facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العلاقات الروسية الأوكرانية وسط النار


د.حسام العتوم
17-12-2018 11:25 AM

عندما اندلعت الثورة البلشفية عام 1917 وشرارتها من سفينتها الحربية (افرورا)، وتجاوزت النظام القيصري بجهد المفكر الثائر فلاديمير لينين هدفت ذات الوقت لبناء نظام سوفييتي عام 1922 تكون أوكرانيا من بين صفوفه، وتمكنوا من العيش المشترك إلى جانب دول أخرى قرابة تسعة وستون عاماً، وواجهوا مجتمعين وضمن إطار جمع خمسة عشرة دولة مجاعة واحدة (Golodomor) في ثلاثينيات القرن الماضي، لكن الشيوعية لم تنجح، وترك النجاح للحزب الشيوعي الحاكم وللاشتراكية. والشيوعية هدفت للوصول إلى عالم بلا عملة وطنية أو قومية، وإلى الإلحاد المرفوض دينياً وإنسانياً، وهو الذي لم يتحقق وفشل بطبيعة الحال، وهو المطلوب.

وعندما تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991 عملياً وقانونياً بجهد مباشر لميخائيل غورباتشوف صاحب نظرية الجلاسنوست (الشفافية)، والبيريستوريكا (إعادة البناء) لم يخطر بذهن ساسة روسيا مثل بوريس يلتسين، أو فلاديمير بوتين نصب العداء مثلاً للجمهوريات التي أعلنت استقلالها عن السوفييت، وكما كان الروس والأوكران على مستوى الشعبين والقوميتين أشقاء واصلا مسيرتهما بنفس الاتجاه رغم ظهور المعيقات لاحقاً والتي على رأسها التيار (البنديري) المتطرف الذي ولد في أكناف أدولف هتلر وعصره، وفي عمق الحرب الوطنية العالمية الثانية 1939–1945. وفي المقابل يحق للدولة الأوكرانية أن تمارس استقلالها على راضها منذ عام 1991 من زاوية السيادة الكاملة، وترسيخ الاقتصاد الحر، ونشر اللغة الأوكرانية، والعيش بسلام واستقرار، وتوقيع الاتفاقات والمعاهدات، والصداقات الدولية ضمن إطار الدستور والسيادة الوطنية، لكن من غير المفهوم لنا كمحللين من خارج أوكرانيا، أن نلاحظ إدارة الظهر الأوكرانية لروسيا سياسياً واقتصادياً، وثقافياً، ودينياً وعلى مستوى اللغة، وهو الذي انعكس على العمل الدبلوماسي الأوكراني – الروسي خارج الحدود.

وكلنا نعرف بأن التاريخ الروسي والأوكراني والسوفييتي بشكل عام واحد، وبأن العلاقات الأخوية بين الشعبين الروسي والأوكراني كانت ماثلة وستبقى، وبأن سيطرة اللغة الأوكرانية في بلاد الأوكران لا تتعارض مع حضور اللغة الروسية الأوسع انتشاراً في بلا السوفييت وعلى خارطة العالم إلى جانب غيرها من اللغات العالمية، وعلى امتداد (300 مليون نسمة)، وبأن أوكرانيا ستبقى محتاجة لمادة الغاز الروسية الهامة، ولا زالت ذات الوقت مدناً روسية مثل (روسوش) وقراها تتحدث لغة روسية أوكرانية مشتركة، وبعض القرى الأوكرانية تدفع فاتورة الكهرباء في روسيا، وكانت القطارات الروسية في الثمانينيات تحمل ركاباً يسافرون إلى العاصمة الأوكرانية (كييف) من أجل جلب (الجاتو) المشهور واللذيذ، والمثل الشعبي الروسي يقول (لسانك يقودك لكييف، بمعنى لسانك حصانك).

وتحريك الزعيم السوفييتي نيكيتا خرتشوف لإقليم القرم/الكريم الروسي الأصل تجاه أوكرانيا وضمه لها عام 1954 من زاوية التكامل الاقتصادي إبان العهد السوفييتي كما ذكرت آنذاك صحيفة (البرافدا) بتاريخ (27 فبراير) حمل نتيجة خطرة عام 2014 لولا تدارك القيادة الروسية في قصر (الكرملين) الرئاسي برئاسة بوتين، فتم إعادته للسيادة الروسية رسمياً وبعد استفتاء شمل سكان القرم/الكريم وبنسبة مئوية وصلت إلى (95%) بعد صعود التيار البنديري المتطرف بقيادة يوري باراشينكا للسلطة في كييف، وخطورة وضع القرم تكمن في موقعه العسكري الاستراتيجي لوقوف الأسطول الأسود الروسي النووي في مياهه الدافئة.

والآن لا يستطيع باراشينكا أن يقدم باسم بلاده أوكرانيا على خطوة سياسية أو غيرها غير محسوبة لإعادة إقليم القرم/الكريم إلى سابق عهده حيث كان في زمن خرتشوف، خاصة وأن سياسته لا تنسجم مع موسكو وتصطدم معها في شرق أوكرانيا الموالية لها، وفي القرم/الكريم، وبخصوص اتفاقية مينسك (1 + 2) التي رفضها، وتجاوزها إلى مرحلة إعلان حالة الحرب بعد حادثة الزوارق العسكرية الأوكرانية التي دخلت المياه الروسية وخليجها من دون إذن (أو أنها أرسلت إشعاراً لموسكو ولم تنتظر الجواب)، وهو الأمر الذي قابلته روسيا بحزم بواسطة إطلاق النار وأسر طاقم الزوارق وترحيلهم إلى موسكو، وقد يحكم القضاء الروسي على كل واحد منهم بست سنوات سجن. فماذا حصد باراشينكا لبلاده أوكرانيا جراء هذه العملية خاصة وأنه مقبل على انتخابات رئاسية في آذار 2019، وسمعته كرئيس منتخب ليست بالمستوى المطلوب وتتراجع. والرئيس بوتين علق على حادثة اختراق الزوارق الحربية الأوكرانية للمياه الروسية لإعلام بلاده تابعته على قناة روسيا (24) بأن الحادثة لم تنصاع لنداءات أمن الحدود الروسية، وتبين له بأن الربان الأوكران اعترفوا بأن بعضهم ينتسب لجهاز الأمن الأوكراني (CBY)، وهذه الحادثة سبقها دخول أوكراني إلى البحر الأسود ولكن بعذر رسمي.

وفي المقابل جاءت ردة فعل الرئيس الأوكراني باراشينكا بإعلان حال الحرب داخل أوكرانيا وعلى أبواب الانتخابات الرئاسية القادمة في آذار المقبل، وشدد الرئيس بوتين على أن الشعب الأوكراني الشقيق لن يمرر الحادثة اليت ستسمى تماماً كما فعل شعب جورجيا مع رئيسه سااكاشفيله. وحسب خبر لوكالة (أ.ش.أ) المصرية من (كييف) والذي نشرته صحيفة (سيناء) بتاريخ (12/7/2018) فإن مجلس النواب الأوكراني صوت على إجراء انتخابات رئاسية بتاريخ (31 مارس 2019)، واكدت وكالة أنباء (يوكرين فورم) أن إجمالي (298 نائباً) صوتوا خلال اجتماع برلماني على قرار اعتماد موعد إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في أوكرانيا، لكن الغريب والمدهش هو إعلان الرئيس الأوكراني باراشينكا حالة الحرب في زمن ما قبل الانتخابات، وهو ظرف عرفي بطبيعة الحالة يسمح للقيادة الأوكرانية الحالية إلغاء أو تأجيل الانتخابات إذا ما شعرت بأن التصويت لا يسير لصالحها، في وقت جرى فيه على الأرض تقسيم أوكرانيا إلى غرب موالي للنظام الأوكراني وإلى شرق موالي لروسيا، وإلى دعوات غير مسموعة تطالب بعودة إقليم القرم/الكريم لأوكرانيا واعتباره قضية احتلال، وهو الأمر الذي ترفضه موسكو وتعتبر القرم روسيا كما كان في التاريخ العميق وبأن لا جدال حوله. وما أوردته أعلاه أكده الرئيس بوتين للصحفيين ولوسائل الإعلام في قمة الأرجنتين في (بيونس أيروس) التي عقدت بتاريخ (30 تشرين الثاني 2018)، وجاءت ردة فعل الرئيس ترمب في المقابل مؤيدة للموقف الأوكراني وتعاملت بفتور مع المواجهة الروسية لأوكرانيا لدرجة إلغاء اللقاء مع بوتين وتحويله لحديث مقتضب جانبي سريع.

وهكذا من أزمة أوكرانية، واوكرانية روسية، وبالعكس سارت العلاقات الروسية الأوكرانية فعلاً وسط النار، وكلنا يذكر حوادث متكررة لاستشهاد صحفيين روس في أوكرانيا من قناة النجمة الفضائية مثلاً مثل أنتون قلوشينا، وايقور كورتيلوكا، واختطاف غيرهم حيث ساهم الرئيس الشيشاني رمضان قديروف في تحريرهم. وعلق دميتري بيكسوف المتحدث باسم الكرملين بتاريخ 16/5/2018 بأنه يأسف للمضايقات التي يتعرض لها صحفيون روس في أوكرانيا، وقصد آنذاك مداهمة السلطات الأوكرانية لمقر وكالة (ريا نوفستي أوكرانيا)، واعتقال رئيس تحريرها كيريل فيشتنسكي.

ويقابل هذه المعادلة هنا وجود حقيقة الانقلاب الأوكراني بتاريخ (25 أيار 2014) بقيادة التيار البنديري المتطرف ويوري باراشينكا الذي اعتمده الجانب الغربي الأوكراني تحديداً في انتخابات رئاسية اعترفت فيها موسكو، لكنها لم تنسجم مع مخرجاتها لاحقاً. ويبقى السؤال مطروحاً أمام روسيا وأوكرانيا عن سبب عدم توقع الصعود البياتي السياسي السلبي لبارشينكا إلى سدة الحكم في (كييف) رغم معرفته سابقاً، بصفته تاجراً ناجحاً للشوكولاته مع موسكو، ووزيراً للتجارة في نظام يونوكوفيج الرئيس الأوكراني المخلوع، والذي لم يتمكن من اكتشاف ماذا يجري حوله وقتها، ولم يطلب المساعدة العسكرية من موسكو ليصمد في (كييف) على غرار صمود (الأسد) مثلاً في دمشق، وكان أيضاً وزيراً للخارجية للمعارضة المرشحة لرئاسة أوكرايا 2019 يوليا تيماشينكا.

ويتوقف مستقبل العلاقات الروسية الأوكرانية المعاصرة على العودة لتطبيق اتفاقية (مينسك) التي هدفت لترسيخ الأمن والاستقرار الأوكراني غرباً وشرقاً، وهي التي رفضتها سلطة (كييف) رغم أهميتها، كما هدفت لترطيب الأجواء الساخنة بين (كييف) و(موسكو) وبالعكس، وهو الأمر المطلوب للمساهمة في استقرار العالم. والمراهنة الأوكرانية على دخول الاتحاد الأوروبي لا تمانعها موسكو بالمناسبة لكنها يجب أن لا تعني التحليق خارج فضاء العلاقة التاريخية مع روسيا سياسياً واقتصادياً وديموغرافياً. ومحاولة أوكرانيا الحصول على عضوية الدفاع المشترك الأوروبي (الناتو) لا يعني الكثير لروسيا القادرة على الدفاع عن نفسها امام أي عدوان خارجي مهما بلغ حجمه، رغم أنه يعني المساهمة في توسيع شبكة حلف (الناتو) بهدف تطويق روسيا وهو المستحيل، ولنا في تركيا خير مثال، حيث نراها تتحالف مع (الناتو)، وتتعاون مع روسيا ذات الوقت اقتصادياً، وعلى صعيد شراء السلاح الدفاعي (C400)، وحجم تبادل تجاري كبير يفوق الـ(400 مليار دولار).

وتراقب موسكو مبكراً حراك الانتخابات الرئاسية الأوكرانية المقبلة والقريبة في آذار 2019 وعينها على المرشحة المنافسة لباراشينكا السيدة تيموشينكا التي قد تقبل بفتح علاقة أوكرانية مع روسيا في زمن يرفض مثلها يوري بارشينكا وتياره البنديري ذلك. وإذا كان باراشينكا يوصف بملك الشوكولاته، فإن تيماشينكا تلقب بأميرة الغاز، وهي رئيس وزراء سابق لأوكرانيا، بينما كان بارشيكنا وزيراً فقط. ويتشابه يوري مع سااكاشفيله رئيس جورجيا المخلوع، وسبق لهما أن درسا في جامعة كييف للعلاقات الدولية، ثم جاء بارشينكا به رئيساً لبلدية أوديسا ووصف بعدم الاتزان قبل عودته إلى جورجيا مؤخراً. ومجرد إجراء الرئيس بوتين مقارنة ووجه تشابه بين باراشينكا وسااكاشفيله بحد ذاته إنذار روسي يهدد مصير باراشينكا الذي أفشل العلاقات بين بلاده أوكرانيا وروسيا لدرجة إصداره مرسوماً يلغي معاهدة الصداقة مع موسكو بتاريخ (31 مايو 1997).

وفي الختام ورغم كل الصعوبات الواضحة التي تواجه الدولتين فما زال الأمل قائماً بأن تعود هذه العلاقات إلى سابق عهدها أبان العهد السوفييتي، ولأن تترسخ الأخوة، والصداقة، والتعاون الاستراتيجي البناء. وكما نقول في شرقنا (الجار قبل الدار)، ولا يصح إلا الصحيح، والوئام والمحبة لا بد لهما أن يرتفعا على الخصام والكراهية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :