facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التافهون لن يحسموا المعركة!


سليمان الطعاني
12-05-2019 04:10 PM

"هوت شمس الثقافة أرضاً، حتى أصبح الأقزام يظهرون بمظهر العمالقة"، مقولة للكاتب النمساوي كراوس للدلالة على سيطرة التافهين وإحكامهم القبضة على العالم، وأخذهم لزمام المبادرة، ورسن توجيه المجتمع وتخطيطه الاستراتيجي بتحكمهم في الثروة والمال،

التفاهة لغة هي انعدام القيمة والأهمية، وغياب الإبداع والبلادة والغباء، كما قد تعني الحقارة والدناءة. كل هذه الصفات وأكثر بإمكان التفاهة أن تستوعبها، فالقاعدة تقول "خالف الناس لتُعرف"؛ كي يكثر المعجبون بك، والمصفقون لك، والمقبلون عليك، كن مختلفاً بسلوكك المعبر عن تفاهتك، كن مسطّحا مستخفّاً عبثياً

ليسَ هناك أكثر مأساةً من أن تصبح التفاهةَ في غالبية الأحيان عنواناً للسلوك الأمثل والصورة الناصعة وعنواناً للحق والصوت المنافح عن التاريخ والمجد والفضيلة والأخلاق والنظافة والشرف والنقاء!!

التافهون كثر من حولنا، من كل حدَب ينسلون، يدخلون البيوت عنوة، وما باليد من حيلة لطردهم. ذلك أن وسائل الإعلام الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي وفّرت لهؤلاء فرصة للظهور والانتشار، بعدما تطبّع الناس تدريجيا مع هذا العبث، من خلال الدفع بنكرات ومجهولين ومغمورين لم يكونوا شيئا مذكورا يوما من الأيام إلى مدارج الشهرة .

يقول الروائي الأمريكي سانتايانا "حب الشهرة أعلى درجات التفاهة" وعليه فقد يملك شاب رياضي فاشل في الدراسة، أو مغنية أوصدت أبواب المدارس في وجهها باكرا، ما تعجز النار عن التهامه، وما لا يمكن أن يملك جزءا منه كل مثقفي الأمة طيلة حياة عملهم وكدهم.

يقول الفيلسوف الكندي "دونو" في كتابه نظام التفاهة (Mediocratie) 2015

"أن التافهين قد حسموا المعركة في هذا العالم، من دون اجتياحات ولا حرائق ولا حتى اطلاق رصاصة واحدة من معركة، ربح التافهون الحرب وسيطروا على عالمنا وباتوا يحكمونه"

كتاب دونو هذا هو محاولة لتحليل الاسباب التي جعلت التافهين يمسكون بمواقع القرار في العالم، سياسياً، واقتصادياً، وفنياً وأكثر، ويا لها من نصيحة عجيبة يقدمها المؤلّف في كتابه إذ يقول: «لا لزوم لقراءة هذه الكتب المعقدة، ولا لزوم لأن تمعن فكرك فيها، لا تكن فخوراً ولا روحانياً بثقافتك، فهذا يظهرك متكبراً. لا تقدم أي فكرة جيدة، فستكون عرضة للنقد وسيكثر أعداؤك. لا تحمل نظرة ثاقبة، وسع مقلتيك، أرخ شفتيك، فكر بميوعة وكن كذلك، عليك أن تكون قابلاً للتعليب، لقد تغير الزمن فالتافهون قد أمسكوا بزمام الأمور!

دونو، يحلل اسباب هذا التحول الى نظام التفاهة في الاجتماع والسياسة والاقتصاد والاعلام والفن في سببين، الأول أن مفهوم العمل في المجتمعات بشكل عام قد تطور وتغير، إذ يقول إن «المهنة» صارت «وظيفة». صار شاغلها يتعامل معها كوسيلة للعيش والبقاء لا غير، موضحاً أن وظيفة معظم بائعي الكتب والمجلات والصحف على سبيل المثال لا يقرؤون منها سطراً واحداً. وقس على ذلك عشرات المهن فانحدر مفهوم العمل إلى المتوسط. وصار أشخاصه متوسطين، بالمعنى السلبي للكلمة، صار العمل مجرد أنماط.

السبب الثاني مرتبط وفق المؤلِّف بعالم السياسة ومجال الدولة والشأن العام. وهنا يقول: بدأت سيطرة التافهين، وتولّدت جذور حكم التفاهة، فاستبدلت السياسة بمفهوم الحوكمة، واستبدلت الإرادة الشعبية بمفهوم المقبولية المجتمعية، واستُبدل مفهوم المواطن بمقولة الشريك في التنمية!

وفي النهاية صار الشأن العام عبارة عن تقنية إدارة، وليس منظومة قيم ومثل ومبادئ ومفاهيم عليا. وصارت الدولة مجرد شركة خاصة، وصارت المصلحة العامة مفهوماً مغلوطاً لمجموع المصالح الخاصة للأفراد. وصار السياسي تلك الصورة السخيفة للناشط لمصلحة زمرته.

ومن هذين السببين يقول الكتاب: تنميط العمل وتسليعه وتشيؤه، وتفريغ السياسة والشأن العام من مضمونهما، صارت التفاهة نظاماً كاملاً على مستوى العالم. وصارت قاعدة النجاح فيها أن «تلعب اللعبة». لم يعد الأمر شأناً إنسانياً ولا مسألة بشرية. هي مجرد «لعبة»، حتى إن هذه الكلمة نفسها راجت وانتشرت في كل لغات عالم التفاهة: «أن تلعب اللعبة»، يذكر المؤلف أن التافهين تسللوا إلى مختبرات تفريخ المثقفين أيضاً (المدارس، والجامعات) وحولوا الجامعات الى شركات وإلى مراكز للتلقين الببغاوي، مستعيضين عن المثقفين بخبراء كل همهم جعل الجامعة في خدمة السوق وجعل العقول تتناسب وحاجات السوق، وتخريج يد عاملة لا تعرف إلا الطاعة والولاء، تفتقر للإبداع والحس النقدي، ولا تفقه شيئا خارج مجال تخصصها".

وتسلل التافهون أيضاً الى المؤسسات العامة التي يفترض فيها توفير خدمات للمواطنين، وحوّلوها الى مجرد شركات تدار من مراكز القوى، وقوة ضغط المُسيِّر، ومفروض عليها في نهاية السنة مقارنة المداخيل بالمصاريف واستخلاص الربح الصافي، والمدير الجيد من كانت منحنيات الربح معه في تصاعد، يصل بمؤشر الربح أعلى المستويات. وهذه مفاهيم واعتبارات لا تتناسب والمنظومة القيمية التي تشكل جوهر الإنسان، لأنها تسلب الإنسان إنسانيته، وتسلبه كل قيم المواطنة، فيصبح المواطن، مجرد ساكن قاطن ورقم موجود تحت رحمة التافهين من الموظفين، الذين ارتقوا درجات سلم الوظيفة دونما حاجة للطرق التقليدية المعلومة كالدراسة، والكفاءة والمكابدة والتدرج.

نظام فاشل بيئيا وظالم اجتماعيا، هكذا يرى دونو أنه تم خلق نظام حكم التافهين. نظام يضع ثمانين في المائة من أنظمة الأرض البيئية عرضة لأخطار نظام استهلاكهم. ويسمح لخمسين في المائة من خيرات كوكبنا بأن تكون حكراً على واحد في المائة من أثريائه.

وبعد،،، فإن الدفع بالتافهين إلى الواجهة والمقدمة يعد جريمة في حق الأجيال الناشئة وإن كان التافهون قد كسبوا جولة أو شوطا، لكنهم لم يحسموا المعركة أبداً، ما دامت الدعوات مستمرة للتصدي لتجربتهم المشينة ومحاولاتهم التافهة،





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :