته الشريفة على الرغم من أن كعبا حينذاك كان مشركا فلم يمدحه بالرسالة ، بل لقد هجا الأنصار ووصفهم بالسود التنابيل ومدح المهاجرين محاولا إحداث فتنة بين الصحابة. وهذا ما حصل مع الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي اشترى أعراض المسلمين من الشاعر الحطيئة المعروف بهجائه الفاضح كي لا يهجو أحدا من المسلمين ؛ فلم يقتله بل سجنه أياما ، وحينما استعطفه بالشعر أخرجه وأعطاه مالا كيلا يتعرضَ لأعراض المسلمين ، والحالة الأخرى التي تدل على فهم المجتمع القبلي كله للشعر هو ما كان يحدث من نقائض بين شعراء العراق في العصر الأموي ، جرير والأخطل والفرزدق والراعي النميري وغيرهم ؛ فقد كانوا يتهاجون في أعراضهم ويفضحون نساءهم وأنفسهم وقبائلهم بأشد الكلام وأقذعه بيد أننا لم نُرَوَّى أن أحدا فكَّرَ بالقتل أو بالدم ، ولو كانوا في زمان غير زمانهم وبيئة غير بيئتهم لكان القتلُ والدمُ والفتكُ وما يُجَرُّ على الناس من بغض وحزازات نفوس ، لقد فهموا الشعر ذوقا ومتعةً وترفيها وثقافة .
فمن يحاكم الشعراء هم الشعراء أولا ، والنقاد ثانيا ، لأن السلاح في كلا الطائفتين هو اللسان وحسب ، وليس السجن والسِّنان ، والذين يفرحون بمقعدهم خلاف الكلام إنما تسوِّل لهم قوتهم بسجن الكلمة أوقتل الفكرة وهيهات أن تموت.






  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :