facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أيها العاشق


سامر حيدر المجالي
31-12-2009 01:49 PM

أيُّـها العاشقْ، إن تكُنْ صادقْ
للسِّوى فارقْ، تـغتـنمْ وصلا

هذا نوع من الكلام الذي لا تنتهي معانيه، كلام تحفِرُ في أعماق الروح مفرداته. إنها ليست مجرد مفردات بل هي فرائدُ وقلائد، وكمائنُ خفية على الطريق تعبث بالوجدان فتحرفه عن عاداته وتحرمه لذة السكون. (ليس للسكون لذة: هذا منطقها الخاص ومجال حربها، إني أفهمها جيدا). منذ زمن بعيد أحتفظ بهذه الأغنية مع مجموعة غير مألوفة من القصائد الصوفية والأناشيد الدينية وبعض القدود والموشحات مسجلة في جهازي الخلوي. إنها ترافقني في كل مكان، والجأ إليها كلما أردت الهروب من براثن البؤس أو تعكِّرِ المزاج. لَعَلّي الآن خلال الكتابة عرفت سر الاحتفاظ بها؛ إنه فعل خفي يبحث عن إستراتيجية متمردة، إذ ربما يكون التمرد آخرَ دوائنا وبلسمَنا الشافي.

ما الذي فَتَّحَ هذا الحديث؟ يا لهذه الأفكار! إنها تتداعى بغير منطق يربط بينها، ولو أردت قولها كما هي لبدوت شخصا يهذي، قد أصابه مس شيطاني أو تمكّن منه الفصام والهلاوس العقلية. على كل حال، أكثر ما يحتاجه غريب مثلي يجلس أمام شاطيء البحر ويراقب الأفق وعِراك الأمواج فيما بينها، أن يجد من يستمع إلى بوحه. صدقوني أن البوح يريح، غير أن القدسية ليست فيه، ولا في مجرد الكلام وبثِّ الأحزان، القدسيةُ كلها تكمن في الاستماع، في أن يكون ثمة شخص يجعل لبوحك قيمة، ويكون لأناتك حضنا دافئا وملاذا آمنا. ألا تلاحظون أننا مقهورون ومغلوبون على أمرنا لأن لدينا مشكلة عويصة، هي أننا نكثر الكلام ولكننا لا نجيد الاستماع لبعضنا. هذا يفسر لماذا نحن أسياد الكلام الكبير، الكلام الذي لا يحمل معنى، الطنان الرنان، نـُجْزِلُ فيه لأننا واثقون أنْ ليس هناك من يستمع ولا من يأبه أو يلتفت. الكلام الحقيقي الذي يتفجر فتنة فيكشف المستور من عوراتنا، يخيفنا لأنه يصارحنا بالحقيقة، ويرهب الذين يسوموننا سوء العذاب لأنه يكشف اختلافنا عن بعضنا، وهم لا يريدوننا أن نكون مختلفين، لأن الاختلاف عن الآخرين قرين التفرد. والتفردُ خطير جدا، إنه يهب المرء ثقة وكرامة. يريدوننا أن نكون نسخا متشابهة في كل شيء؛ أي أرقاما.. مجرد أرقام. أليس هذا قمة الخسف؟ مخسوفون نحن لذلك كنا أفشل الناس في فهم المشاعر. ومن لا يفهم المشاعر لا يعشق، ومن لا يعشق يكن ذليلا وزائدا على الوجود.

المهم، ربما تكون الأغنية قد أثارت فيَّ كما من الأشجان لا يمكن معه إلا الاسترسال في الحديث والاستسلام للتداعي الحر، حيث تأخذ الأفكار كامل راحتها وتفصح روح الكون عما قررت الإفصاح عنه الآن وهنا. هذا النوع من الألحان الهادئة مقرونا بالكلام الجميل العميق منشط قوي لخلايا الذاكرة وخزائن الأفكار. على فكرة حاولت التحدث إلى كثيرين بشأن هذه القصيدة أو قصائد أخرى تشابهها فكنت أعرض نفسي لـهُزء صريح حينا ومبطن حينا آخر. كنت أسمع عبارات على شاكلة: (ما الذي تقحم نفسك فيه يا أخا العرب!!) أو (هدانا الله وإياك سواء السبيل) أو (ماذا الششتري؟؟ من يكون هذا وما الذي أوقعك عليه؟) أو (الأندلس ضاعت منذ ستة قرون وما زلت تبحث عنها!). هؤلاء الذين حدثتُهم واستهزأوا بي لا يعرفون أن أبا الحسن الششتري عبقري من عباقرة الكلمة. إنه شاعر أندلسي عاش في القرن السابع الهجري. آه ما أحوجنا إلى قراءة أمثاله من جديد. فهو يتحدث عن العشق بطريقة مختلفة. يصر على أن للعشق مهرا لا بد من تقديمه، ويمر بالمعنى خطفا لأنه يعلم أنه يقدم درسا كونيا لا يصلح معه التلقين المدرسي. ما أعظم هذا المعنى! ليس مهما إن كان يتحدث عن الكعبة المشرفة أو غيرها، المهم أنه وضع يده على العلة التي تجعلنا باهتين في عشقنا وفي كل مشاعرنا، على الداء العضال الذي يسحقنا جميعا فيتركنا بلا ميزة ولا هوية ولا نكهة مختلفة. تلك قصة طويلة، لن أحدثكم عنها الآن، فثمة منظر أمامي أطار عقلي، وأرسلني إلى حتف منطقي....

فلننظر معا، أنا بعينيَّ وأنتم بقلوبكم: البحر يبتلع آخر قطعة من قرص الشمس تاركا لطخة من دمها في نهاية الأفق. الملفت أن شعاعا من النور ما زال ممتدا إلى وسط السماء. كيف بقي وقد غابت الشمس؟ هل انسلخ من جلده؟ هل عشق غيمة فتمسك بخصلاتها المتناثرة؟ هذا الشعاع عاشق مُر، لقد فاجأني وسحق المتوقع في عادات تفكيري، فحين كنت أنتظر الظلام وجدته يقاتل من أجل النور ويحارب حتى آخر نفس. وجدته أوسع من الأفق وأجمل من السماء وأعمق برغم بساطته من البحر الذي تزأر أمواجه أمامي. هكذا العشق أو هكذا يفعل الذين يتملك العشق وجدانهم؛ يبحرون خارج المألوف، يشدون الرحال إلى مكان غير متوقع، إلى الغامض ذي الهيبة، إلى حيث تأمرهم قلوبهم وأشواقهم.

هل عرفتم ما الذي كان يتحدث عنه الششتري؟ لقد بدأ بنفسه فترك الوزارة والجاه، وهام على وجهه في الأسواق، باحثا عن عشقه الحقيقي، مناجيا ما يحب وتاركا أمامنا أروع القصائد....

كل عام والعشق حليفكم...

Samhm111@hotmail.com





  • 1 قارئ 31-12-2009 | 06:21 PM

    أشكرك على هذه المتعة
    نص بديع ، يُرى ويُسمع ، وله مذاق الأدب حين يصبح الأدب ضرورة ، هي التداعيات بين صمت ٍ وثرثرة ، وثرثرة وصمت ، ولا أعرف أين تختبئ الحروف ؟ لدينا فم وأذنان ..لكن لله الأمر من قبل ومن بعد.

    للشنشيري أيضاً :



    طَابَ نُقْلِي وَشرَابي
    وحَبيبي اعتنابي
    فاعْذَرُوني يا صِحابِي
    في سُجُودِي واقْترابِي
    خمرةٌ رَاقَ شَذاهَا
    كلُّ نُورٍ مِن سَناهَا
    قَامَ سَاقِيها سَقَاهَا
    أجْعَلَوهَا احتِسَابِي
    أنَا سَكْرانُ مِن هَواهُ
    لَيْسَ لي راحٌ سواهُ
    كلَّمَا نَادَيْتُ يا هُو
    كان لَبَّيْكَ جَوابي

    ..
    تقديري العميق لهذا القلم
    تحياتي

  • 2 ramaknfani 31-12-2009 | 09:04 PM

    شدني العنوان فأبحرت الى المضمون فغوصت في اعماق المفرده ولم اجد ما اكتبه الا تراتيل عاشقة تحاكي ولو قيلا من تراتيلك المزهله فأنا امرأة اكثر ما اعشقه اناقة المفرده...كنت اعتقد قبل ان أقرأك استاذ سامر بأني امتلك ولو جزء بسيط من اناقة العبارة فإذا بي امام نصك اتعلم ابجدية الكتابة

    أفتقدك كما تفتقد إمرأة عاشقة ذراعي من تحب،فأهرب من الحاح الرغبة إلى زاوية باردة ومن غرفة مظلمة الى غرفة أكثر ظلاماً أرتمي على أطراف صورة لك أخذتها من الجريده وارفع صوتي كي أنادي عليك فيرتد صوتي الى الداخل فأغرق في حزن بعد حزن....ها أنذا مثل قمر جريح أنوس مثل ذبالة قنديل أغلق عيناي على الضوء قبل أن يداهمني الظلام...وها أنت رغم البعد تحاصرني رسائلك السابقه بالحب والحلم...فلا أجد مناص من التوغل حتى أخر قطرة دم واخر وجع....نعم موجوعة أمشي على الصراط ذاهبة نحو الحلم أخاف أن أسقط في اليأس نعم عاشقة وموجوعة حملت قلباً في داخلي أخاف عليه أن يصبح رماداً في مواقد الشتاء...وارتدي معطفي الأبيض متوشحة بالأنتظار إلى حين أن ينضج موعداً لم تحدده لي بعد...فلا تفجعني بالصمت والتجاهل....عاشقة موجوعة مصابة بخيبة الأمل وارتباك اللغة في داخلي أركض في الزحام أخبئ بعض الدفئ والجليد يركض خلفي...فهل يعقل أن نكتب كل هذه الأوراق ولا نقول الا الصمت ونترك حلمنا يذوب ونرخي أصابعنا ونوصد قلوبنا على وجعها بوجه الحب....عاشقة موجوعة قلبها متعب تدق على نافذتك فافتح لها ودعها تسكن اليك مثل حمامة مطاردة بجرحين واحد في القلب وأخر في الجناح.....اه يا حبيبي كم يوجعني صقيع الوحدة والأنتظار...اليك سأغني وأكتب الى عينين لا أرحب منهما الا الفرح ولا أعمق منهما الا الأنتظار وليس لسواهما هذا الدفئ الذي أفتقد....
    أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ الاردن إِنْ وَجَدْتُنَّ حَبِيبِي أَنْ تُخْبِرْنَهُ بِأَنِّي مَرِيضَةٌ حُبًّا.
    :

    >

  • 3 ابو عمر 31-12-2009 | 11:29 PM

    انت مع غروب الشمس وانااقراء كلامك والقمر يكاد يلتهمه ضل الارض هذخه اللحظه ايها الاخ الكريم لم استطع ان اتخيل ما يريد الششتري سوى اني مشتاق ...........

    اكت تعليقي وانا انظر الى كبد السماء وارى خسوف القمر الان الساعة التاسعه وتسع وعشرون دقيقه مساءا

  • 4 فايز 19-07-2017 | 06:02 PM

    أرجو من الإخوة و الأخوات المتابعين إفادتي بتفسير جملة "للسوى فارق".. هل تعني أن على العاشق مفارقة المساواة و المنطق و أُسس العدل (إن صح التعبير) لنيل وصل قلب تلك الفتاة؟


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :