facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأزمة الاقتصادية الأردنية


د. حسين البناء
17-09-2018 02:29 AM

يبدو أن مفهوم (إعادة اكتشاف العجلة) بات منطبقًا علی حالة إعادة طرح (القانون المُعدِّل لضريبة الدخل) من طرف الحكومة الأردنية هذه الأيام، فحكومة (د. عمر الرزّاز) لم تُكمل مئويتها بعد، حتى باتت الأصوات تتعالى بالمطالبة برحيلها، أسوةً بحكومة (د. هاني الملقي) السابقة والتي أُقيلت بعد حالة الاحتجاج التي عقبت تقديم (مشروع القانون) للبرلمان، والفرق الوحيد هذه المرة أن فكرة (العصيان المدني) باتت مطروحة شعبيًا و بقوة، حيث يبدو أن الشارع لم يَعُد يرَ بالتظاهر رسالةً بالقوة المطلوبة لإحداث تغيير حقيقي في جوهر النهج العام للقرار.

الأزمة الاقتصادية:
هنالك جملة مسببات للأزمة الاقتصادية التي يمر بها الأردن حاليًا، والتي لم يشهدها منذ (1989)، الجزء الأول يتعلق بأعراض الأزمة الظاهرية، و الجزء الثاني يتعلق بالجذور الحقيقية للمشكلة.

الجزء الأول والذي هو ظاهر الأزمة يتمثل في العجز المزمن و المتنامي في الموازنة العامة، حيث يقارب العجز السنوي (المليار) دولار، هذا العجز يتم تمويله بالاقتراض، الأمر الذي فاقم (حجم و نسبة الدين العام) ليقارب (95%) من الدخل القومي، و نظرًا لأن هذا الاقتراض هو (غير مُنتِج) و يذهب للاستهلاك و تمويل النفقات الجارية، فهو لا يدعم قدرة الاقتصاد على توليد (سلع و خدمات) من شأنها تنمية المؤشرات الاقتصادية و بالتالي تعزيز القدرة على خدمة الدين.

ما فاقم الأزمة هو تراجع (التصنيف الائتماني) للأردن على مؤشر القدرة على السداد و المخاطر المحيطة بالاقتراض (B+ مستقر حسب تصنيف S&P)، مما يدفع لرفع (سعر الفائدة) من طرف الدائنين بما يتناغم مع مستوى المخاطرة، و يقلل نوافذ الإقراض المتاحة دوليًا، فيكون الحل بالاقتراض الداخلي (بالدينار) وهو الخيار الأسوأ الذي أدى لامتصاص السيولة النقدية المتاحة في السوق المحلي، مما أدّى لتعزيز حالة الركود، ولا زال الرهان على أن (65%) من الدين هو داخلي و يمكن السيطرة عليه عبر أدوات السياستين المالية و النقدية حتى لو عبر التضحية بالتضخم و سعر الصرف و سعر الفائدة !

الجزء الثاني و هو الجذر الحقيقي للمشكلة، و هو يتمثل بالفساد و سوء الإدارة مقترنًا بتراجع الدعم المالي الخارجي و أزمة اللجوء السوري و إغلاق الحدود العراقية.

الفساد الذي كان السِّمة العامة لجملة قضايا أَشغلت الرأي العام عبر عقود، بدءًا بالخصخصة التي شابها الكثير من عيوب الشفافية و حسن تقييم الأصول و الجدوى من بيع بعض شركات الدولة الرابحة، مرورًا بالمشروع النووي و حجم اللغط حوله و حجم الهدر الذي تم في مشروعه الذي تقرر وقفه حديثًا، فقضية (دخان مطيع) ، فالأراضي الحكومية التي تحوّلت لمساهمات خاصة في مشاريع عملاقة، ففضيحة كازينو البحر الميت و تسويتها القانونية ، فالباص السريع و ملايين أنفقت على دراسات جدواه، فإغلاق ملفات الفساد في متاهة البرلمان و هيئة مكافحة الفساد، والكثير من الملفات الغامضة الأخرى.

السبب الآخر، إغلاق الحدود و وقف الاتجار مع سوريا و العراق لسنوات بسبب سيطرة الفوضى و إرهاب (د.ا.ع.ش) على الساحة، مما حرم الاقتصاد الأردني الكثير من فرص العمل و عوائد التجارة مع البلدين.

اعتمد الأردن تقليديًا على تلقي جملة من المنح و الهبات المالية من مجموعة الخليج العربي و اليابان و أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية، و درجت العادة لعقود بأن يصبح ذلك من مُسلّمات حسابات الخزينة العامة، في السنوات الأخيرة تراجعت هذه المنح نظرًا لما تمر به بعض الدول من تبعات حرب اليمن و سوريا و بسبب تراجع أسعار النفط، فانعكس ذلك مباشرةً على حجم العون المُقدَّم. أما الولايات المتحدة فلها شأنٌ آخر مرتبط بضغوطات سياسية خاصة بالتسويات المتعلقة بالمنطقة و فلسطين.

قانون الضريبة:
واجه هذا القانون الكثير من المشاكل، و فشلت حكومة (الملقي) بتمريره و تسويقه، و هو ما تسبب باحتجاجات (رمضان 2017) التي أسقطت الحكومة و سحبت القانون من البرلمان.

مشروع قانون ضريبة الدخل المُعدَّل بصيغته الحالية، و التي أيضًا تفشل حكومة (الرزاز) في تسويقه هو مجرد نسخة أخرى من ذات القانون السابق، بتعديلات طفيفة و شكلية، حيث يُقرر (إعفاءً شخصيًا للأعزب) يبلغ قدره (9000 دينار) و تسعة أخرى للعائلة، وهو بذلك يستهدف أعلى الطبقة الفقيرة و أدنى الطبقة المتوسطة، و من شأن هذا القانون أن يسبب تآكل دخل الطبقة الوسطى فيستحيلها طبقة فقيرة، و من تبعات ذلك تقليل (الدخل القابل للإنفاق) مما سيُعزز حالة الركود الاقتصادي، و كذلك سوف يسعى دافعو الضرائب للتعويض عما فقدوه من قيمة عبر رفع الأسعار الأمر الذي يعني التضخم، و بالتالي سنراوح مكاننا السيء في حالة (الركود التضخمي) الذي خَيَّم على البلاد منذ سنتين.

الأدهى من ذلك هو أن عملية ترحيل العبء الضريبي من دافعي الضرائب (أفراد و مؤسسات) هي واردةٌ و بقوة، حيث سيشعر المستهلك النهائي بفرق التسعير نظرًا لقدرة دافع الضريبة على نقل العبء نحو الأسفل بآليات متنوعة كالاحتكارية التي تُجبِر المستهلك على الخيار الوحيد المتاح، و التآمر ما بين التجار و الصناعيين و أصحاب الشركات بإرساء (سقوف سعرية موحدة) تجنبًا لتأثير المنافسة على الأسعار، و الجميع يعلم بأن قدرة الشركات على ترحيل (العبء الضريبي) باتجاه (المستهلك النهائي) تصبح سهلةً في ظل ممارسات الرشوة و الفساد، و البيئة القانونية الرخوة، و ضعف التنظيمات الشعبية التي تتخصص في حماية المستهلك، علاوةً على ضبابية المعلومات المتوافرة في السوق و غياب قيم الشفافية و أخلاقيات الأعمال و المسؤولية الاجتماعية للشركات.

الثقة المتبادلة و الإعلام المنغلق:
برغم الجهود المكثفة للحكومة في تسويق دعايتها، و برغم افتتاح قناة تلفزة رسمية جديدة (قناة المملكة) حديثًا، وبرغم النشاط القوي على وسائل الاتصال الاجتماعي، إلا أن مستويات التأثير على الجمهور المستهدف تبدو ضعيفةً جدًا؛ وهذا عائدٌ لفقدان الثقة، و عقود من إعلام (الطرف الواحد) و تغييب الطرف الآخر في الحوارات و المناظرة، و الأهم سيطرة ذات الإدارات و الشخصيات الإعلامية العتيقة، و التي لم تَعِ بعد أن نموذج الاتصال الجماهيري قد تغيّر كثيرًا في العقد الأخير.

العصيان المدني:
لعلها المرة الأولى التي يتنادى فيها جمهور متزايد من الناس للعصيان المدني كأداة أخيرة للتأثير، ربما هذا جاء نتيجة الوصول إلى حالة متقدمة من اليأس و الإحباط من إمكانية اعتبار الشعب جزءًا من معادلة النفوذ والقرار، خاصةً في ظل غياب برلمان فاعل، بعد تحوّله لنادي رجال أعمال و جهويات محلية لا يُمثّل إرادة الناس و توجهاتهم، وقانون الانتخاب هو المسؤول عن ذلك.
إن عقودًا من (تهميش الجماهير و تحجيم الأحزاب و تجميد البرلمان) مقرونةً بمستويات عالية من الفساد و سوء الإدارة هو ما أوصل الأمور لهذه الحالة من الاحتقان.
العصيان المدني، و في السيناريو الأسوأ، وفي حال تنفيذه من قِبَل نصف الجمهور، و لمدة تزيد عن ثلاثة شهور، سيكون كارثيًا بجميع المقاييس، حيث أن ذلك من شأنه تقليل (الإيرادات العامة الربعية) الأمر الذي سيهدد القدرة على الوفاء بالالتزامات (قصيرة الأمد) للدولة، مما يُعتبر فشلًا اقتصاديًا و ماليًا حقيقيًا يهدد أي دولة، و هذا ما لا يرغب به الأردنيون بطبيعة الحال.

الإصلاح و لجم الفساد:
الشعب الأردني، و من خلال تتبع الرسائل الشعبية على مختلف مصادر المعلومات ووسائل الاتصال الاجتماعي، في صدد تشكيل حالة متقدمة من (الوعي الجمعي) حيث باتت معظم أدبيات الناس و كذلك النخب تتناول جملة مطالب مُلحّة و واقعية، قد تتضمن جزءًا من الحل، بدءًا بتعزيز الشفافية، و حق الاطلاع على المعلومات، و تطبيق أداة (الاستفتاء العام) في القضايا و القرارات الرئيسية، و انتخاب (مجلس الأعيان) أو إلغائه دستوريًا، و تغيير طريقة تشكيل الحكومات التقليدية، و تمكين البرلمان و الحكومة دستوريًا حيث يتم إعادة تشكيل هيكل النفوذ و الصلاحيات الدستورية بما يكفل تمثيل الشعب في القرار، و الأكثر إلحاحًا بعد (لجم الفساد) هو بناء استراتيجيات و طنية جادة و حقيقية و طموحة لبناء قاعدة صناعية و اقتصادية متينة، تجعل الأردن في غِنًا عن المعونات الأجنبية.

الصورة الكبرى و لحظة الحقيقة:
الأردن يرتبط عضويًا بفلسطين و القضية الفلسطينية، و خطط الحل النهائي تمس المصالح الوطنية بشكلٍ مباشرٍ و حاسمٍ، بدءًا باللاجئين، فالقدس والضفة الغربية، و مقترحات الكونفيدرالية، و حساسيات الديموغرافيا. أما الفصل بين الشأن الأردني و القضية الفلسطينية فهو ضرب من الجهل بالبعد الإقليمي و الدولي للمسألة. أما الفصل بين الواقع الاقتصادي و تبعاته السياسية فهو جهل أكبر للقضية بتعقيداتها المختلفة.

الحقيقة تؤكد بأن الأردن (وفي كثير من مشاكله) هي نتاج افتقاره لموردين أساسيين للدولة الحديثة، الماء و الطاقة، وفي ظل تعثر مشروع الطاقة النووية و بدائلها الواقعية، و تناقص كميات الهطول المطري، فإن جزءًا من المشكلة هو حقيقي و مفهوم، ما يزيد من تفاقم المشكلة هو النمو السكاني غير المُنتظِم مقرونًا بنمو اقتصاديٍ متواضعٍ.


خاتمة القول:
عند الاصطدام بالحقائق الاقتصادية، و صعوبة إحداث تغييرٍ ملحوظٍ في عيون الجماهير، فإن الخيارات تضيق أكثر، فتظهر الحاجة المُلحَّة للخيار السياسي، فهو مجانيٌ و يمثل مجالًا رحبًا لخلق حالة من الانفراج، و ما تجربة (ما بعد أزمة 1989) إلا نموذجًا واقعيًا للحل.
ربما تَقبّل الاردنيون علی مضضٍ ضريبة المشتقات النفطية، لكنهم يَبدون اليوم رافضين و بقوۃٍ لأي أعباءٍ ضريبية جديدة علی الدخل.
الناس كانوا قد تفاءلوا كثيرًا بتكليف شخصيةٍ كالرزّاز بتشكيل الحكومة، لكن تركيبة الطاقم كانت نمطيةً كالمعتاد، و بدا الرجل يعمل مؤخرًا كمُمثّلٍ للبنك الدولي والعرّاب لتحسين الحالة الائتمانية للأردن أكثر منه رئيسًا مُمَكنًا و منازعًا على بعض الولاية العامة.
القراءة الأولية تؤشّر بأن (قانون ضريبة الدخل الجديد) لن يَمُر، لا شعبيًا و لا في البرلمان، و هنا سيكون من الصعب تقدّم الأردن للاقتراض من البنك الدولي و استصدار شهادة التأهيل تلك. نحن في خيارات محدودة، و جميعها مُرٌ.





  • 1 تيسير خرما 17-09-2018 | 06:40 AM

    تجنبت الحكومة إجراءات جدية لخفض ضرائب ورسوم ومديونية فلكية فبات احتمال زيادتها أكبر، فقد تجنبت خفض مصاريف حكومة ووحدات مستقلة بما يلغي عجز الموازنة (على قد لحافك مد رجليك) وتجنبت تقليص هيكل حكومة لمجرد منظم مرخص مراقب وتجنبت دمج هيئات مستقلة بوزاراتها خاصةً سلطة العقبة وتجنبت دمج جامعات حكومية بواحدة للدولة لخفض مصاريف ورسوم مواد، واستمرت بتقديم خدمات حكومية مجاناً لثلاثة ملايين وافد بدلاً من توجيههم لقطاع خاص، وتعاملها مع فساد وتهرب ضريبي وعمالة غير شرعية أقرب لإدارة فوضى بعكس تعاملها مع إرهاب.


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :