facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أيُّ صفح…!


هاشم عبدالله الزبن‎
02-04-2019 01:29 AM

ما الحكمة في أن تُسمي الأشياء بأسمائِها؟ ماذا تستفيد من معرفة حقيقة الأشياء؟
في أن تُسمي الألم "ألمًا"، الآن وبعد أن سميّت الألم ألمًا، باتَ واضحًا بالنسبة لك، واضحًا كم أنت موجوعٌ وتتألم، وبات جُرحك حقيقة، ما الفائدة الآن؟
في المعرفة مقدارٌ ليس قليل من الألم، والحقيقة غالبًا ليست مُحببة ولطيفة!

تخيّل معي الآن، لو أنك قُلت لطفل وقع ضحية عنف عائلي، بأن الضرب والتنكيل والعنف النفسي والمعنوي الذي يتعرض له من والديه أو أقاربه ليسَ إلا "جريمة عنف عائلي"، سميّت الشيء بإسمه، وقلت له: أنت ضحية لعنف عائلي.
زوجة تُكره من قِبل زوجها على المُعاشرة الزوجية، وأنت تُسميّ الأشياء بأسمائها، وتُخبرها بأن هذا الأمر ليس مُعاشرة زوجية بل إغتصاب، لو سميّت "التربية" التي تعرض لها طفل الثماني سنوات، وأثرها عليه ككدمات وحالات نفسية، بأنها ليست تربية بل "تعنيفًا"، وزواج لطفلة لم تتجاوز الخامسة عشرة من العمر، بأنه ليس زواجًا مُبكرًا أو غيره من التسميات التجميلية، بل هو زواج قاصرات، لو إستطعت إخبار ملايين النساء على هذه الأرض لا شرقنا الأوسط فحسب، بأن الجُدران التي تُشيّد حولهنّ، بداعي حمايتهنّ من العالم الخارجي، هي مُجرد سجون لحماية العالم من خطرهن المُحتمل، وبأن التحذيرات اليومية من التعرض لخطر جسيم، التي تسمعها النساء منذ نعومة أظافرهنّ، هو أحد أسباب تفشي الخوف والقبول بالعنف والتحرش وغيرها من صور العُنف المُمارس ضد النساء حول العالم!

ماذا نستفيد من تسميّة الأشياء بأسمائها؟
للتسميات ضبابية. تزول تلك الضبابية عند تسمية الأمر بإسمه الصريح، يأتي الوضوح وينقشع الضباب.
كيف للوضوح أن يتغلب على طُغيان القُبح؟
كيف للمعرفة أن تكون خَلاصًا وإنتصارًا على جهل ما؟ دون أن تتحول تلك المعرفة لجناية لا تُغتفر؟

الكاتبة الكويتية بثينة العيسى في روايتها "كل الأشياء" تكتب:"...ماذا لو كان هُناك معنى، وماذا لو كان المعنى بهذا القبح؟ الحقيقة أنه ثمة أمور لا يحقُّ لك أن تعرف عنها، ويبدو أن الموت هو ثمن المعرفة."
في الرواية "دانة" مع زميل لها في العمل عَرفا حقيقةً ما، كان ثمن تلك المعرفة هو قتلهما، دانة تعرضت لحادث دهس أودى بحياتها، وزميلها مات مُنتحرًا أو بسبب جُرعة زائدة من المُخدرات!

هُناك قصص كثيرة، تتناول عدم وضوح الأشياء، كقصة فتاة سجينة في بُرج عالٍ، لا تُدرك بأنها مسجونة، لديها خزانة مليئة بالفساتين والإكسسوارات وما إلى ذلك من الأشياء الجميلة، ولديها مرآة تُظهرها دائمًا فائقة الجمال والحُسن، وبالطبع كانت الفتاة في القصة سعيدة وكأنها تملك الكون بأسره، هل يُمكن إقناع تلك الفتاة السعيدة بأنها سجينة ومُغيّبة، وهي سعيدة بسجنها ومنعها من الإتصال بعالم واسع خارج البرج الذي سُجنت فيه؟

تسمية الأشياء بأسمائها، مسؤولية عظيمة تقع على عاتق أولئك الذين قرروا تسمية الأشياء بأسمائها، هل يُمكنك تخيّل تلك المسؤولية وعبئها الثقيل، أن تُسمي الذل ذُلًا، والعبودية عبودية، أن تُسمي الجُرح جُرحًا، والحُب حُبًا، والعنف عُنفًا؟
بعد التسميّة، كيف ستحيا وتواصل حياتك في الضبابية والجهل والتضليل؟ هل ستتجنب مسؤولية المعرفة؟

مجموعة أسماء، وبسببها - أي الأسماء - نحكم على أنفسنا وحياتنا بالشقاء، تتخزن الأسماء في ذاكرتك، وتضعها في أماكنها، تزدحم بكمية الأسماء التي تُطالبك بوضعها في مكانها الصحيح، ولكن لا خيار آخر، بعد المعرفة حتمًا عليك أن تُسمي الأشياء بأسمائها، أن تستخدم مخزون الأسماء لديك بالشكل الصحيح!

يقول علي الظفيري:"إن تسمية الأشياء بأسمائها فعلٌ واجبٌ وشجاع"
بالفعل يتطلب شجاعة، هي شجاعة غير عاديّة، ولكن هل من الواجب علينا تسمية الأشياء بأسمائها؟
أن تتعرف على وجعك، وتُطلق عليه الاسم الصحيح؟ كيف يُمكن لك - بعد أن تُدرك وجعك - أن تغفر للذين سببوه لك، وأن تُبرر لجلاديك أفعالهم؟ أنت أصبحت ضحية بعد أن سميّت ذلك الشيء وجعًا!
كيف يِمكنك ألا تتسائل كما تسائل إليوت:"أيُّ صفحٍ بعد كل هذه المعرفة؟"
بالفعل أيُّ صفح؟!





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :