من ابشع قصص تأثير تردي الوضع الاقتصادي الاميركي واكثرها رعبا وحزنا هي تخلي مئات وربما آلاف العائلات الاميركية في ديترويت ومدن اميركية اخرى عن دفن موتاها لعدم القدرة على تحمل المصاريف الباهضة التي تتطلبها اجراءات الدفن. وتبرز حالة الاميركي الابيض ستيفن لين البالغ من العمر ستة واربعين عاما، والمتوفي في شهر آذار عام الفين وثمانية، وماتزال جثته تنتظر مراسم الدفن معروضة في مبنى دائرة الطب الشرعي في ديترويت بجانب مئة وخمس عشرة جثة لموتى آخرين يُنتظر التعرف على هوياتهم .

بعد اكثر من ستة اشهر من البحث والتنقيب عن افراد عائلات هؤلاء الموتى لتسلم جثثهم، يتعرف "بيل" سائق الحافلة على، جثة شقيقه المتوفى في حادث سيارة قبل عامين، لكنه يعتذر بألم عن استلام الجثة قائلا انه لا يملك حتى ربع قيمة مصاريف الدفن، مؤكدا انه يقف مذهولا امام احد خيارين "اما دفن شقيقه"، او "استمرارية التزامه" بالدفعات المالية الشهرية المترتبة عليه للقرض على المنزل الذي يسكنه في ضواحي ديترويت، مضيفا بمرارة والم (لا بد من الايفاء بدفعات القرض الشهري للسكن).

ديترويت ليست المدينة الاميركية الوحيدة التي تعاني شريحة كبيرة من سكانها من الفقر والحاجة، بعد ان تعدت نسبة البطالة فيها الاربعين في المئة. فمدن لوس انجلوس في كاليفورنيا وكليفلاند في اوهايو وميامي في فلوريدا وبافلو في نيويورك هي الاخرى تواجه نفس التحديات الاقتصادية والحياتية وتكتظ دوائر الطب الشرعي فيها بجثث الموتى ممن لا يقوى اهاليهم الاقدام والتعرف عليهم خوفا من تحمل المسؤولية المالية لدفنهم.

احد الحكماء في ديترويت يعلق على هذه المأىساة الانسانية التي تعيشها شرائح اجتماعية كبيرة في هذه المدن بقوله انه الفقر الذي يزداد شراسة يوما بعد يوم. غير ان عجز المواطنين وعدم قدرتهم المالية على دفن موتاهم هو اشارة على بداية تفسخ وانهيار المجتمع. الموتى لا يعلمون ان كانوا تحت التراب او في برادات الحكومة... لكن بعض الاحياء في هذا المجتمع المعقد يدركون ان احدى الميزات القليلة التي تفصلنا نحن البشر عن الحيوانات هي ميزة دفن موتانا.

Williams@myacc.org