facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




داودية والنمري يناقشان"حقائق التاريخ العربي" للبدور


09-03-2020 08:29 PM

عمون - من إبراهيم السواعير - استضافت دائرة المكتبة الوطنية مساء أمس رئيس مجلس إدارة الدستور الوزير الأسبق والكاتب محمد داودية، والنائب الأسبق الكاتب الصحفي جميل النمري، لقراءة جوانب من كتاب الدكتور سليمان علي البدور "حقائق التاريخ العربي: قراءة جديدة في الوقائع والمفاهيم"، في حفل إشهار الكتاب الذي لقي نقاشات جادّة؛ نظراً لما طرحه من أفكار جريئة وموضوعيّة عرضت لمفاصل حسّاسة ومسكوت عنها أو استمرأتها الرواية الشفوية، في ربط واضح بين الأمس واليوم.

الصورة التراجيدية
وأعرب داودية عن احترامه للكتاب الواقع في 800 صفحة من القطع الكبير، لموضوعيّة مؤلفه ومنهجه الأكاديمي وانحيازه لجانب العقل والمنطق في تداوله المعلومة وتحليلها، فضلاً عن إحالاته ومراجعه التي نافت عن 200 مرجع عربي وأجنبي، خصوصاً وقد أعاد تفكير القارئ بصور ربّما تنمّطت وظُلمت فيها شخصيات كثيرة بالتواتر الشفاهي.

ومن قراءاته، وقف داودية عند مراحل تراجيديّة اشتمل عليها التاريخ العربي؛ قارئاً جهود الحسين بن علي ونفيه وعشقه المسجد الأقصى في منتصف العشرينات من القرن الماضي، وكسوته قبّته بخمسين ألف جنيه ذهب من حرّ ماله.

كما عاين داودية قبل ذلك مواضيع أخذت حيّزاً من الكتاب، متوقفاً عند مأساة "الشهيد الكربلائي" وعصور الخلافة وفترات الدولة العربية الإسلامية، وعوامل الضعف والقوة، كحقائق مثبتة تضعنا بصورة وعي المثقف والنخبوي بذاته وقوميّته وكينونته أو تأثيره الثقافي والحضاري.

استنساخ التاريخ
وقارب داودية من خلال الكتاب بين الأمس واليوم، خالصاً إلى أنّ التاريخ ربما يعيد نفسه، وقال إنّ موسوعيّة الكتاب تغري بقراءته قراءة متأنية، واجداً أنَّ "سقيفة بني ساعدة" كانت بداية نفق الصراع على السلطة في تاريخنا العربي.

وبعد أن ناقش العديد من المواضيع، أشاد داودية بالسرد الجذّاب والتتبع التاريخي والمستخلص الذكي للدكتور البدور في ثبت المصادر والمراجع المنتقاة، لابن إسحق وابن هشام والطبري والبلاذري والواقدي، وغيرهم.

وأشاد داودية بجهود الدكتور البدور، كما أشاد بجهود الرواد الأوائل من مثل: عبد العزيز الدوري وحسين مروة وعبد الوهاب المسيري ومحمود شاكر ونقولا زيادة، وعلي محافظة، ومحمد عدنان البخيت، وهند أبو الشعر، وغيرهم من القامات والمؤرخين المشهود لهم بالمثابرة والجهد في قراءة التاريخ.

الهوية العربية
من جهته، عاين النمري موضوع الهويّة العربية، والروايات الساذجة أو التسطيح المتواتر، مؤيّداً المؤلف في نزعه ثقل الأسطورة عن هذا التاريخ في كثير من محطّاته، وقال إنّ الدكتور البدور كان جريئاً في مواضيع بعينها، من مثل النصّ الديني، وصيغة الدولة العربية الإسلامية، وموضوع البراغماتيّة السياسيّة في مراحل هذه الدولة.

ورأى النمري أنّ شخصية النبي محمد هي شخصيّة استثنائيّة كسياسي عبقري وقائد عسكري.

وناقش أيضاً تعثر المشروع السياسي وحروب الردّة.

ودعا النمري إلى أن يكون الكتاب بين أيدي القراء والمهتمين وفي وزارة التربية والتعليم؛ لصدقيّة المراجع والإحالات وللجهد الكبير الذي مكث المؤلف لأجله أربع سنوات في سبيل إنجازه.

التعليل والتحليل
من جهته، وصف الدكتور سليمان البدور كتابه بأنّه محاولة متواضعة من منظور تنويري ونقدي غير منحاز، ودراسة شاملة لا تحتمل السرد التاريخي، نافياً عن نفسه صفة أن يكون مؤرخاً، بل هو معللٌ ومحللٌ وقارئٌ للجزئيّات في ما يشتغل عليه من دراسات تاريخية، بالمنهج الاستقرائي الذي يستهدف الوصول إلى الحقيقة بالاستفادة من الوقائع الصادقة.

ووقف البدور على انكسارات زمننا الحاضر والتسلسل الوقائعي وتواصل التاريخ؛ مؤكّداً عدم ارتهانه لقيود أيديولوجية أو هوى شخصي، بل اعتماده مراجع أكاديمية في دراسة 281 واقعة تاريخية ومفهوماً ثقافياً، كما صرّح بأنّ أبرز المفاصل التاريخية كانت مؤثرة بمأساويتها، ومنها ما هو رائعٌ حدّ المعجزات.

وذهب البدور إلى أهميّة "البداوة" في التاريخ العربي، بمفهومها الصحراوي وليس المدني، متحدثاً عن عبد المطلب بن هاشم وحفره بئر زمزم والأثر الديني والسياسي لهذه الشخصيّة، ومن ثمّ صفات القائد الرسول محمد بن عبدالله.

كما ناقش أيضاً العرب مادةً للإسلام، مؤكداً مفهوم الملّة الإسلامية بدلاً من الأمّة الإسلامية، كما عرّج البدور على دور خديجة بنت خويلد وأبي بكر الصديق وورقة بن نوفل والراهب بحيرا، ليدرس معنى المعاهدة السياسية أو "البراغماتيّة السياسية"، واتجاه الحرب على القبائل بحد السيف وخيار الجزية، وعدم فرض الإسلام على اليهود، فـ"هنا يمن وهنا شام"، وللجزيرة معاملة خاصّة، وتحدث أيضاً عن قبيلة خزاعة وقربها من الرسول سياسياً، ومواضيع الخطاب التشريعي والتنظيم السياسي، وقال إنّ إغفالاً تاريخياً لشخصيّة مهمة بحجم أبو الغيداء الظفري ودروه في معركة أحد، كما أكّد دور أم سلمة كنموذج للمرأة العربية، ووقف عند شخصية الخليفة عمر بن أبي الخطاب ومرونة النص القرآني، وفرّق بين اليهودية والصهيونية، كما توقف عند إشارات سورة التوبة، مناقشاً موضوعي الإمارة السياسية والإمارة الدينية، بدليل قول الرسول "لا يمثلني إلا رجلٌ من أهل بيتي".

وعاين البدور موضوع حرب الردّة والصراع الأموي العباسي والإرث العائلي بالضدّ من القوميّة، كما وقف عند مرحلة تفويض الوزراء البرامكة، والمؤامرة على عرب الأندلس لضرب الأمويين، واقتصار الحضور على البدو (العرب) منذ سقوط الدولة العباسية حتى مرحلة العثمانيين، وأنّ الدولة الفاطمية شهدت تنظيماً مالياً وإدارياً ممتازاً.

وختم البدور، الذي قرأ ثلاثين مفصلاً من مفاصل الكتاب الوافرة، بحديثه عن مواضيع خطورة إغلاق باب الاجتهاد، ومغبّة الرواسب الدينية التي ظلّت تسيطر على ذهنيتنا حتى اليوم، ليسير في مقاصد الشريعة عند الشاطبي، والعرب المسيحيين في بلاد الشام، وانبعاث الفكر القومي العربي، قارئاً إرهاصات المرحلة الحديثة وقضيّة فلسطين.

آراء وتخصصات
وفي مداخلاتهم، تحدث الحضور من منظور تخصصاتهم الأكاديميّة؛ إذ بيّن أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنيّة الدكتور مجد الدين خمش أنّ الكتاب يمثّل اشتغالاً جاداً، ويتوافر صاحبه على عقلية تحليلية جبّارة، منادياً بأن نستمع إلى نداء العقل وأن نعيد النظر بالمنهجيّات التي كثيراً ما تطفئ الحقيقة أو تراكم كثيراً من الأخطاء بسبب التواتر غير المحقق والذي جاء على شكل أخطاء تاريخية، رفضها ابن خلدون وانتقدها، بالرغم من حضور التواتر كروايات خاطئة.

وقال خمش إننا بحاجة إلى كتب مستنيرة تتوخى الدقة في التأليف والتحليل ولا تستسهل التاريخ أو أيّ علم آخر؛ لأنّ المنهج العلمي هو ما ينبغي أن نحتكم إليه في نهاية الأمر.

وتوقّف الفنان والإعلامي أسعد خليفة عند شخصيّة عمر بن الخطاب؛ كشخصيّة لها حضورها في الذهنية العربية والإسلامية، مستفيداً من خصائص هذه الشخصيّة في العدل والقرار السريع والفترات الحرجة، وقال خليفة إنّه حين عُهد إليه أن يمثّل في مسلسل عربي كبير دور الخليفة الراشد عمر بن الخطاب صوتياً، استشفّ أنّ الأردن وعموم المنطقة العربيّة لديها ما يؤهّلها فعلاً لأن تستثمر المكان أو الحاضنة التاريخية في أعمال دراميّة متميّزة، كواجب يمليه علينا تاريخنا الناصع في كثير من جوانبه، مناقشاً حياديّة النصّ وأهميّة الحرية كشرط ضامن لقراءة حقيقة التاريخ في فتراته الزمنية أو شخصيّاته؛ لأنّ ذلك يسهم الإسهام كلّه، تماماً مثلما يسهم المؤرخ أو قارئ المادة التاريخيّة في تكريس الموضوعيّة والصدق في التناول بأيّ وسيلةٍ، أدبيّةً كانت أم فنيّة.

وتحدث الدكتور بكر المجالي عن أهميّة تصويب الحاضر من خلال قراءة الماضي، خصوصاً في قراءة مراحل مهمّة من تاريخنا العربي الإسلامي، من مثل "سقيفة بني ساعدة"، وغيرها من مفاصل التاريخ، منبّهاً إلى أنّ كثيراً من الكتاب يتعمّدون قراءة هذه المفاصل ويركّزون عليها لغايات معيّنة، وبالتالي فعلى أستاذ التاريخ أو المحلل له أن يكون على وعي وبصيرة وثقة بالمنهج العلمي الذي يخدمنا في مستقبلنا، حين نقرأ ماضينا بغضّ النظر عن مفاصله، وبكلّ أبعاده.

ودعا الشاعر مصطفى الخشمان إلى إعادة النظر بالتاريخ، والاهتمام بتحقيقه وعدم الكتابة لمجرد الكتابة أو السبق في التأليف؛ كأن يحشد المؤلف من الصفحات ما يزيد الخطأ ويكرس الفائض الذي لا يقول شيئاً، وقال الخشمان إنّ فترة ما قبل الإسلام شهدت مشروعاً نهضوياً عربياً، محذّراً من التلقين وإغفال التحليل والقراءة المستبصرة للتاريخ.

ورأى الأديب والمسرحي كاشف سميح أنّه ما من مرجع تاريخي بريء؛ مؤكّداً قيمة أن يتوخّى المؤرخون ومحللو التاريخ المنطق والحياديّة والنزاهة في كلّ جوانبه، معترفاً بصعوبة ذلك في ما يصدر من مؤلفات ليس فقط في التاريخ، بل في كثير من المواضيع العلمية والمعرفيّة.

ورأى الباحث إبراهيم الطهراوي أنّنا من الخطأ أن نذهب باتجاه النيل من موضوع "العنعنة" في الأحاديث الدينية، إلا بعد أن نتحقق من أسانيدها؛ باعتبار ذلك علماً متخصصاً ولا يجوز أن يقول كلمته فيه إلا المتخصصون.

ورأى الطهراوي أنّ هناك علوماً نشأت، من مثل "الجرح والتعديل" لمقتضيات الظرف أو المرحلة، وهو ما يمنحنا ثقةً بالتواتر في ما يصل إلينا من أحاديث.

ودعا الكاتب علي القيسي إلى ضرورة وجود "رجل دين" على المنصّة إلى جانب المتحدثين، لكي يدلي برأيه المتخصص في ما ورد إلينا من أحاديث أو قصص دينية ذات مغزى تاريخي.

من جانبه، رأى الدكتور أمجد الفاعوري أنّ التسر ّع في استصدار الأحكام على تاريخنا واجتزائه بحوادث مقصودة فيه ظلمٌ كبير، خصوصاً في فترات الخلافة الإسلامية، منبّهاً إلى دور المستشرقين في العزف على أحداث بعينها في تاريخنا الذي يشتمل على مفاصل مهمّة وجوانب إيجابيّة علينا إظهارها والاحتفاء بها.

وتحدث المحامي عبدالهادي الكباريتي عن أهميّة تناول الباحثين بشكلٍ موضوعي للتاريخ العربي الإسلامي؛ باعتباره مادّةً خصبة لقراءات جديرة بأن يحتفى بها، كما فعل الدكتور البدور في قراءته الواعية ومستخلصاته المهمّة في مجلّد يضيف إلى المكتبة المحليّة والعربية الكثير؛ نظراً لمنهجه وفهمه وعدم احتكامه إلى هوى شخصي أو بُعدٍ أيديولوجي معيّن.

الثقافة التمييزية
وكان اشتمل الكتاب على أحد عشر فصلاً هي: الظهور التاريخي وبروز الهويّة، والكيانات العربية قبل الإسلام، والنبوّة ودولة الرسول، وخلافة الشيخين أبي بكر وعمر: الانتقال الأوّل والأخير للسلطة حسب الكفاءة، وفتوح الدعوة وفتوح الدولة، والصراعات القبليّة والعائليّة، وإرهاصات السقوط الذاتي للدولة العربية، والمشهد العام حتى الغزو العثماني، ومرحلة السيطرة على العرب وما سبقها، والمشهد السياسي العربي قبل الهيمنة الأوروبيّة وبعدها، ومحددات التاريخ العربي: عوامل الضعف ومكامن القوّة والنهوض،.. كما ألحق عدداً من الخرائط والجداول المهمّة كشروحات لمفردات وردت في الكتاب.

وبالرغم من أنّ المستخلصات كثيرة، وتحتاج شرحاً مفصّلاً، إلا أنّ الإشارة تجعل الكتاب شهيّاً على القراءة والموافقة أو إبداء الرأي، ففي موضوع الظهور التاريخي وبروز هويّة العرب، يجد الدكتور البدور أنّ خلطاً يجري بين العرب البُداة والأدوميين الذين يعودون بأصولهم إلى الشعب العبراني، مرجّحاً أنّ هذا الخلط قد تمّ في عهد الملك الأشوري أسرحدون الذي حكم بين سنتي(680-669 ق.م)، وأنّ لفظة عرب من حيث الاشتقاق اللغوي كلمة سامية تعني البادية أو ساكن البادية، ثمّ أصبحت دلالتها في اللغة العربية القديمة سرعة التنقل والحركة، وأنّ لها ارتباطاً بالعربة التي تعني في العبرية صحراء، ويقال إنّ لها علاقة بكلمة "عيريب" التي تدل على حياة الفوضى أو الحياة غير المنتظمة.

ويذكر الدكتور البدور أنّ أول مساهمة للعرب في تقدّم البشرية كانت في تأهيلهم الجمل وتحويله إلى حيوان أليف لأول مرّة في التاريخ، وأنّه جرى تداخل عرقي بين عرب شمال الجزيرة العربية والعبرانيين، قبل أن تتهوّد الأسباط العائدة من مصر، من هؤلاء الأخيرين.

النزعة الأممية
ويجد أنّ الروح الفردانيّة قد غرستها الصحراء في النفس العربية البدوية، إلى حدٍّ تعذّر معه الارتفاع إلى مرتبة الفرد الاجتماعي المعروف بنزعته الأممية، بالرغم من كونه ظاهراً يتحرك داخل الهوية اللغوية والمكانيّة. وأنّه عندما أصبحت اللغة العربية أداة التعبير في الامبراطورية العربية الإسلامية، صار الشعر الجاهلي"البدوي" مثالاً يُحتذى بطريقة نظمه وأسلوبه وأخيلته وأفكاره، وبهذا أدخل الشعر الجاهلي الذي تمّ تداوله وحفظه، المُثلَ البدوية الجاهلية في الحياة الثقافية العربية الإسلاميّة المنفتحة على العالم خارج إطار القبيلة.

وفي قراءته للكيانات العربية قبل الإسلام، وجد الدكتور البدور أنّه جرى تطوّر جزئي في الحياة الاجتماعية والسياسية لدى عرب شمال الجزيرة ووسطها وجنوبها، فأسسوا كيانات سياسيّة مدنيّة على شكل دول مستقلّة كليّاً في بعض الأحيان، وأحياناً على شكل دول وظيفية تؤسس بقرار خارجي لخدمة دول كبرى، وقد حدث هذا في اليمن ومكّة والطائف والبتراء وتدمر والحيرة والجابية في الشام.

وفي موضوع النبوّة ودولة الرسول، استخلص الدكتور البدور أنّ النبوءة عند العرب كانت ثقافة سائدةً قبل البعثة المحمّدية بزمن طويل، وأنّ النخبة القليلة المتنوّرة من مجتمع مكّة، كانت تنتظر أو تتشوّف ظهور نبي من بينها، ولمّا كانت التوراة تبشّر بظهور نبي جديد، فإنّ هذه النخبة، تنافساً مع يهود يثرب وخيبر وغيرهم ممن يتوقعون ظهوره فيهم، كانت مشغولةً بمسألة النبوّة قبل نزول الوحي بقليل.

كما يُذكّر بأنّ علاقة النبي محمد برموز المسيحية في الجزيرة العربية كانت عميقة الجذور، وكان لهذه العلاقة دور لا يمكن إغفاله في نصرة الدعوة الإسلامية ودعمها، وأنّ الدعوة الإسلامية ومنذ انطلاقتها الأولى في مكّة، كانت تحمل مشروعاً سياسيّاً، تكلل في إقامة الدولة بيثرب، فجزيرة العرب، إلى امبراطورية عالمية في العهدين الأموي والعباسي.

كما يرى أنّ واقعة الإسراء والمعراج تضمنت بعداً دينياً وسياسياً بالغ الأهمية، من حيث الرؤية التوحيدية الشاملة في إطار الإسلام بمعناه العام، واحتوائه على الديانات التوحيدية الثلاث، وأنّ المعارضة السياسية في تاريخ الدولة العربية الإسلامية قد برزت للعلن ساعة توزيع غنائم حُنين، باعتراض "ذو الخويصرة" التميمي على طريقة توزيع النبي.

توماس كارليل
ويوافق الدكتور البدور وصف توماس كارليل للنبي محمد بأنّه بطل في صورة نبي، معتبراً ذلك وصفاً دقيقاً وصحيحاً إلى أبعد الحدود، فقد أضاف محمد بن عبدالله إلى نبوّته الممنوحة إلهياً عظمة سياسية خارقة.

أمّا قرآن الدولة فهو سياسيٌّ متحولٌ وغير ثابت؛ يتكيّف مع المتغيرات الاجتماعية والسياسية التي تخضع لها طبيعة الجماعة البشرية وتحولاتها المادية والمعنوية.

وفي موضوع خلافة الشيخين أبي بكر وعمر، وجد البدور أنّ الولاءات الشخصية والقبلية في العقل الاجتماعي العربي، كانت وما تزال تحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم في النظام السياسي العربي.

وفي فصل فتوح الدعوة وفتوح الدولة وجد أنّ الدين لدى أي مجتمع إنساني ينقلب إلى أداة ثقافيّة تمييزية، تفصل هذا المجتمع عمن لا يعتنق هذا الدين، وكحتمية اجتماعية سياسيّة، يتحوّل الدين إلى أداة قهر للآخر المختلف في أيّ دولة ترفعه شعاراً لها، مهما ادعى نظامها السياسي صفة التسامح وقبول الآخر المختلف دينياً.

أمّا العروبة السياسية والثقافية فيجب ألا تنطوي على عصبية عرقية أو دينية، ويجب أن تتحد هويتها فقط بالسمات الثقافية واللغة والشراكة الوطنية والسياسية، وهو ما يميز دول العالم المتقدم اليوم.

العقيدة.. والسياسة
وفي موضوع الصراعات القبلية والعائلية وجد الدكتور البدور أنّ علياً بن أبي طالب كان فارساً لا يشقّ له عنان وعالماً متبحراً في شؤون النبوّة المحمدية ومعاني رسالتها الأخلاقية والشعائرية، إلا أنّه لم يكن سياسيّاً بالمفهوم المتعارف عليه آنذاك، وقد خسره الإسلام من جانبه الفقهي التفسيري والاجتهادي التحديثي، وانسحب الأمر على أحفاده حين اتجهوا، على صورة شبه جماعية، إلى ميدان السياسة، بدلاً من العناية بالعقيدة وعلومها والاجتهاد في تطويرها وتكييفها على وفق متطلبات الزمن والمتغيرات الاجتماعية بهم وحدهم ومن يستعينون به كمرجعية دينية عالمية بشؤون الدين والإفتاء به.

وأكّد الدكتور البدور أنّ الروح القبلية هي التي أفرزت نظام الخلافة بمعناه السياسي والديني، وأنّ إدغام الإيمان السماوي بالدولة السياسية، وشرعنة الغزو العسكري بتفسيرات دينية مقدّسة بعد قسمة الجغرافيا البشرية إلى دارين دار إسلام ودار كفر، انتهى، بالسطوة العربية، أو الأعرابية بمعنى أدق، إلى خلط المقدّس السماوي بالمدنس الأرضي، فأشكل الحال والتبس المعنى والهدف، وعادت الجاهلية البدوية بسلاح سياسي ديني، يوظّف العقيدة في سبيل الغنيمة، بما تعنيه هذه الأخيرة من نهب الأموال وسبي النساء واستعباد الرجال.

وفي باب السيطرة العثمانية أكّد البدور أن العثمانيين قد حكموا على أنفسهم وعلى العرب معهم، بالعزلة والتقوقع الثقافي والعلمي عندما أوقفوا الاجتهاد على المستوى الديني الفقهي، فانعكس ذلك على التطوّر العام في جميع المجالات.

وفي قراءته للمشهد السياسي العربي قبل الهيمنة الأوروبية وبعدها، رأى أنّ العقل العربي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، من حيث انطلاقه من عصبية قبلية انقسامية فاقدة للرؤية الوحدوية خارج حدود القبيلة الواحدة، إلا في ظروف التحالفات المؤقتة، هو عقلٌ ميّال للجمود والتقليد والنمطية، الأمر الذي جعله مهيئاً لهيمنة عقل الآخر الأوروبي.

ولكنْ، وفي محاولة للإنصاف، يؤكّد البدور أنّ دول عرب ما بعد الحرب العالمية الأولى، استطاعت رغم قطريتها الضيقة، إبراز الهوية العربية الواحدة وترسيخ ثقافتها في الإعلام والتواصل الاجتماعي والعلمي والعلاقات التجارية والاقتصادية، وإلى حدٍ ما بالمواقف السياسية الموحدة عبر الجامعة العربية، فمن الإنصاف أن نقرّ بأنّ عالم العرب قد خطا خطوات كبيرة في مجال التقدّم والتطوّر والازدهار، لا يقاس بأي حال بما كان عليه في مطلع القرن العشرين، حال أمّة خضعت للتقسيم الجغرافي والتفتيت الديمغرافي والتجهيل والتهميش في كلّ مناحي الحياة.

وفي ختام حديثه يشرح الدكتور البدور ثلاثة عوامل مجتمعية متداخلة ومتفاعلة كان لها الأثر الحاسم في التجربة الحضارية العربية الإسلامية، سبق وأن عاينها ابن خلدون وقرر حقيقتها وأثرها في مسيرة تاريخنا العربي: وهي العامل الأيديولوجي، والعامل الاجتماعي، والعامل الاقتصادي.

نهوض ثقافي
وفي نهاية الندوة، أعرب مدير عام دائرة المكتبة الوطنية الدكتور نضال العياصرة عن تقديره للكتاب الذي أحدث قراءة واعية في جوانب مهمة من تاريخنا العربي، مبيناً لـ"عمون" أنّ نشاط "كتاب الأسبوع" كوّن له جمهوره الخاص من الأدباء والفنانين والنخبويين والمفكرين، مؤكّداً دور دائرة المكتبة الوطنية في النهوض بالشأن الثقافي كذراع مهم ورديف لعمل وزارة الثقافة.

وقال العياصرة إنّ التنوّع بين أنشطة المكتبة الوطنية يعطينا مؤشراً قوياً على غنى المشهد الثقافي الأردني واهتمامنا بالمعرفة، معرباً عن احترامه لجهود الباحثين بالكتاب الورقي وطقوس إشهاره والاحتفاء به، حتى مع الانتشار الكبير لوسائل التكنولوجيا الحديثة في الكتاب الإلكتروني والمدوّنات التي لم تمنع الشعراء والأكاديميين من أن يبقوا مخلصين لرائحة الكتاب ومراجعه والمراحل التي يسير فيها منذ أن كان فكرةً حتى خرج مادةً يحتفظ بها الناس وتحملها رفوف المكتبات.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :