facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




لعنةُ الغُربة


أوس حسين الرواشدة
20-07-2019 12:38 PM

" أُهدي هذه الرواية ، إلى خير من استحق الإهداء ، إلى أحبِّ النّاس لقلبي وأقربهم إليه ، إلى نفسي ، ولو قلتُ غير هذا ، لكنتُ شيخ المنافقين من أرضِ النفاق " ، هكذا افتتح الروائيّ يوسف السباعي روايته المشهورة ، " أرض النفاق " ، ولعلّهُ - بقصدٍ أو بغيرِ قصد - ، سلّطَ الضوءَ على الغريب بين أهلهِ ، والوحيد على أرض وطنه ، على العالق في "لعنة" الغُربة .

كم يؤسفنا اليوم ، أعداد المُغتربين بيننا ، لا أقصدُ هنا الغُربة بمعناها الاصطلاحي - أيّ أنَّ شخصاً يعيش خارج وطنه - ، بل أقصدُ غُربة الأخلاق ، وغُربة الدين ، فكم من شخصٍ بيننا ، يشعر بأنّه غريب بين الجموع ، لامتلاكه " خُلقاً " حميدا ، فالصّادق أصبح " أبلهاً " ، والكاذب المُخادع أضحى يُلقّب " بالحِدِق " ، هنا أصبحنا للأسف
نمدحُ الذّم ونذمُّ المدح ، وكأننا وضعنا قانونا جديدا للحياة ، نصّه الأول : ينبغي عليكَ نزعُ مكارم الأخلاق منك ، وارتداء ثوب الدّين بطريقة تناسب
" الموضا " .

ذكرتُ في مقالٍ سابقٍ لي ، أنّنا نحتاج إلى " ثقافة الإصلاح " ، فانعدام منظومة الأخلاق لدى المُعظم ، أدّى إلى " قلب الآية " في مجتمعنا وأسلوب حياتنا وتعاملنا مع بعضنا ، فأصبح صاحب الأخلاق مُجبراً على ترك أخلاقه ونبذها بعيدا ، لكي يستطيع الانغماس في المجتمع ، حتى لا ينتابه شعورٌ بالغُربة ، فالصادقُ بين جموع الكاذبين كاذب ، والأمين وسط المُخادعين مُخادع ، لذا علينا النظر في السبب الذي جعلنا " نخلعُ " أخلاقنا الحميدة ، ونرتدي عباءة النفاق والخِداع .
ربما لأنّنا وجدنا الأمور أسهل هكذا ، والتعامل فيما بيننا أبسط ، فالأخلاق موجودة لدينا ، فغضضنا الطرف عن أخلاقنا وجعلناها دفينة في أعماقنا ، لهذا وجب علينا أن نمتلك " ثقافة إصلاحٍ " خاصة بنا ، لتكون بمثابة " شوكة الحفر " لنُنَقِّبَ بها عن أخلاقنا الدفينة .

" إنّما بُعِثتُ لأتممَّ مكارم الأخلاق " كما جاء في حديث الرسول مُحمّد عليه الصلاة والسلام ، أو "أحبّوا بعضكم بعضاً " ( يوحنا ١٣:٣٤ ) ، فالديانات السماوية ، جميعها بلا استثناء ، حرصت على زرعِ الأخلاق في البشر منذ قديم الأزل ، فترى الدين يتممُّ الأخلاق ، بل ويذهب بها إلى أبعد من هذا ، من تحويلها من قيمة معنويّةٍ حميدة ليس لها مُقابل ، إلى فعلٍ يُثابُ فاعله ، في الدنيا أو الآخرة على اختلاف الأديان ومذاهبها ، كلُّ هذا جاء في سياق إبراز الأخلاق ليكون صاحبها " رمزا " في الدين وبالتالي في مجتمعه ، لا ليكون غريبا مطرودا بين جموع الفاسدين ، فأنّي أرى الخَلوقَ في مجتمعنا ، " كالنبيّ " في قديم الزمان ، يظهر كصاحب فِكرٍ جديد وبديع وصادق ، ويُقَابَلُ بالاتّهام بالجنون أو الكذب ، لينتهي بهِ المطاف ، وهو يواجه " ثُقبا أسود " يجذبه إليه كي يبتلعه ، يُدعى الغُربة .

ارتفاع نسب البطالة ، وانعدام الطموح ، ونُدرة فرص الإنجاز في وطننا ، كانت " حجر الأساس " لبناء مجتمع " مكبوت " ، مخنوق فكرياً ومحاصر ماديّا ، كلُّ هذا أدى إلى " تَجوّهر " فكرة السفر إلى الخارج والاغتراب ، ظنّاً مِنّا أنها الوسيلة الوحيدة لهدم ذلك البناء والقفز خارج أسواره العالية ، لكنّا نُصْدَم بواقع مرير ، فنزيد الغُربة غُربة ، باختلاف أفكارنا وعاداتنا بل حتى شخصيّاتنا عن أصحاب البلد الجديد ، فربما نكون صادقين في مجتمع جديد فنغدوا مختلفين لأنَّ المعظم كاذب ، فننحاز للصادقين منهم ظنّاً منّا أنهم سيرحبّونَ بنّا ، فيكون ردّهم أنت " مغترب " لا نعرف من تكون ، فاذهب من هنا ، فنصبح مُغتربين من " الدرجة الأولى " ، فنعود إلى بلادنا لأنَّ أول ما سيجول في خاطرنا : "بلادي وإن جارت عليَّ عزيزة .. وأهلي وإن ضنّوا عليَّ كِرام " ، لذلك هي " لعنة " لأنّها تطاردنا في كل مكان .

إنَّ ما يجعلُ الغُربة خطيرة ، كونها فكرةً لا أداةً ملموسة ، ففي كل عقل تدور فكرة الغُربة ، لأنَّ كلاًّ مِنّا يمتلك حُلما وطموحا لكنّها غريبة بالنسبة لأيّ شخص آخر ، فنحيا ونموت وتلك الأحلام والطموحات تقبعُ في زنزانة " الخوف " من الغُربة ، والرّهبة من أن يرانا المجتمع بعين الاختلاف .
هل فعلاً نحتاج إلى " ماء الأخلاق " ؟ كي نروي بها أرضنا فنجني " ثماراً " حميدة ، أم أنّ الأخلاق موجودة فينا لكنّها دفينة تحتاج إلى " تنقيب " ؟ ، نحن بحاجة إلى إحياء الأخلاق ، لأنها الخصم الوحيد والقادر على هزيمة الغُربة .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :