facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




يوميات تائه ..


د. محمد القضاة
17-02-2010 02:03 PM

كان نشيطاً، يصحو مبكراً، يذهب إلى عمله وهو مفعمٌ بالحيوية والنشاط، استمر على هذا الحال أكثر من عقدين، ليكتشف نفسه ذات يوم أنّه في سن التقاعد، وأن شهورا معدودة تفصله عن حياة جديدة طالما تاق إليها، وبعد أيام وصله كتاب شكر يثني عليه، أدرك لحظتها أن الزمن قد سافر به إلى خريف العمر، فماذا يعمل، والأولاد والبنات قد غادروا الواحد تلو الأخر، لم يبق أمامه سوى ذكرياتهم وصورهم!

عاد إلى الماضي يقرأ فيه صحيفته، تذكر كيف يبدأ الإنسان طريقه، وقف في محطات الحياة وتصفح نفسه فيها، عبث بقصاصات ورقه ومذكراته، حزن على اللحظات التي مضت دون أن يؤثر فيها أو يحرك ما كان يجب أن يتحرك، رجع إلى نفسه وقال: لماذا نمضي في الغواية في تلك السنين ولا ندرك أن الزمن يمضي كلمح البرق أو أسرع! نظر حوله فوجد الأصدقاء والأحباب وقد تفرقوا، هاتف الأول فلم يجده، ثم بحث عن الثاني والثالث والرابع، عندها أدرك أن لكل أجل كتاب وأن الزمن هو الوحيد الذي ينتصر على الإنسان.

تتعدد الحكايات وتتكرر خاصة حين تنام وأنت تتوسد اليأس والإحباط والملل، ثم تتوالد وتتكاثر حين تتحطم أمام صداع؛ كأنه كهل استعصت أمراضه، وتتآكل وتهترئ عندما تنام وتصحو من فرط ليل طويل تقشع له الأبدان ، ويصيبك الصدأ والهم حين تقف في طابور الانتظار تائهاً بلا هدف ولا دليل. وهنا لا أنسى ذلك الشاب الذي كان يشتعل نشاطاً وحيوية وهو يقول لي: سوف أطلب تقاعداً مبكراً، قلت له: لماذا؟ قال: حتى أخلص من هذه الديون، وما يتبقى لدي يكفيني، تقاعد ومضى في غيه، وبعد حين جاءني ثم وقف ينظر إليّ باستغراب، قلت له: ما بك؟ تفضل، دخل وجلس وهو يتأفف، أنفاسه تتقطع، عيونه لم تعرف النوم منذ زمن، شكله أكل الدهر عليه وشرب، الصمت يغلب على أنفاسه، وكأنه صمت القبور. بادرته بالسؤال ثانية، ماذا جرى لك؟ لماذا تحمل هم الدنيا ومعاناتها؟ قال: تهاجمني الأسئلة وتؤرقني وتحرق داخلي، وتغمرني سحب الهلوسة، وليس لدي أي إجابة، لم أسمع النصيحة، رفضت كل رأي يخالف رأيي، ركبت رأسي، ظننت أن التقاعد حياة جديدة، أجد فيها ما فقدته في المرحلة الأولى، غير أنه عبث، لا أحد ينظر إليك، أو يسأل عنك، حتى أولادك وبناتك وزوجك لا يعجبهم حالك، فماذا افعل؟ هل انتحر؟ أم ارحل إلى بلاد بعيدة، قل لي: ماذا أفعل؟ بالله عليك لا تبخل عليّ بالنصيحة! ابحث لي عن عمل آخر ، وأنا على استعداد لان اعمل دون مقابل ، كي أتخلص من هذه البلادة، و من هذا الصمت المريب ، ومن هذا الروتين الممل، و من هذه الحياة الرتيبة من هذا اليأس ؟ لماذا اليأس؟ هل ثمة ما يستوجب اليأس؟ ثم مضى وهو يقول: لا تنسى هذا اليأس، ولا تنسى الإجابة عن سؤالي.

تأملت أسئلته، حزنت على حال المتقاعدين في بلادي، فهم فئة عزيزة قدموا شبابهم وحياتهم و كافحوا الليل بالنهار ومن حقهم أن يعيشوا باستقرار وآمان، وأن يشعروا أنهم جزء من مجتمع يجب أن يحبهم ويقدرهم، لا أن يعيشوا في ظل ظروف تطحن كل شيء ، ثم تذكرت حال المتقاعدين في أوروبا ، والغرب عامة وإذا المقارنة بين متناقضين، حال من ينتظر لحظة النهاية والموت، وحال من تنفتح له الحياة من جديد، حال من يشعر بالذنب والتقصير، أو أنه أصبح عالة على غيره، و حال من يشعر أن الدنيا مقبلة عليه، حال من يجلس في بيتيه يعد الساعات والأيام والليالي ولا يعرف ماذا يفعل ويعمل، وحال من يرتب حياته وبرامجه بدقة وفرح فلا يعرف كيف تمضي به الأيام، وحال من يفكر بأولاده وبناته وأحفاده ويشعر بالتقصير حيالهم، وحال من يمضي في فرح وحبور وارتحال لأنه ليس مسئولا عن أحد سوى نفسه.

حال أغرب من الخيال تصحب على الحيران ، وحال تطرب لها الآذان حين ترى عجوزاً في الثمانينيات من عمره يلبس أحلى الثياب و أجملها وأغلاها، تره في الأسواق والقطارات والمقاهي يتحدث بشغف، وإذا كان وحده فالكتاب رفيقه وأنسه، و تطول المفارقة فتكتشف أنك في حلم أثقل من الجبال، إنه التقاعد الذي يدق أبواب الحزن و القهر عند أغلب المتقاعدين في بلادنا، إنه التيه في أرض الله الواسعة ...

mohamadq2002@yahoo.com





  • 1 إنشاء رائعة 17-02-2010 | 08:26 PM

    نص مفعم بصدق شابه لحد كبير لنصوص استاذنا الكبير معالي خالد الكركي
    بوركت د محمد

  • 2 بكر أبو معيلي 17-02-2010 | 10:17 PM

    أهلا بك أستاذاً عالماً طيباً امتلك ناصية اللغة، نشكرك على مقالة ذات الحلة القشيبة الشائقة بكل معطيات الكلمة .

  • 3 المتقاعد 18-02-2010 | 01:55 AM

    يا دكتور محمد حال المتقاعد بالاردن سيء وصعب جداولهذا السبب التقاعد يعني بداية الموت فنرجوا ان يطلق على الذي يحال على التقاعد عند تقاعده وخاصة متقاعدي الخدمة المدنية رصاصة الرحمة حتى يريحوهم من اعباء الحياة والتزاماتها حيث يتم احالتهم على التقاعد عند زيادة مسؤلياتهم المادية لضعفين وثلاث اضعاف دخولهم وهم بالخدمة وبعد التقاعد حدث ولا حرج ولا يجد ما يفعله سوى انتضار الموت ؟؟؟؟؟

  • 4 > علي السعيدين 18-02-2010 | 11:41 AM

    لقد ابدعت وأحسنت يادكتور محمد ووضعت يدك على جرح غائر في اعماق الكثيرين لكن من يقرأ هذه الايام

  • 5 مشارك 18-02-2010 | 11:49 AM

    السلام عليكم،
    اشكر د. محمد القضاة على هذه المقالة الجميلة، واتفق واختلف معه في بعض ما ورد فيها.
    فاتفق معه ان المتقاعد (مع الاعتراض على هذه التسمية) يجب عليه ان لا يصاب بالبلادة، او ان يتوقف عن الانتاجية، واظن ان السبب في ذلك هو غياب او لنقول قلة المشاريع الصغيرة و غياب ثقافتها عن المجتمع الاردني سواء عند المتقاعدين او حتى عند الشباب انفسهم. مع العلم انه لا يشترط بهذه المشاريع ان تكون لغايات الربح المادي فقط، بل ان المشاريع التي تعنى في خدمة المجتمع يكون لها الاثر الطيب على المجتمع وعلى الشخص نفسه اهمها الراحة النفسية.
    واختلف معه بالمقارنة هذا الامر مع الغرب، وان كنت اتفق معه ان الانسان الغربي يحاول ان يكون منتجا او لنقل فعالا حتى اخر لحظات حياته، لكنه يفتقد الى السعادة الحقيقة، خصوصا عند مراجعة ملفات حياته و خصوصا عندما يتسائل (لماذا انا هنا؟ و ما سبب هذا الوجود؟).
    و هنالك ظاهرة الاحظها>>>>> و ينخرطوا في مجتمع المسجد و يشكلون صداقات جديدة و عالم جديد، و انا انظر اليهم و اقول سبحان الله

  • 6 مشارك 18-02-2010 | 12:32 PM

    ارجو نشر المشاركة كاملة
    السلام عليكم،
    اشكر د. محمد القضاة على هذه المقالة الجميلة، واتفق واختلف معه في بعض ما ورد فيها.
    فاتفق معه ان المتقاعد (مع الاعتراض على هذه التسمية) يجب عليه ان لا يصاب بالبلادة، او ان يتوقف عن الانتاجية، واظن ان السبب في ذلك هو غياب او لنقول قلة المشاريع الصغيرة و غياب ثقافتها عن المجتمع الاردني سواء عند المتقاعدين او حتى عند الشباب انفسهم. مع العلم انه لا يشترط بهذه المشاريع ان تكون لغايات الربح المادي فقط، بل ان المشاريع التي تعنى في خدمة المجتمع يكون لها الاثر الطيب على المجتمع وعلى الشخص نفسه اهمها الراحة النفسية.
    واختلف معه بالمقارنة هذا الامر مع الغرب، وان كنت اتفق معه ان الانسان الغربي يحاول ان يكون منتجا او لنقل فعالا حتى اخر لحظات حياته، لكنه يفتقد الى السعادة الحقيقة، خصوصا عند مراجعة ملفات حياته و خصوصا عندما يتسائل (لماذا انا هنا؟ و ما سبب هذا الوجود؟).
    و هنالك ظاهرة الاحظها، و هي ان معظم المتقاعدين في الاردن يتجهون للمساجد ولجميع الصلاوات و ينخرطوا في مجتمع المسجد و يشكلون صداقات جديدة و عالم جديد، و انا انظر اليهم و اقول سبحان الله و اظنان الحكمة في ذلك بان الله يريد ان يختم لابناء امة محمد صلى الله عليه و سلم حياتهم بالصلاح ويكونوا خير الامم يوم المشهد العظيم و الله تعالى اعلم.

  • 7 مشارك 18-02-2010 | 01:19 PM

    ***المشاركة لم تعرض كاملة***
    السلام عليكم،
    اشكر د. محمد القضاة على هذه المقالة الجميلة، واتفق واختلف معه في بعض ما ورد فيها.
    فاتفق معه ان المتقاعد (مع الاعتراض على هذه التسمية) يجب عليه ان لا يصاب بالبلادة، او ان يتوقف عن الانتاجية، واظن ان السبب في ذلك هو غياب او لنقول قلة المشاريع الصغيرة و غياب ثقافتها عن المجتمع الاردني سواء عند المتقاعدين او حتى عند الشباب انفسهم. مع العلم انه لا يشترط بهذه المشاريع ان تكون لغايات الربح المادي فقط، بل ان المشاريع التي تعنى في خدمة المجتمع يكون لها الاثر الطيب على المجتمع وعلى الشخص نفسه اهمها الراحة النفسية.
    واختلف معه بالمقارنة هذا الامر مع الغرب، وان كنت اتفق معه ان الانسان الغربي يحاول ان يكون منتجا او لنقل فعالا حتى اخر لحظات حياته، لكنه يفتقد الى السعادة الحقيقة، خصوصا عند مراجعة ملفات حياته و خصوصا عندما يتسائل (لماذا انا هنا؟ و ما سبب هذا الوجود؟).
    و هنالك ظاهرة الاحظها، و هي ان معظم المتقاعدين في الاردن يتجهون للمساجد ولجميع الصلاوات و ينخرطوا في مجتمع المسجد و يشكلون صداقات جديدة و عالم جديد، و انا انظر اليهم و اقول سبحان الله و اظنان الحكمة في ذلك بان الله يريد ان يختم لابناء امة محمد صلى الله عليه و سلم حياتهم بالصلاح ويكونوا خير الامم يوم المشهد العظيم و الله تعالى اعلم.


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :