facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




خَرْطُ القَتَاد (صورة جديدة)


د. يوسف عبدالله الجوارنة
11-08-2020 10:21 AM

المَشْهورُ مِن أمثال العَرَب: "دونَ ذلك خَرْطُ القَتَاد"؛ وهو مَثَلٌ يُضْرَب في الأَمْرِ الشّاقِّ الشّديدِ دونَه مَانعٌ. أمَّا "دونَ ذلك حَيْضُ الرِّجال"، فليس بِمَشْهورٍ، ولا هو مِن أَمْثالِهم.

والخَرْطُ في اللغة: النَّزْعُ، تقول: خَرَطْتُ الشَّجرةَ خَرْطًا، إذا انْتزعْتَ الوَرَقَ منها اجْتذابًا بِكفّك. والقَتَادُ: شَجرٌ صُلْب شَوْكُه كالإِبَر، قالَ أبو زيد الأنصاريّ (ت 215هـ) في "الشَّجَر والكَلَأ": "القَتادُ: شَجَرةٌ ضَخْمَةٌ شاكَةٌ"، أي: ذاتُ شَوْك. وقال ابنُ مَنْظور (ت 711هـ): هو "شَجرٌ شاكٍ صُلْب"، أي ذو شَوْك. وعليه، فإنَّ شَوْك القَتاد، على حدّ تعبير الثّعالبيّ (ت 429هـ) في كتابه "ثِمَار القُلوب"، مَانعٌ مِن خَرْطِ وَرَقِه، لأنّه مَضْرُوبٌ بهِ المَثَل في الخُشُونة والشِّدَّة.

والظّاهرُ أنَّ المَثَلَ على هذه الصُّورة، أي: "دون ذلك خَرْطُ القَتَاد"، فيه تَعميمٌ للدّلالة؛ لأنَّ الأصلَ فيه: "دُونَ عُلَيَّانَ خَرْطُ القَتَادِ"، و"عُلَيَّانُ" كما في "مَجْمَع الأَمْثال" لأبي الفضل المَيْدانيّ (ت 518هـ)، فَحْلٌ لِكُلَيْبٍ وائلٍ بنِ ربيعةَ التَّغلبيّ؛ وكُلَيْبٌ كانَ عَقَرَ "سَرابَ" ناقةَ البَسُوسِ -وكانت البَسوسُ بنتُ مُنْقذٍ التَّميميَّةُ نازلةً جارةً لابنِ أُخْتِها جسّاسٍ بنِ مُرَّةَ الشّيبانيّ البَكْريّ- فَصَاحت: وا ذُلّاه، وحَزِنتْ، وقالت شعرًا، منه:
لَعَمْرُكَ لَوْ أَصْبَحْتُ في دَارِ مُنْقذٍ
لَمَا ضِيمَ سَعْدٌ وَهْو جارٌ لأبياتي (الأبيات)
فأثارَ ذلك جَسّاسًا المُلقَّب بِحَامي الجارِ، ومَانعِ الذِّمار، وقالَ لخالته: لَيُقتَلنَّ غدًا فَحْلٌ هو أَعْظمُ مِن ناقَتِكِ (يَقْصدُ كُليبًا نفسَه)، فبلغَ ذلك كليبًا، وظَنَّ أنَّه يَعْني فَحْلَه "عُلَيَّان"، فقال: دون عُلَيَّانَ خَرْطُ القَتَاد، فذهبَ قولُه مثلًا، وصَارَ يُضْربُ لِكُلِّ أمرٍ عظيمٍ دونَه مانِعٌ. والشَّواهدُ على ذلك كثيرةٌ جدًّا في المَصَادر ودواوينِ الشِّعْر، حتّى إنَّ النَّحْويّين استعملوه في مَباحِثِهم، قال البغداديّ (ت1093هـ) في "الخزانة": "أمَّا "حَسْبُ"، فَإِنَّهَا اسمٌ مُعْربٌ مُتصَرِّف، يقع: مُبْتَدأ، وخبرًا، وَحَالًا، ومجرورًا، ويَدْخلُ عَلَيْهَا العَوامِلُ اللفظيَّة. و"بَجَل" إِلَى خلاف هَذَا، وَإثْبَاتُ هَذِه الْأُمُور لَهَا، دونَه خَرْطُ القَتاد".

ومن شواهده، ذَكَر الثّعالبيّ أنَّه في مِحْنةِ الإمام عَليّ مع معاوية رضي الله عنهما، قام رجلٌ إلى عليّ ومَعَهُ أَخوهُ، فَقَال: "يا أَمير المُؤمنين، أَنا وأخي كمَا قَال الله تَعالى: "رَبِّ إِنِّي لا أَمْلك إلَّا نَفسِي وأخي" [المائدة: 25]، فَمُرْنا بِأَمْرك؛ فوالله لَنَنْتهينَّ إِلَيْه ولو حالَ بَيننا وبَينه شَوْكُ القَتاد". ومنها ما نَقَلَه التَّوحيديّ (ت 400هـ) في "البَصَائر والذَّخَائر"، أنَّ سؤالًا وُجِّهَ لرابعةَ العدويَّة (ت180ه)، النّاسكةِ المُفَوَّهَة، ذاتِ الشّأن الشَّهير، والأمرِ الخَطير: كيف حُبُّكِ لِرَسولِ الله -صلّى الله عليه وسلم؟- قالت: "إنِّي لَأُحبُّه، ولكنِّي شَغَلني حُبُّ الخالِقِ عن المَخْلوق". قال التّوحيديّ: "هذا الكلامُ عَويصُ التَّأويل، خَرْطُ القتادِ دونَه، ولَقْطُ الرَّمْل أَسْهلُ منه، وهي مَوْكولَة فيه إلى الله تعالى، وقد رَوَيْتُه كما رَأَيته".

والأمثلة في هذا السّياق كثيرة جدًّا، لِعُموم دِلالة المَثَل؛ وإِحْصَاؤُها دونه خَرْطُ القَتَاد. والشَّواهدُ كثيرةٌ مُفْرِطة؛ دونَ إِحْصَائِها خَرْطُ القَتَاد.

غير أنَّ الإمامَ المُفسِّرَ أبا الثّناء شهابَ الدِّين مَحْمود بن عبدالله الحُسينيّ الألوسيّ (ت 1270ه/ 1854م)، استَخدمَ هذا المثلَ بصورةٍ جديدة ذاتِ دلالةٍ أبعدَ مرَّة واحدة فقط في آية "المَحيض"، في حين استعمل "دونه خَرطُ القَتاد" في تفسيره (29) تسعًا وعشرين مرَّة، كما تبيّنتُه من إحصاءاتِ "المَكْتبة الشَّاملة"، وأكَّده لي زميلي في جامعةِ طيبةَ، المُختصّ بالإمام الألوسيّ، الدكتور نَصْر بنُ سعيد.

قال الألوسيّ وهو يَعْرِضُ -في تَفْسيره "رُوح المَعَاني"- قولَه تعالى: وَلا تَقْرَبوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ، فإِذا تَطَهَّرْنَ فأتوهُنَّ منْ حَيْثُ أمَركُمُ اللَّهُ" [البقرة: 222]، وكان جاء بكلّ الرّوايات المُتَّصلة بهذا الموضوع، وعَرَّج على أقوالِ العُلمَاءِ والأئمّةِ في الحِلّ بالانقطاع أو الاغتسال...، وفَرّق بين الفعل المجرّد (يَطْهُرن)، والفعل المزيد (تَطَهَّرْنَ)- قال: "وإِطْلاقُ التَّطْهير على تَنْقية المَحَلّ مَا لا نُنْكرُه، وإنَّما نُنْكرُ إِطْلاقَ (يَطْهُرنَ) على مَنْ طَهَّرْنَ مَواضِعَ حَيْضِهِنَّ؛ ودونَ إثباتِه حَيْضُ الرِّجَال"، أيْ أنَّ الفعلَ المجرَّد لا يُفيدُ الطَّهارةَ الكاملةَ بحالٍ. وكان الألوسيّ فَسَّرَ العبارةَ قبلًا إذْ قال في "التَّطهير": "صيغةُ المُبالغةِ يُسْتفادُ منها الطَّهارةُ الكاملةُ، والطَّهارَةُ الكاملةُ للنِّساءِ عَن المَحيضِ هو الاغتِسال"، مع أنَّ للفعل المجرَّد (طَهَرتْ/ طَهُرتْ) في اللغة معنيين: انقطاع الدّم، والاغتسال من الحَيض، قال في "القاموس المحيط": "طَهَرتْ وطَهُرتْ: انقطعَ دَمُها، واغتسلتْ من الحَيْضِ وغيرِه، كَتَطَهَّرَت".

ويؤيّدُ المعنيين الوَجهُ القِرَائيُّ الآخرُ للحرف (يَطْهُرنَ)، قال ابنُ زَنْجلة في "حُجَّة القراءات": "قرأ حمزةُ والكسائيُّ وأبو بكرٍ (عن عاصم): "ولا تَقْربوهنَّ حتّى يَطَّهَّرْنَ"، بتشديدِ الطّاءِ والهاء"، ومعناه أنَّ (يَطْهُرنَ) مخفَّفًا، إذا جاء بمعنى (يَطَّهَّرْنَ) بالتَّشديد، كانت على معنى الطُّهْر التّام، أي: الاغتسال، لأنَّ الكلامَ متَّصلٌ بعضُه ببعض، ولا تتمُّ فائدة ويُبنى حُكمٌ إلَّا باتّصاله، وبذلك يَحْصلُ تَوافقٌ بين الوَجْهينِ القرائيّينِ (يَطْهُرنَ/ يَطَّهَّرْنَ) مع القراءة المتّفقِ عليها (فإذا تَطَهَّرْنَ). وهناك تفصيلٌ في هذه المَسْألةِ في كُتبِ الفِقْهِ والتَّفْسير.

والخُلاصةُ أنَّ المُدقّق في دلالةِ المَثَلِ وعبارة الألوسيّ المَسُوقة على طِراز المَثَل نفسِه، يلحظ أنَّ دلالتَهما مَوْضوعةٌ للمبالغةِ في صُعوبة أمرٍ ما، بمعنى: هما أقلُّ من هذا الأمرِ صعوبةً، لكنَّ لعبارة الألوسيّ "دونَ إثباتِه حَيْضُ الرِّجال" دلالةً أبعد؛ فإذا كان يَشُقّ على المرء أنْ يَخْرُطَ القَتَاد -وقد يَسْتطيعه-، فإنَّه لا يُمْكنُ للرَّجلِ بحالٍ "أنْ يَحيضَ".





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :