facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




هيبة الدولة في مهب الريح .. وكلنا مذنبون


رنا الصباغ
08-11-2009 05:04 AM

كل واحد من الأردنيين عنده قصة يرويها حول الطريقة التي اتبعها للتهرب من القانون. "فالجميع عنده بكّاية, الكل إيده طايله, في غياب أطر ضوابط وتوازن".



من البوادي والمخيمات إلى القرى والمدن, تراقب بقلق مكونات المجتمع بأطيافه كافة نزف هيبة الدولة الوطنية المستمر, وتتطلع إلى إعادة تأسيس شرعيتها المجتمعية وفعّالية مؤسساتها لمصلحة الجميع, حاكما ومحكوما, نخبا موالية ومعارضة.

ساسة وحزبيون يعتقدون بأن إرهاصات انحدار شرعية الدولة ظهرت منتصف العام الماضي مع انكشاف التمحور والتجاذب بين لاعبين رئيسيين كانا يتحكمان بمفاصل صناعة القرار. خروج التصادم إلى العلن أشر إلى خلل في مفاصل الحكم, مع أن الشد والجذب من بدهيات لعبة دهاليز السلطة, لمصلحة تعددية الرأي لكن بشرط النزاهة وبقائها خلف الكواليس.

واقع الأمر الآن يشير ان الدولة تحصد اليوم ما زرعه الجميع منذ ست سنوات.

التراجع الفعلي بدأ يطل برأسه مع صرعة جديدة أدخلتها بعض الجهات المؤثرة لإدارة الأردن كشركة لا كدولة لها تاريخ. بعض المتنفذين برّروا ذلك بأنه محاولة لتجاوز البيروقراطية التي كبّلت وما تزال تكبّل رؤيا الإصلاح الشامل التي رفع لواءها الملك عبدالله الثاني حين تقلد سلطاته الدستورية قبل عشر سنوات.

مقابل ذلك, لمس ساسة وحزبيون سوء نية لدى أقطاب هذا النهج, ورأوا فيها حملة مبرمجة لفكفكة الدولة وأجهزتها تمهيدا لتغيير هويتها السياسية وهضم تحديّات الانخراط في دعم حل الدولتين.

التآكل تعمق مع تحويل منصب رئيس الوزراء إلى ما يشبه رئيسا تنفيذيا لشركة, أو كبير الموظفين التنفيذيين, مع أن الدستور يمنح لمن يجلس في الدوار الرابع الولاية العامة للدولة, لجهة المزايا, الصلاحيات والمساءلة أمام مجلس الامة والملك.

وبذلك تطاولت تلك الفئة على السلطة التنفيذية, التي تعتبر أهم مكون من مكونات الدولة الوطنية. فاقم الوضع تعثر مسار العودة إلى الديمقراطية, بعد إطلاقه عام 1989 وتراجع الحاكمية الرشيد, وكذلك غياب الحريات الاساسية المكفولة دستوريا; مقابل هيمنة النخب, انعدام إرادة الإصلاح لديها ومحدودية فعّالية الأصوات التي تحث على تداول منتظم للسلطة التنفيذية أو تشكيل حكومات بالاتكاء على دعم الكتلة الأكثر عددا داخل مجلس النواب.

وهكذا استمر انقسام حكومة جلالة الملك إلى فريق اقتصادي غالبيته من الشباب والشابات القادمين من أرقى الجامعات العالمية وفريق غير اقتصادي يتمسك بآليات العمل التقليدية, وذلك لحماية الولاية العامة التي تربّى عليها.

وبالتالي نظر إلى نهج الفريق الثاني على أنه يستهدف تعطيل مسار الحداثة, بينما اتهم الفريق الأول بالهرولة صوب تحديث لا يتناسق مع حساب الهوية وجذور الدولة.

تسابق الفريقان مع الزمن لتطبيق مفهوم كل منهما لرؤيا رأس الدولة; متجاهلين انعكاسات التصادم على الدولة والمجتمع.

أخذ التطاول منحى غير معهود مع بدء تغيير آلية إدارة ملكية أراضي الخزينة العامة بناء على اقتراح رئيس وزراء أسبق. واستتبع المسؤول السابق فكرته بإستصدار فتوى سياسية تبيح ذلك لضرورات الحصول على موارد مالية من أجل تسريع تنفيذ مشاريع اقتصادية, تعليمية وغيرها, من شأنها إحداث نقلة نوعية في حياة الأردنيين, وتوزيع المكاسب على أكبر عدد ممكن من السكان.

وبذلك تطاولت السلطة التنفيذية على الدولة وبالعكس.

فجأة, وبدون حجج مقنعة للكثير, حلّ عام 2002 مجلس الأمّة المناكف ذو الغالبية التقليدية, التي جاء بها قانون الصوت الواحد قبل 16 عاما. وبات جل اهتمام النواب حماية مكاسب ونفوذ الكيانات الأولية المذهبية والعرقية والقبلية والطائفية; بدل الانخراط في عملية تحديث مركزية. في غياب المجلس, مرّرت الحكومة أكثر من 200 قانون مؤقت بهدف تسريع عجلة الإصلاحات الموعودة, في عملية حرق مراحل بدلا من المرور بآليات البيروقراطية الصدئة.

في السياق, تشكّلت حكومات ظل وهيئات غير خاضعة للمساءلة الدستورية, وتصرفت بأموال الخزينة بأدنى درجات الشفافية, مستغلة الهدف الأسمى; إحداث التغيير المنشود. وزاد تدخل الأجهزة الأمنية, لا سيما المخابرات العامة, بأدق تفاصيل إدارة الحياة اليومية العامة, والذي كان بدأ مع اشتداد مرض الملك الراحل الحسين بن طلال أواخر .1997

سياسة السوق المفتوحة وفرّت فرصا استثمارية جديدة لجني الملايين. واتسعت حدود التداخل بين المنصب العام وحق "الترزق من خلال ذلك المنصب". بين ليلة وضحاها حلّ مكان عائلات المال والأعمال التقليدية مئات الأسماء الجديدة من حديثي النعمة بينما تواصل تآكل الطبقة الوسطى, عماد تقدم المجتمعات واستقرارها.

ثم جاءت كارثة الانتخابات التشريعية قبل عامين, التي طعن في نزاهتها القاصي والداني. بعدها بدأ تطاول مجلس النواب على الحكومة وبالعكس. وبات جل اهتمام النواب حماية مكاسب ونفوذ الكيانات الأولية المذهبية والعرقية والقبلية والطائفية; بدل الانخراط في عملية تحديث مركزية.

وصارت الزبائنية والابتزاز أسلوب العمل المتبادل لتسليك الأمور وتمرير قرارات حكومية غير شعبية مطلوبة, إما لضمان عدم إعادة عقارب الاصلاح الموعود إلى الوراء أو نيل منح ومساعدات خارجية مشروطة.

استمرت عمليات المقايضة عبر منح إعفاءات جمركية لسيارات النواب, "كاش" من حسابات خاصة لتحسين الحال, منح تعليمية, وكوتات حج.

وما تزال الدولة تدفع ثمن ذلك من خلال تطاول بعض النواب على القانون; بدءا بلعبة استخدام أرقام السيارة النيابية على أكثر من مركبة شخصية, الإساءة لرجال الامن وعدم الالتزام بالسرعة المقررة على الطرق الخارجية والداخلية. وفي إحدى المرات استخدمت مركبة نائب محصن لتهريب مخدرات, كالتي ضبطت على الحدود السورية قبل أشهر.

إذا, بدأ التطاول من الدولة ومن المسؤولين أنفسهم قبل أن تنتقل العدوى إلى المعارضة السياسية, رجل الشارع والاعلام بجميع تلاوينه.

الرتابة التي انتظمت الحياة السياسية وصناعة القرار الداخلي أدت إلى قتل الإبداع وروح المبادرة لدى غالبية المسؤولين. وبات الخطاب الرسمي مجرد اجترار, ومن يجتهد للتأشير على الخطأ قد يجد نفسه خارج الصف.

تتواصل المعاناة على وقع التداخل في أدوار المرجعيات. ساعد ذلك بطء إجراءات التقاضي في المحاكم ومعاناة تسجيل الشكاوى في مخافر الشرطة.

بتماهي هيبة الدولة مع العصبيات الفرعية, تبدلت الأدوار وتعطّلت لغة الحوار. الأمن العام يأخذ عطوة لمنع العنف المجتمعي. رجال عشائر يلجأون للأسلحة الأوتوماتيكية والبيضاء لحل مشاكلهم, بدءا بالطلاق وانتهاء بحوادث الدهس. مجهولون منظمون يمارسون "البلطجة السياسية" لضرب معارض سياسي بوزن الستيني ليث شبيلات, وسط العاصمة وفي وضح النهار, بعد أن عبّر عن رأي ما. ويستمر السكوت الرسمي. قوات أمنية تضرب الزميل ياسر أبو هلالة أثناء تغطيته لمظاهرة أمام عدسات التلفزة العالمية. وتعلن بدء التحقيق في ملابسات الحادثة كما تعهدت بكشف المعتدين على شبيلات; لكن دون نتائج معلنة.

تستمر اعتداءات المرضى وأهاليهم على الأطباء في مستشفيات عامة وسط تدنّي الخدمات فيها. شوارع قرى بأكملها تغلق لإقامة صواوين فرح وعزاء, والويل لمن يشتكي, بخاصة, إن لم يكن من أهل القرية الأصليين. زراعة الممنوعات تنتشر داخل مزارع موز في بعض مناطق الغور, برعاية وجهاء معروفين للدولة. تجار شنطة مكررين, باتوا معروفين لمدراء محطات الملكية الأردنية في عواصم الموضة الأوروبية, يهربون ملابس تشكيلة الصيف والشتاء في أمتعتهم الشخصية, ويجادلون للتهرب من دفع غرامات زيادة الوزن. حالما تطأ أرجلهم ارض الوطن, يستقبلهم رجال يرتدون بدلات انيقة داكنة اللون.

الحبل على الجرار. كل واحد من الأردنيين عنده قصة يرويها حول الطريقة التي اتبعها للتهرب من القانون. "فالجميع عنده بكّاية, الكل إيده طايله, في غياب أطر ضوابط وتوازن".

التعدي على هيبة الدولة يلامس دائرة الخطر ولا يمكن استمرار التغاضي عنه.

فلا بد من مراجعة شاملة; تبدأ بآلية صنع القرار وتشكيل الحكومات مرورا بتحديث مفهوم دولة المواطنة والحكم الرشيد وانتهاء بتعميم مبدأ الحقوق المتساوية بين المواطنين وإصلاحات سياسية تدريجية, توسع قاعدة المشاركة الشعبية. مفاتيح الإصلاح تبدأ بسن قانون انتخابي أكثر عدالة وتمثيلا, تجرى على أساسه الانتخابات المقبلة حتى لو كانت مبكرة. ولا بد من تعزيز أذرع وآليات المراقبة والمساءلة, وفضّ التداخل بين السلطات الثلاث لوقف تطاول جميع مكونات الدولة على بعضها البعض.

المطلوب أيضا إجابات مقنعة حيال استراتيجية الدولة للتعامل مع انغلاق أفق التسوية السياسية غرب النهر وتردي الأوضاع الاقتصادية داخليا. فرئيس وزراء إسرائيل أحبط رهان واشنطن وحلفائها العرب على حل الصراع وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش داخل حدود ,1967 بعد طي ملفات الحل النهائي بطريقة عادلة ومستدامة. داخليا, تتعمق الصعوبات الاقتصادية بسبب تراجع المنح والمساعدات العربية التي كانت توفر شبكة أمان لتخفيف معاناة الشرائح الأقل حظّا, بمن فيهم موظفو الدولة.

باستثناء قرارات حكومية متأخرة لضبط النفقات, وقف التوظيف, وحظر شراء السيارات; لا تلوح في الافق استراتيجية مقنعة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية بأقل الاضرار السياسية والاجتماعية الممكنة.

فأسلوب "الفزعات" لم يعد يجدي. المطلوب إرادة سياسية واضحة تلتزم بها السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية, ومن ورائها سائر مكونات الدولة.

يأمل الناس في أن يكون قرار تعيين المحامي القدير والنزيه راتب الوزني رئيسا للمجلس القضائي الأعلى بداية للتغيير الشامل المنشود, قد نشهدها أواخر العام أو مطلع ,2010 بدلا من اللجوء إلى لعبة تغيير الكراسي والطواقي, بدون أسباب مقنعة للمتابع الداخلي والخارجي على حساب هيبة الدولة ومستقبل أجيالنا.0


rana.sabbagh@alarabalyawm.net

العرب اليوم.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :