facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العنف الاجتماعي .. التفسيرات المبتورة لا تقدم شيئا


سامر حيدر المجالي
29-08-2009 01:28 PM

لم نُفلحْ حتى الآن في تناول ظاهرة العنف تناولا مقنعا، ولم نُقدّم تفسيرا يخرج عن المألوف، فنحن ضحايا هذا المألوف، وأساتذة التعليلات المقتطعة من سياق كبير. تلك التعليلات تضيء في أحسن أحوالها جانبا واحدا من جوانب الحقيقة وتلقي بظلال معتمة على الجوانب الأخرى؛ كأن يَصِمَ أحدهم العشائرية بتشجيع العنف واستيلاده، أو يلقي آخر الحمل كله على الظروف المعيشية وتقصير الحكومات في تلبية احتياجات المواطن، أو يلجأ ثالث إلى ما يشبه البكاء، وتمجيد مواطننا الطيب الذي نجح الشيطان في إغوائه والزج به في ورطة جعلت منه شيطانا آخر بامتياز، أو يعكس رابع الاتجاه فيجلد الإنسان الفرد بلا رحمة ويضعه في موقف الدونية، إذ الفرد دائما وأبدا معتدٍ على القوانين خارجٌ عليها. هذه التفسيرات كلها تترنح قريبا من منطقة المداهنة والمسكنة، والرضا بالقوالب الجاهزة، لأنها تقدم لنا بعض الـ (كيف) وتتجاهل كل الـ (لماذا)، وتجسد بخلا معرفيا سَبَبُهُ الجبن والرغبة براحة البال بعيدا عن ما يُغضب أو يؤلم أو يفضح، والعجزُ عن تشغيل الرؤوس وتناول الظاهرة تناولا علميا يُقدّم الحقيقة أو أول الطريق إليها، مهما كان في ذلك من متاعب.

الحديث عن ظاهرة العنف معقد جدا لأنه يتطلب منظومة معرفية هائلة لها باع طويل في علوم متعددة. هذا الحديث لن يكون حديث بكّائين ولا مضمدي جروح على عفنها. انه حديث باحثين وأهل اختصاص، ويكفي أن نعلم أن فعل العنف الذي يقدم عليه فرد ضمن جماعة، هو تداع متصل لا شعوري، يبدأ بالامتثال لمجموعة من القواعد غير المرئية أو المسموعة، قواعد متوارثة تكبر مع الفرد وتتفاعل في داخله، فتكمن حينا، وتنطلق أحيانا، تكفيها شرارة بسيطة، لتخلق منها طاقة مدمرة، يذوب فيها الفاعل والمفعول به، فيصبحان مجرد رقمين ينتميان إلى جماعة، أو خيالين بلا ملامح أو شخصية مميزة.

وهو بالإضافة إلى ذلك ظاهرة بشرية عامة، لا يختص بها مجتمع دون آخر، ولا زمان دون زمان، لكن لها في كل مجتمع سمة مميزة، وربما مجموعة من السمات أو النقاط الجاذبة التي تشجع العنف أكثر من غيرها. وهذا هو الذي يهمنا بالتحديد، وهو دور علمائنا ومختصينا إن أرادوا أن تكون لهم مساهمة ذات قيمة. عندنا بالذات يتخذ العنف أقصى مداه في النزاعات ذات الطابع العشائري. والشواهد تؤيد ذلك، فلم تخل ساحتنا من مصادمات عديدة في مناسبات رياضية أو تظاهرات احتجاجية ذات طابع سياسي أو اقتصادي، غير أنها لم تبلغ جميعها في عنفها وفداحة نتائجها ما يبلغه العنف ذو الطابع العشائري. لماذا؟؟ هذا السؤال بالذات يفتح آفاقا واسعة ذات دلالات تقودنا إلى علم السياسة والتاريخ والاجتماع، مثلما فتح الحديث في الفقرة السابقة أفقا واسعا للولوج إلى علم النفس الاجتماعي.

إذن كل التحليلات العشوائية لن تفلح في تقديم تفسير أو وقاية، لأن المفقود لدينا هو جهد العلماء وموضوعية العلم. المفقود لدينا هو الواجب الذي يضع مجتمعا ما أمام مسؤولياته حين تصل الأمور إلى مفصل خطير كالذي وصلنا إليه، فينبري كل -على قاعدة فرض العين في مجال اختصاصه- إلى أداء دوره دون تأجيل.

على سبيل المثال، الحديث عن دور العشائرية مبتورا عن ما سواه من عوامل هو تقزيم للحقيقة وراحة بال من النوع الممقوت. لأنه ببساطة حديث مجالس وتحليل أمزجة لا تخضع لضوابط سوى ما لديها من رغبات وأحكام مسبقة. التفكير السليم بهذا الجانب يطرح مجموعة من المسائل على غاية من التعقيد، لنأخذ واحدة منها فقط هي تفاعل العشيرة ككيان ومؤسسة مع جانبين: الفرد والجماعة. فالفرد هو اللبنة التي تشكل أساس العشيرة. والجماعة ( الوطن.. الأمة.. الدين) هي مجموع العشائر والانتماءات. لننظر إلى الحيز الذي يشغله كل واحد من الجوانب الثلاثة، محاولين أن نسأل سؤالا بريئا عن سبب تضخم دور العشيرة وتحولها من آصرة ورحم نفخر بانتمائنا إليه، إلى وحش كاسر قادر على أن يشرذمنا ويسحقنا بين فكيه. لماذا هذه الاستماتة كلها وارتفاع منسوب الحساسية إزاء هذا الحيز بالذات، في الوقت الذي يكاد يكون فيه حيز الفرد معدوما؛ أي مستباحا ومنتهكا بكل ما في الكلام من معنى، وحيز الجماعة الكبرى لا يقل عن حيز الفرد استباحة وقلة قيمة؟؟ هل غدت العشيرة الحضن الدافئ الوحيد الذي يستحق أن نحافظ على وجوده وكرامته لفرد يقبع بين حدين منتهكين لا يحققان له غاية ولا يحافظان له على كرامة؟! سؤال لن تكون له قيمة إن لم نجب عليه بموضوعية العلم ونزاهة الباحث.

لاحظوا أننا قد ولجنا بهذا إلى سيكولوجيا الشخصية، ودخلنا كذلك المنطقة التي تغضب، وطرقنا الباب الذي يفضح، لأننا إن سلمنا من التاريخ فلن نسلم من السياسة، وان سلمنا منهما فلن ننجو من ازدراء أنفسنا حين نكتشف ما يسكن دواخلنا من وهن ومصائب.

ألم نقل قبل قليل أن البحث الجدي في هذا الموضوع لن يفضي بنا إلى راحة البال أبدا؟

أخطر شيء هو الوصفات الجاهزة، وأكبر جريمة ترتكب هي عجز البحث العلمي عن الخروج بنتيجة إزاء هذه المشكلة. المسألة ليست بحاجة إلى ميزانيات جبارة لإجراء بحوث من هذا النوع، إنها تحتاج قليلا من الصبر وكما هائلا من الشجاعة، وإدراكا فذا لخصائص المجتمع الأردني. على الدرجات العلمية التي نزين بها جدراننا أن تنزل إلى الأرض وتنهل من الميدان ما يهبها قيمة وموثوقية، وإلا بقينا على زيفنا وعفننا وظلمنا. وهل الذي نراه من عنف اجتماعي إلا ظلم في كل جوانبه؛ في أسبابه ودوافعه وتطبيقاته!!.....

Samhm111@hotmail.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :