facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تنجيم


د. محمود بني دومي
30-11-2018 07:17 PM

إن عدم قدرتنا على تحليل الأحداث يجعل منها أحداثا عادية، وحتى وإن كانت كارثية. كل هذا بسبب منظورنا الضيق وافقنا المقيد بقيود ما انزل الله بها من سلطان. صحيح اننا نظر الى بعض الأحداث كأحداث كارثية لبشاعتها وخاصة عندما ترتبط باسباب تافهة كان من الممكن تجاوزها بمجرد التفكير السطحي لشخص ساذج، ولكن في المقابل، هناك ما هو ابشع منها من الأحداث العادية التي غالبا ما نغض الطرف عنها رغم أنها تشكل في الحقيقة نواة لكارثة قريبة لا يحمد عقباها. من الأمثلة على هذه الكوارث: المهازل التي تحدث على الطريق الصحراوي والتي غالبا ما تفجر العقول والضمائر للخسائر الفادحة، المادية والمعنوية. وكذلك الأمر بالنسبة لحوادث الفيضانات، التي لا نريد أن نذكر أي منها هنا حتى لا نعيد كرة الحزن والالم والحسرة على كل ما فُقد من الأحبة والأصدقاء. أما الأحداث العادية التي غالبا ما نغض الطرف عنها، رغم أنها تشكل في الحقيقة نواة لكارثة حقيقية، فسوف نرى لاحقا كيف أن بعض الأمور البسيطة مثل أعقاب السجائر أو الحديث مع سائق الباص تشكل في حد ذاتها نواة لكارثة لا أول لها ولا أخر.
ومهما يكن، فإن نظرتنا السخيفة لبعض الأحداث على أنها صغيرة يأتي من كونه لا ينجم عنها أي أضرار أو كوارث أو مآسي في نفس اللحظة التي ننظر فيها إليها. من الامثلة على ذلك حمولة الباصات الزائدة. فنحن لا نرى المشكلة في حمولة الباصات الزائدة الا عندما نسمع بوقوع حادث مأساوي على الخط الذي يربط مدينة كذا بمدينة كذا، وان عدد الضحايا قد فاق كذا وكذا مع عبارة مخففة للالم من ناحية، ومزرية من ناحية أخرى، تقول بان السائق قد نجا بأعجوبة، في حين انه كان من الأجدر استخدام العبارة: ان السائق قد لاذ بالفرار، وهذا ما لا نريد أن نتحدث عنه هنا، لان المهم والاهم هو الكارثة التي انفجرت للتو والتي راح ما راح فيه من ضحايا. ومما لا شك فيه أن ما يتبع الحادث هو البدء بالحديث عن الأسباب والقضاء والقدر وذنب السائق والأشغال العامة، حيث تبدء الويلة واللوات، هذا يقو لو، وهذ يقول لو. ومن لو إلى لو إلى ويلة أخرى وأخري ولا زالت الباصات التي تمر على الخط محملة بالركاب الذين هم صم بكم عمي، لا يفقهون بانهم جزء من الحادث التالي الذي لا يؤخره إلا قضاء الله وقدره. ولا نريد أن نبحث هنا في أي شيء سوى الترجيح بأن الحمولة الزائدة تعتبر من اهم العوامل التي تقف خلف الحادث. لماذا؟ لان السائق يفقد بفعلها قدرته على الرؤية بالمرايا من الناس المعلقة هنا وهناك، ومن اليافطات والإشعارات التي تملأ الزجاج الأمامي والخلفي وربما الجانبي . ولأننا نحب الجدل سياتي احدهم ويقول انه قد لا يكون للحمولة الزائدة أي علاقة. وهنا دعنا نحترم هذا القول قليلا ونسلم بان ما يقوله صحيحا. ولكن، ما بال صاحبنا بكل من مات من الركاب من الحمولة الزائدة؟ أليست الحمولة الزائدة هنا هي السبب في موتهم، إذ أنه كان من المفروض أن لا يكونوا في الباص أصلا، أليس كذلك؟ وإضافة إلى ذلك فلو فكرنا قليلا فان الحمولة الزائدة غالبا ما تكون سببا في رئيسا للحادث اذا أنها بشكل أو بآخر تكون سببا لفقدان الباص لتوازنه، وسببا أكيدا لانعدام الرؤية ، وسببا لا باس به للاحتكاك بالسائق والتحدث معه. ولكن عندما نعود إلى صاحبنا الذي لا يعتقد بان الحمولة الزائدة جزء من السبب فإننا سنقف على كلامة قليلا لان السبب قد يكون إشعار ممنوع التدخين المعلق على الزجاج الأمامي، ناهيك عن عبارات أخرى تروي شيئا من غزل وبطولات السواقين التي تتخلل ديوان “خْريْوِش” الذي غالبا ما ينشا مع السائق والركاب في المقاعد الأمامية، وغير ذلك كالحديث على الخلوي والقلق من أن تنقلب كاسات القهوة، والسجائر المتطايرة التي يتعازم عليها الركاب مع السائق. ويجب أن لا ننسي الأعطال الفنية والميكانيكية كالمطبات وانفجار العجلات وانحراف المركبة عن مسارها بسبب الكوابح ، وما إلى ذلك من الأعطال والمهازل التي غالبا ما ندفع ثمنها بالدماء والأرواح الزكية.
والسؤال الآن هو، ما الحل؟ وكيف نتجنب هذه الحوادث؟
للإجابة على هذه الأسئلة، دعنا ننجم أو نفترض(لمن لا يؤمن بالتنجيم) بأن حادث باص مأساوي (لا سمح الله) سيحدث خلال شهر من الآن على طريق اربد جرش عمان، وان السائق سيلوذ بالفرار كما قلنا، في حين أن بقية الركاب وعددهم من أربعة وعشرين إلى ثلاثين راكبا سيتوزعون على المقابر أو المستشفيات، وهو افتراض معقول بناء على بعض المعطيات والمشاهدات على الطريق السريع. والآن وبعد هذا الافتراض، هل هناك طريقة، وما هي، لتجنب مثل هذا الحادث؟
إن العين الثاقبة تعتقد بانه لا يمكن منع هذا الحادث إلا اذا بدأنا نفكر ونتعامل مع الحوادث بطريقة مختلفة. ولكن كيف ننظر للأمور ونتعامل معها بطريقة مختلفة؟ أليس هذا صعبا؟ والجواب لا، لان النظر والتعامل بطريقة مختلفة امر بسيط، ولا يكلف من المال والجهد والمال إلا ما لا يستحق الذكر. مستحيل. أنت تقول مستحيل، أما المنطق فلا يرى في ذلك أي مستحيل، لان الأمر لا يتطلب إلا أن ننظر للإشعارات المعلقة على الزجاج الأمامي والخلفي للباص على أنها كارثة، وان السرعة فوق الحد المسموح محاولة للقتل مع سبق الإصرار والترصد، وان عدم جاهزية المركبة جريمة، وان الحديث مع السائق كفر ومنكر، وان التحدث على الخلوي أثناء القيادة شكل من أشكال الزندقة. بهذه الطريقة فقط نستطيع أن نرى الكارثة قبل وقوعها. اما تجنبها فانه لن يكون إلا بتطبيق قانون صارم. فهلا بدأنا بمنع هذا الحادث وما شابهه من أحداث؟ أم انه سيحدث فعلا، لنروي فصلا جديدا من كذب المنجمون ولو صدقوا رغم الجريمة التي ارتكبناها ودون أي خجل أو استحياء وعينك عينك وعلى الطريق السريع.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :