facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




رسالة إلى مُعارض


سامر حيدر المجالي
31-10-2009 01:57 PM

سيدي العزيز: اسمح لي أن أصفك بالثائر ولنتجاوز كلمة المُعارض؛ فإن المعارضة وصف يليق بمجتمع ديمقراطي يستوعب الرأي الآخر ويعضده ويسانده، معتبرا أن في الآخر كمالا للصورة، وبهجة تمنح المشهد السياسي والإنساني قوة وقدرة على الارتقاء والعطاء. أما في مجتمعات ينال الويلَ فيها من ينهج منهج التقويم، ومن ينطق بالحق متخذا من صالح الوطن مرشدا له، فإن المعارضة تغدو فعل وجود، ومعركة شرسة لا تقاوم فيها أشخاصا وإنما تقاوم فيها نظام حياة يقوم على الفساد والغش، عندئذ تصبح الثورة هي الوصف الألصق بالواقع، والأصدق حالا، والأليق بشرفاء الرجال وأفذاذهم.

ثم أسمح لي أن لا أشير لك إلا بوصفك الجديد (الثائر)، متجاوزا اسمك وكنيتك، ليس تقليلا من شأنك، فأنت منذ حين وحتى اليوم ملء السمع والبصر. غير أنهم يريدون جعلك حالة فردية، وغرسا شاذا نبت في غير أرضه. وهم بذلك يعطون أنفسهم شرعية لا يستحقونها، ويهمشون كثيرين مثلك من الثائرين على الجور والفساد، القابضين على جمر الوطن، حين يكون الوطن قضية، ويسمو في نفوس أبنائه متجاوزا قوالب المُقَولِبين وأراجيز المنتجعين على حساب الوطن وسلامته.

أيها الثائر: إنها رحى تدور فلا ترحم، في مدينة معتمة باردة، خسر فيها الإنسان نفسه فأظلمت جوانب روحه. مدينة لا تُقارَنُ بما قبلها ونسأل الله أن لا تكون خيرا من التي بعدها. وكما استشهدت بالتاريخ فخرجت منه بما يبعث الإحباط، سنستشهد هنا بتاريخ آخر أقدم من الذي عدت إليه، إمعانا في المفارقة وبيان المقصد. سننتقل إلى سلطان العلماء العز بن عبد السلام، ذاك الذي رأى باطلا فأفتى فيه بما أملاه عليه ضميره ودينه، فلما وجد أن لا مكان للحق والعدالة في مدينته، غادرها في وضح النهار، معلنا أنه لا يجتمع والظلم في مكان واحد. فماذا كانت النتيجة؟؟ لقد خرجت المدينة كلها وراءه، راحلة معه، ميممة وجهها صوب وجهته، النساء والأطفال والرجال، التجار والبسطاء والعلماء، إلى أن أرغموا نجم الدين أيوب على اللحاق به، والتوسل إليه كي يعود إلى القاهرة بعد أن تعهد نجم الدين بإمضاء الذي أفتى به سلطان العلماء في شأن أرقاء المماليك وبيت مال المسلمين...

كانت المدينة في ذلك الزمان بخير، كانت على فطرتها وسلامة معتقدها. لم يكن اقتصادهم خيرا من اقتصادنا، ولا فقرهم دون فقرنا وعنائنا، غير أنهم كان في نفوسهم بقية من مهابة الحق وسطوته. كانوا مستعدين للهجرة مع الحق والوقوف إلى جانبه. فما بال مدينتنا اليوم تردت، وتهاوت أخلاقها وسمحت للسوس أن ينخر عظامها؟؟

هنا على الثائر أن يدرك أن آخر شيء يمكنه الرهان عليه هو نوعية الإنسان، فقد تغيرت كثيرا وسمحت للباطل أن ينتشي بسطوته. وهذا هو حال الدنيا دائما وأبدا، فلولا أن قوم فرعون موسى كانوا خفيفين ما أطاعوه وما عم ظلمه وبلاؤه. الثائر هنا لا يقاوم شخوصا فقط، بل يقاوم نظام حياة، وجريمة يشترك فيه الأصغر والأكبر، والأدنى والأقصى. انه فساد مشترك، وطوائف متلاحقة من الذين اتَّبَعوا والذين اتُّبِعوا، كل يؤدي دوره بإحكام وصولا إلى الهاوية، وما أقربنا منها.....
من أجل ذلك تجد الأشياء كلها بلا معنى، وكأن العبث قدر لا نملك الفكاك منه. عملنا المؤسسي قرينُ فشل ومبعثُ خيبة. لا تثق بأحزاب ولا تجمعات ولا صحافة ولا مؤسسات رسمية. المعاني خالية من مضامينها، والرقابة في أدنى درجاتها. فمن يهتم بالنجاح أو الفشل، ما دامت الغايات لا تنشد الأفضل وتعتبر أدنى درجات الإتقان كمالا لا يلزمنا، وتستسلم لعبثية الواقع، وكأنها تقيم في عالم آخر، ليس فيه حضارة ولا حقوق إنسان ولا عالم متقدم ولا منجزات إدارية وتقنية. وما دام الخطاب الذي يتناول الأشياء ممعنا في الكذب والتزوير، والمتلقي مستسلما لتخييل هذا الخطاب وفبركاته.انه متلق بلا عقل، هم غيبوا عقله أو هو تشاغل عن العقل بمستلزمات الغريزة وبقاء النوع بعد أن ضاقت الدروب في وجهه، وغدت لقمة العيش أمنية عزيزة ولُقية نفيسة.

ومن أين للوطن بعد ذلك بمن يتحلى بروح المسؤولية ويحملها أمانة تهون الروح دون القيام بحقها؟ إنهم مساكين أيها الثائر، نعم المسئولون مساكين، حالهم يستجلب الشفقة، لأنهم مُسيَّرون ومستسلمون غاية الاستسلام. تكاد لا تعرف هل في أعماقهم شر متمكن، أم هم مغلوبون على أمرهم عاجزون عن رؤية ما هو أبعد من أنوفهم. أم هم مجرد طامعين وباحثين عن مغنم مادي أو معنوي يحقق لهم أمانا طالما افتقدته أنفسهم البائسة. أم هم جزء من مشروع شرير يُدبَّرُ في الخفاء. كل ذلك ممكن، لكنَّ الثابت أنهم جزء من آلة صماء تتجه إلى هدف محدد، هو خرابنا وسرقتنا وتعاسة أحوالنا.

المسئول عندنا مجرد منفذ ومتلق للأوامر، عليه أن يتجه من النقطة أ إلى النقطة ب دون أن يُخِلَّ بشروط المسار. الدليل على ذلك أنك لا تجد فرقا بين حكومة ذهبت وحكومة جاءت، كلهم متشابهون ولهم نفس النكهة ويرددون نفس الكلام ويتحدثون عن نفس الخطط، ثم يخرجون بنفس النتيجة ولا جديد، لأن خيوطهم، كلهم وكلها، تلتقي في نقطة واحدة. ذهب الزمان الذي كان للمسئول فيه قراره وبرنامجه وشخصيته، ذهب الرجال الذين اعتبرتهَم من طينة الملوك، ولعلهم لن يعودوا إلا بعد حين من الزمن بعيد.

ذهب الذين يرون الوطن أكبر من مساحة أرضية محدودة أو حقبة زمنية ماضية إلى فنائها. هنا بيت القصيد أيها الثائر المقدام، إذ المعتقد والعمل والهمة تبع الفكرة. نحن بلا فكرة واضحة، والوطن عندنا مساحة غائمة، مكبلة بشرف القبيلة وإرث الدم وجينات الجدود، فكرة ضئيلة يمكن اختصارها في أهزوجة أو قطعة قماش أو شخص أو حتى كذبة. نعم كذبة، ذلك أن حب الوطن عندهم قول لا يسنده عمل. والقول الذي لا يسنده عمل كذبة، بل كذبة كبيرة. وشاهدنا هنا الواقع، واقعنا الذي يبرهن على تراجعنا المستمر، وإحساسنا بالضيق والإحباط، ولك أن تعود إلى كم الشكوى الذي يبثه قراء ومعلقون عبر مواقعنا الالكترونية، يتأسفون على ماضينا ويلعنون حاضرنا، ويبكون رموزا كالذين ذكرتهم، وهل يلجأ إلى البكائيات إلا الذين بلغ الأذى منهم ما يفوق احتمال الرجال.

تلك مدينة واهمة، تضرب وتبطش وتكسر العظام، تعاقب أبر أبنائها بها، ثم تُلقِمُ صدرَها قوما غرباء، يرونها متعة عابرة تستحق المحاولة، ثم يغادرونها إلى غير رجعة متى انتهت المتعة ولاحت مغامرة جديدة....

مدينة توحيدها شرك، يشرفك أن تكون ثائرا عليها لا مجرد معارض بين أكنافها....

Samhm111@hotmail.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :