facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




من عمان الى باريس .. والرئيس المستشرق


د. منذر الحوارات
09-12-2018 02:14 PM

فارق كبير بين عمان وباريس، ليس فقط في المسافة ولكن في العديد العديد من الاشياء ليس اقلها مستوى التقدم والقوة العسكرية والسياسية، والمكانة الدولية، وتطور المجتمع المدني، وتجذره، وكل ذلك لايزال في بداياته الاولى هنا في عمان.

اذا لماذا المقارنة وما جدواها اذا كان الحال كذلك؟ بل للضرورة يجب ان تكون هذه المقارنة في هذه اللحظة المهمة في تاريخ المدينتين، فالصدفة المحضة تنطلق احتجاجات ذات شأن في كلى المدينتين، يجمع بينها ويفرقها الكثير، وقد يكون للمقارنة أهميتها في كيفية التعامل من قبل الحكومتين في كل جانب.

ففي فرنسا خرج عشرات الآلاف من المحتجين، في شارع الشانزليزيه مرتدين السترات الصفراء التي لقبوا بها، احتجاجاً على زيادة الضرائب على أسعار الوقود، وكان المربك في هذه التظاهرات انها خارج لعبة الصراعات السياسية المعتادة في فرنسا، فالمحتجون لا ينتمون الى اي لون سياسي معروف، وليس لهم اي قيادات يمكن اعتبارها واجهة سياسية يمكن التفاوض معها، وهي تعبر بشكل او بآخر عن مطالب للطبقات الوسطى والفقيرة، تحتج على سلوك الحكومة الفرنسي في رفع الضرائب وسحق هاتين الطبقتين.

كان رد الحكومة الفرنسية باستخدام القوة، ومحاولة قمع المتظاهرين، فشل ذلك وتراجع الرئيس ماكرون وقرر إيقاف تنفيذ القرار لمدة ستة اشهر، طبعاً لم تهدأ الاحتجاجات وازدادت عنفاً وشغباً، وطالبت باستقالة ماكرون، وليس امام الرئيس اي جليس سياسي يتفاوض معه، ليس سوى محتجين غاضبين جلهم في الشارع.

ماذا لو استمر الحال، هل يستقيل ماكرون ؟ في الغالب لا، ولكنه قد يلجأ الى حلّ البرلمان كخيار انتحاري للخلاص من المأزق، ففي النهاية سيدخل إيمانويل ماكرون وحزبه لعبة قد يكونان خاسرين فيها، وربما هذا ما سيحصل وستدخل رئاسته خلال المدة المتبقية في إطار مساكنة سياسية مع حزب معارض، اي لا قرارات سياسية ذات قيمة، وسيصبح الرئيس كبطة عرجاء بلا اي فعل حقيقي .

هذا في فرنسا اما في عمان، فالاحتجاجات ابتدأت مع ارهاصات الربيع العربي، بتيارات ذات توجهات سياسية واضحة، حققت بعض الإصلاحات المذكورة، ولكن الحكومات الثلاث الاخيرة سارعت بوتيرة عالية في الانقضاض على تلك الإصلاحات للدرجة التي أفرغتها من اي مضمون اصلاحي حقيقي، وغدت كأنها لم تكن، ترافق ذلك مع قوانين عديدة استطاعت الحكومات ان تكبل المجتمع المدني وتعيقه عن اي فعل ذي جدوى .
لكن ما رفع منسوب الغضب هو إقرار قانون الضريبة اخيراً وتقديم قانون للجرائم الالكترونية، بالإضافة الى العودة لأسلوب اعتقال بعض الناشطين والتضييق عليهم، هذه هي المقدمات.

في الاحتجاج الاول على قانون الضريبة، تم إسقاط حكومة الملقي واستبدالها برئيس جديد (عمر الرزاز) استطاع الأخير ان يقر القانون مع تعديلات طفيفة لم تمس الجوهر، وهو الامر الذي اعتبرته قطاعات واسعة خديعة غطاها الرئيس بوعود لن تتحقق.

في البداية بدى ان الامر سوف يمضي الى منتهاه، وان القانون قيد التنفيذ، وان الرئيس قد انتصر على الشعب، ربما فالخوف الكامن في نفوس الأردنيين على استقرار بلدهم، قد يدفعهم في احيان كثير الى كظم غيظهم في صدورهم وعدم الإتيان بأي ردة فعل، لكن فجاءة بعد ان استقرت الحسابات، وإذ بفئة من الشباب تتنادى عبر وسائل التواصل للتجمع والاحتجاج، تسأل الكثير من هم ؟ راوحت التوقعات بين التخوين والإخراج من الملّة، والانخراط في اجندات خارجية، وحتى ان البعض اسكنهم ضمن صراع داخلي في اجنحة الدولة، والبعض الاخر لم يهتم للحدث واعتبره تكرار لما جرى في السابق سيتم احتواءه كما في المرات السابقة.

لكن من هم هؤلاء، والذين اطلقوا على أنفسهم احرار الاْردن ؟ فالبداية دعوة على وسائل التواصل تدحرجت ككرة الثلج الى ان تُرجمت للتجمع في يوم بارد وماطر، لم يمنعهم ذلك ولا كثافة الوجود الأمني من التراجع او العودة الى منازلهم .

جلّ المشاركين وجوه شابة جديدة على العمل الحراكي ليس لهم انتماءات سياسية، وليسوا من أعضاء الحراك الذي انطلق في بداية الربيع العربي، وإن اشترك الكثير من الحراكيين السابقين وناشطين في الاحزاب، ولكن ليس هم من وضع الهتافات وليس هم من دعا الى التجمع، جلهم من الطبقات المتوسطة والفقيرة، مطالبهم لم تتجاوز السقوف المطلبية، سوى في بعضها ومن دون ترتيب، وسرعان ما كانوا يوقفوها ، لقد فوجئ الجميع وربما الحكومة اول من تفاجأت بذلك.

لنعود الى مقارنتنا بي الشانزليزيه وشارع مستشفى الاْردن، ففي كلا الحالتين لا ينتمي المحتجين لأي تيار سياسي فهم في جلهم مستقلين يطرحون مسائل مطلبية، وإن تطورت في فرنسا الى إسقاط الرئيس وفي عمان الى إسقاط الرزاز.

في باريس قام المحتجين بأعمال عنيفة من حرق وسرقة محلات وتكسير واجهاتها، هذا لم يحصل في عمان، في باريس استغل اليمين المتطرف الاحداث وحاول ان يجيش الفرنسيين لاستغلال الحدث، اما في عمان فليس هنا ما يعرف باليمين المتطرف القومي، وان بدت بعض ملامحة تظهر، ولكن ليس لها جذور حقيقية لتتمدد او تصبح تياراً قادراً على التأثير.

اما السلوك السياسي للرئيس في فرنسا فهي بدون شك سوف تسير ضمن الخط المقرر سياسياً، ففي البداية سيحاول قمع التظاهرات، ان لم ينجح سيلجأ لتحقيق بعض المطالَب، وان لم ينجح بإيجاد حل سياسي، وهو هنا في مأزق لعدم وجود طرف محاور، وان وجد وفشل سيذهب الى الانتخابات المبكرة، اما ان يفوز حزبه ويعتبر هذا تفويض جديد يعطيه الصلاحية في استخدام مزيد من القوة، او يخسر وحينها سيدخل في مرحلة المساكنة مع برلمان وحكومة ليس من نفس الاتجاه وهكذا قدمت اللعبة السياسية الحل حتى النقطة الاخيرة.

اما لدينا وحيث ان الرئيس يسقط من الفضاء بدون خلفيات سياسية، او حتى تحالفات اجتماعية، فلا مجال لأي لعبة سياسية تستوعب هكذا موقفاً، طبعاً سوف يُعطى الرئيس فرصة للاستعراض الخطابي المُحمل بوعود ولغة سئمها الأردنيين وذاقوا ذرعاً بقائلها، وكفى
فإن فشل يؤتى بغيره يخوض تجربةً اخرى، وهكذا تُحل الامور ويبقى الحال على ما هو عليه، لا جديد سوى زيادة في عدد من يحملون لقب دولة، وزيادة اخرى في الإنفاق على رئيس متقاعد جديد وأخر سيتقاعد عما قريب.

هذا اذاً هو الفارق بين احتجاجين واحد في اعرق شوارع العالم، والآخر في اجمل شوارع عمان، انه فارق كبير لا يمكن جسره بالمقارنات البسيطة، بل بالأعمال العظيمة، حيث اللعبة السياسية قادرة دوماً على ايجاد مخرج هناك، وغيابها على صناعة مأزق هنا ! فهل يكفي الحس الاستشراقي لدى الرئيس في جسر هذا الاشكال ؟

انا شخصياً، لا اعتقد ان لدى الرئيس ما يمكن ان يقدمه سوى الإحساس العميق بالاندهاش، والتعاطف اللامحدود مع الشعب الأردني، لكن سيبقى الحال على ما هو عليه، مع فارق بسيط ان كل لحظة تمر بدون ايجاد حلول ستراكم المزيد والمزيد من الغضب والاحتقان وفقط.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :