facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ما أشبه الليلة بالبارحة

28-04-2019 07:56 PM

ذات أندلس، وإذ تفرقت بسراتها السبل؛ فقطعوها إربا؛ وذهب كل مفتتن منهم بالإرب الذي نزعه عن جسد كان متحدا، عن جسد كان منارة يُستضاء بها، ليُنشىء عليه دويلة هزيلة، أو حصن مهين؛ ف"الأنا" عندهم حطمت "نحن"، الأنا عندهم جعلت كراسيهم فوق كل شيء؛ جعلتها فوق الهم و الدم؛ فوق الأخوة و النسب؛ فوق الكرامة جعلتها؛ وجعلتها فوق العروبة و الدين!!! ذلك هو ماكان؛ فسلط الله عليهم الأذافنة (كان العرب يلفظون إسم الفونسو: أذفونش، وهو اسم غالب على الكثير من ملوك ليون- الأسبان-والجمع أذافنة) الأسبان؛ يذيقونهم من صنوف الذِلَّة والمهانة ما يفوق الوصف وما لم يخطر ببال.

كانوا يدفعون الجزية عن يد وهم صاغرون، كان الرغالي السِفلٌ؛ منهم، يستنصر العلج على ابنه و أخيه، و أمه وأبيه! ، كان يُفرِغ جيوب الدولة وينفضها، صاغرا متذللا، بين يدي الأذفونش، ثم يعود باتفاق لاقتسام لحم أخيه!.

وعلى هذا الحال، لم يكن للعلج أن يقنع؛ كان- العلج- يرفع سهم الجزية، وثمن النصرة، كلما ازداد الضعف، وتعمق الإنقسام بين ملوك الذل والهوان؛ فيقول له: إدفع، فإن لم يدفع - المهين- الجزية، وإن عن قلة حيلة، هَزَّ له- العلج- العصا بسرية يُرسلها إليه؛ فيخر ذليلا؛ يجمع ماتبقى، في خزائن الدولة المطرقة، و جيوب الرعية المرهقة، من ذهب وفضة؛ ليرسلها إليه، فيأخذها ويطرق عائدا إلى حيث جاء.

ولما قرر الأذفونش أن يبدأ مرحلة القضم والإلتهام؛ تحرك نحو طليطلة؛ واسطة العقد ودرته...تحرك نحوها، وملوك الطوائف الأخرى ليس لهم هم إلا كراسيهم؛ فأخذوا يراسلون الأذفونش( الفونسو السادس) يخطبون وده، ويعلنون له: ألا علاقة لنا بطليطلة"!!! يقولون له: لا عليك؛ " كُلها" و لا تقلق؛ فلا شأن لنا بها !!!

فذاك هو المعتمد على الله ابن عباد، الذي لم يكن له، من صدر اسمه نصيب، غير نقيضه!!! عاهد الأذفونش؛ عهدا؛ خلاصته:

دونك طليطلة؛ فلا علاقة لنا بها!!!....فقضى عليها-الأذفونش- والتهمها أمام أعين أشقائها.

وما أن تم له ذلك حتى جعل من دويلة ابن عباد؛ تلك، هدفه التالي.

إذ وَجَدَ الأذفونش في تأخر ابن عباد عن دفع الجزية، ذريعة يبتزه بها؛ وهو المشغول في اللهو والشراب، المشتغل في حربه مع صاحب المرية؛ جاره وأخيه؛ ابن صمادح، فأرسل له الأذفونش وفدا يرأسه وزير يهودي؛ خاطب المعتمد، معبرا عن غضب سيده الشديد عن عدم دفع الجزية في الوقت المحدد؛ فطلب؛ كجزاءً لذلك، أن يتسلم فوقها بعض الحصون، ثم غالى، وبالغ، فيما طلب؛ فَبَلَّغَ المعتمد أن الأذفونش يرغب في أن تضع زوجته حملها في مسجد قرطبة!!!، وأن تقضي النفاس في مدينة الزهراء !

عندها؛ غَضِب المعتمد، فرفض وَنَهَر؛ فقابلة الوزير ، بردٍ قاس مُهين؛ في مجلسه، وأمام وزرائه! لتتحرك، حينها، عند ابن عباد بقية من كرامة؛ فاستل سيفه وضرب عنق الوزير واعتقل كل من كان بمعيتة.

فلما بلغ الأذفونش خبر الواقعة؛ جنَّ جنونه؛ فأرسل نفسه على رأس جيش للقضاء على ابن عباد ومملكته العتيدة.

وما أن بلغ أشبيلية، المحكمة بالأسوار، حتى أرسل إليه رسالة كانت أحرفها، من شدة ما حوته من إهانة، جمارا كوت قلب المعتمد؛ فأوقدت فيه شعلة الكرامة؛ كيف لا؛ وقد قال له:

" كثر طول مقامي في مجلس الذباب، واشتد علي الحر، فالقني من قصرك بمروحة، أروح بها على نفسي، وأطرد بها الذباب عني "

...نعم لقد قال الأذفونش للمعتمد: أخشى الذباب أكثر مما أخشى جيشك، قال له: غالبوك لا محالة؛ فافتح أبواب قصورك، وهيء لنا المراوح؛ لنطرد بها الحر عنا ؛ تلك هي فحوى الخطاب، الذي أرسله الأذفونش للمعتمد.

حينها عزم المعتمد على طلب النجدة من المرابطين، الذين انطلقت دولتهم من مدينة لمتون، و صعد نجمها، ونجم رأيسها ابن تاشفين، في شمال غرب إفريقيا وجوارها، فلما جمع ابن عباد حاشيته ليشاورهم في الأمر؛ قال له بعضها:

إن جئت بابن تاشفين- رأس دولة المرابطين- فلا تحلمن ببقاء ملكك بعد ذلك!!!، لكن ابن عباد، ولفرط ما أصابه على يد الأذفونش، ولسانه، من مهانة، تجاوزت بخطابه الأخير كل حدود الإحتمال؛ أَصَرّ على رأيه، وقال قولته المشهورة- التي ذهبت مثلا:

" رعي الإبل خير من رعي الخنازير"

فبعث للأذفونش رسالة قال له فيها:

" قرأت كتابك وفهمت خيلائك وإعجابك، وسأنظر لك مراوح من الجلود اللمطية- أي؛ من جلود ماشية مدينة لمتون- في أيدي الجيوش المرابطية، تريح منك لا تروح عليك إن شاء الله " .

فأرسل لابن تاشفين طالبا منه العون والنصرة؛ وما كان من الأخير إلا أن لبى؛ فجاءه بجيش تملأوه العزة بالله؛ فالتقى الجمعان، وكانت معركة الزلاقة؛ التي كانت كاليرموك؛ معركة تجرع فيها الروم سُم الهزيمة.

كانت الزلاقة معركة جددت روح التعاون بين ملوك الطوائف، وأرجعت لهم كرامتهم التي سفحوها على مذبح التناحر

...على مذبح السلطة والكراسي، ليعود ابن تاشفين إلى حيث جاء، تاركا لهم السلطة، تاركا لهم ما غنمه معهم من إموال طائلة، مسطرا لهم درسا في الهمم العالية و الغايات السامية، آخذا عليهم عهدا بألا يتفرقوا فتذهب ريحهم، فشكروه، وعاهدوه بألا يعودو....إلا أنهم نكثوا بما وعدوا؛ حين عادوا إلى سيرتهم الأولى فتنكبهم أعداءهم تارة أخرى؛ ليأتيهم، ثانية، بالعون والمدد؛ إعلاءً لكلمة الله، فلما نصرهم الله على يده؛ وأزاح عنهم، مرة أخرى، نير الذلة والمهانة، أنذرهم بأنه لن يُبقي منهم أحدا في ملكه إن عادوا إلى ما كانوا عليهة تارة ثالثة.... فما كان منهم إلا أن عادوا ! فجاءهم وأباد سلطناتهم الكرتونبة، ولم يُبقِ منهم أحدا....

ذلك هو مشهد من قصة كُبرى؛ أسمها: أندلسٌ، قصة كتب فيها العرب، والبربر؛ تحت مظلة الإسلام، فصول بعضهما منير مبهج؛ يثير الإعتزاز، وبعضها مُظلم مُحزن؛ مكلل بالعار.

وإذا كان نجم الدولة الأندلسية قد أَفَل في عهد فُجار غرناطة؛ آل الإحمر، إلا أن عهد ملوك الطوائف كان، وما زال، مضرب المثل في الذلة والمهانة، وفي مآلات الفرقة، والتناحر، والإرتهان إلى العدو.
ولئن صارت الأندلس من الماضي؛ فإن في فقرات ذلك الماضي، عِبرُ وآيات؛ لا يغفل عنها إلاغافل، ولا يزيغ عنها إلا هالك.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :