facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الهاربون


رنا شاور
24-02-2010 11:09 AM

في كل صباح تنتظر (ميسّر) رنة التليفون ليكسر صمت المنزل الكبير ، لقد تزوجت الصغيرة سمر منذ عامين وذهبت برفقة زوجها إلى حيث رزقه في أبو ظبي. فدوى أيضا متزوجة منذ خمسة أعوام، ومع أنها لا يفصلها عن بيت أمها سوى شارعين لكنها تعود من عملها في السادسة مساء مرهقة بما يكفي. أما فؤاد فهو يمر في نهاية الأسبوع ليطمئن على أمه ، ويؤمن لها ماتحتاجه عن طريق ارساله مع السائق بعد أن يتحدث معها من هاتفه الخلوي في طريقه إلى عمله صباحا ً، وعندما تبدأ (ام فؤاد) بسؤاله عن أبنائه تجد الوقت قد تسرّب والطريق بين بيته وعمله كأنه طوي : أمّي ، وصلت المكتب سأكلمك ثانية بعد نصف ساعة. تسأله سريعا إن كان من الممكن أن يشاركها الغداء اليوم ويجيب مسرعا ً كمن لم يسمع: أمي بطلبك كمان نص ساعة . تمتد أحيانا النصف ساعة إلى أربعة أيام.

هي امرأة متمكنة وقوية، وكانت فاعلة في شبابها كخلية نحل لا تهدأ . رمقت دفتر التليفونات إلى جانب التليفون، لا تعرف كيف أثار بها مظهره الذابل هذه الحالة من الوهن. لقد كانت صفحاته مثقلة ذات شباب ، وكثيرا ما اضطرت إلى تحديثه ليتسع أكثر فأكثر. مرت بأصابعها الناحلة فوق الأحرف الأبجدية للدفتر ، حرف الدال هو وحده المتخم : دكتور عادل، دكتور أمجد، دكتور يوسف، دكتور جميل، دكتورة ايمان.. هذا أشد ما تحتاجه الآن، قربها من الناس على مدى أعوام زهدها بهم، كل ما تطمح إليه الآن أن يجد أبناؤها الثلاثة مع أبنائهم الوقت ليلتفوا معها على طاولة الطعام في المطبخ ، أو أن يشاركها أحدهم فنجان قهوتها الصباحية.

تدرك ميسر، وهي في الواحدة والسبعين، أكثر من أي وقت مضى، كم هو صعب وتعيس أن لا يشاركك أحد تفاصيل يومك ، وتتحدث لي بابتسامة ساخرة عن لعبة الزمن، فقبل أكثر من أربعين عاما ً فرّطت في حقها دون تعمد، كما تقول، لم تكن أجندتها المحتشدة بالعمل تؤمن لها الوقت لسماع تفاصيل صغارها المدرسية، كان وقتهم لها وكان وقتها مليئا بالمواعيد، ولم يعد وقتهم ملكهم عندما أصبح وقتها لا يملؤه إلا مكالمة هاتفية من أحدهم.

لماذا ينبت هذا الشعور بالندم الآن بعد أن أصبح الأبناء وجوها ً غائبة. قالت لي ميسّر وأنا أخبرها عن قناعتي التي يراها البعض ضربا ً من الجنون.. عن تضحيتي بفرص عمل متفوقة وذهبية، حين أكتفي منها بما يبقيني معا ً قيد الإنجاز وقيد دائرة الأبناء : هذا رائع تقول لي في رضا، فأنا ياابنتي لم أتوقف لأرى آثار انتصاراتي في عيونهم. ثم تؤكد على صحة قراري: لا تستعجلي الوصول ، لا شيء يستحق .. انظري إلى تفاصيلهم الصغيرة كم تمر بسرعة ، إنهم هاربون منا يوما لا محالة، وليس عليك أن تكتشفي ذلك بعد فوات الأوان
الراي.





  • 1 haneen 24-02-2010 | 11:27 AM

    في الحقيقة سيدة رنا اشكرك جداً على مقالاتك الرائعة التي احس أنها تعبر تماماً عن ما في داخلي وطبعاً الأولاد هاربون لا محالة كما قلت فلنحاول أن نستمتع بكل تفاصيلهم الرائعة التي ستبقى ذكرى لنا حين نكبر ولا شيء غيرها.

  • 2 عبدالله آل الحصان 24-02-2010 | 04:24 PM

    شكرا للكاتبة رنا ، وبانتظار جديدك


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :