facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أنا اللاجئ الفلسطيني


المخرج فضل يانس
04-01-2020 11:04 AM

يهب الحياة لمن في القبور

هذا يوم مولدي في المخيم ناظر من وراء حجاب الموت إلى أعماق الحياة في العالم ونظرة إلى أمي الحزينة اللاجئة من بيت دجن يافا الواقفة أمامي وقوف الشجرة اللينة أمام عواصف الشتاء ويقترب الشاب اللاجئ من أمه ليسمع أنينها العميق وغصّاتها الأليمة والنحيب على أبطال الأجيال الفلسطينية ولو كانت الإنسانية رجلاً لفرحت بمجدهم
وعظمتهم.

أمي باتت غريبة في أرض هجرتها وحيدة بين خيام المخيم والهجرة ذات نفس كبيره طاهرة هي الحاجة حليمة مهاجرة إلى المخيم بحكم القدر وهي أم الرجال تعيش الحياة البسيطة المملوءة طهراً ونقاوة. أمي أن يد الاحتلال الظلوم قوية علينا لأن الحياة

يا أمي ليست حياة عندنا. وعندما أحاول أن أصف أمي بالكلام تختفي عن بصائرنا وراء ضباب الحيرة والالتباس. لأن الجائع السائر في الصحراء لا يأبى أكل الخبز اليابس إذا كانت السماء لا تمطره بالمن والسلوى. والحب الذي تغسله العيون بدموع أمي يظل طاهراً وجميلاً وخالداً.

فقد كان مولدي في المخيم كالفقراء عائشاً وكالمساكين مهاناً وكان والده يرثيه ويندبه وهذا كل ما يفعله لتكريمه. وما عاش هذا اللاجئ مسكيناً خائفاً ولم يمت شاكياً متوجعاً بل عاش ثائراً كالعاصفة الهوجاء تكسر بهبوبها جميع الأجنحة المعوجة.

أنه اللاجئ الفلسطيني الكامن خلف الدهور المختبئ وراء المرئيات الساكن في ضمير الوجود الذي يصرع الموت بالموت ويهب الحياة لمن في القبور.

أيها اللاجئ الجبار الناظر من أعالي المخيم إلى موكب الأجيال السامع ضجيج الأمم وأنت في لجوئك للمخيم أكثر جلالاً ومهابة وأشد هولاً من الف قائد في الف جيش في الف معركة.

لقد جاء مولد اللاجئ الفلسطيني ليبث في فضاء هذا العالم روحاً جديدة قوية تقّوض قوائم الاحتلال الإسرائيلي المرفوعة على الجماجم ويسحق نار الاحتلال المنصوبة على أجساد الضعفاء المساكين فهو اللاجئ القابع بين الجلادين أكثر حرية من نور الشمس.

أنا اللاجئ الذي يخاطب العدل الخفي من مخيمي الكامن وراء هذه الصور المخيفة في المخيم صرخت أهذه هي الأرض؟ أهذا هو الإنسان الذي يحتل وطن بأكمله ويجعلنا عبيد المخيم مهجرين. هذه طريق النفس المفروشة شوكاً هذا ظل الإنسان هذا هو الليل الظلوم وسيجيئ الصباح.

هو اللاجئ المبدع في هيكل الفكر المطلق قائد في جيش المبدعين ذلك الجيش السائر بعزم نحو مدينة الحق المحدق أبداً إلى هيبة القضية الفلسطينية هيبة الحياة السياسية وجلالها.

يعانق اللاجئ الحياة بروحة النقية كأشعة الشمس وقلبه المتقد كالنار وهو أن كان دون الجاهلين عزماً وأقل من المولدين ظرفاً ففي فكره وإبداعه ما لم يحلم به الأولون ولم يبلغه المتأخرون.

ذلك اللاجئ الموهوب الذي وضع الله في فكره ويده قلماً مبدعاً يستولده أفكاراً علوية تجذب قلوبنا وتوقفنا متهيبين أمام الحياة الفلسطينية وقضيتها العادلة.

كان مولد اللاجئ في المخيم حيث القت السماء بذور الغد في أعماق ظلمته بسكينة مخيفة بين جدران المخيم وطفولته المترفعة عن شرائح الإنسان وتعاليمه. فانفرد هذا اللاجئ نفسه عن موكب الزمن المتسارع نحو اللاشيء.

فهو اللاجئ الذي خشع بصره وتأوّه بمرارة وبكى بكاءً أليماً من قسوة المعيشة في المخيم فهو القابض على قلبه أجمل المشاعر المالئة جوانحي نوراً وناراً... ومن أنا؟ وما هذه الذات الجديدة التي أدعوها (أنا) وهي غريبة عني في مخيم اللاجئين.

مات أهلي اللاجئين المبدعين وأنا على قيد الحياة اتابع مسيرتي وأنا على قيد الحياة مات أحبائي اللاجئين وقد أصبحت على الدرب وحياتي بعدهم بعض مصابي بهم مات أهلي جائعين ولو كنت جائعاً بين أهلي الجائعين مضطهداً بين قومي اللاجئين المضطهدين لكانت الأيام أخف وطأة على صدري لأن من يشارك أهله في الأسى والشدة يشعر بتلك التعزية العلوية التي يولّدها الاستشهاد بل هذا اللاجئ بنفسه لأنه يموت بريئاً مع الأبرياء. أنا ههنا بعيد عن النكبة والمنكوبين اللاجئين ولا أستطيع أن افتخر بشيء حتى ولا بدموعي.

وماذا عسى يقدر المنفي البعيد الذي يسمونه لاجئ أن يفعل لأهله المحتلين لو كنت سنبلة من القمح نابتة في أرض فلسطين لكان الطفل الجائع يلتقطني ويزيل بحياتي يد الموت عن نفسه ويقولون لي ما نكبة بلادك فلسطين سوى جزء من نكبة العالم وما الدماء التي أهُرقت في بلادي فلسطين سوى قطرات من نهر الدماء المتدفق ليلاً ونهاراً في أودية الأرض وسهولها. نعم ولكن نكبة بلادي جريمة حبلت بها رؤوس الأفاعي فهي مأساة بغير أناشيد ولا مشاهد.

ويصرخ اللاجئ أن الموت في سبيل الحرية لأشرف من الحياة في ظلال الاستسلام والاحتلال ويعتنق هذا اللاجئ الأبدية والسيف في يده وسيكون خالداً بخلود الحق. لأن أهله ماتوا صامتين لأن آذان البشرية قد أغلقت دون صراخهم ماتوا أهلي اللاجئين لأن الأفاعي أبناء الأفاعي قد نفثوا السموم في الفضاء هل نبقى مرتابين مترددين متكاسلين مشغولين عن المآسي العظمى فلسطين بتوافه الحياة وصغائرها.

أن العاطفة التي تجعلك يا أخي اللاجئ تعطي شيئاً من حياتك لمن يكاد يفقد حياته هي الأمر الوحيد الذي يجعلك حرياً بنور النهار وهدوء الليل.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :