انعقدت قمتان خلال الايام الاربعة الاخيرة, الاولى اوروبية والثانية عربية. في الحدث الاوروبي تجمع زعماء 26 دولة في بروكسل من دون ضجيج من اجل »انقاذ اليونان من ازمتها المالية« فيما انعقدت قمة سرت من اجل »انقاذ القدس«.

من دون ضجة اعلامية وسياسية. كانت القمة الاوروبية تلتئم وتنهي عملها خلال ساعات.. لا مراسم ولا بثا مباشرا. ومن دون حزازير, هذا سيحضر وذاك سيغيب والنتيجة هي في بروكسل طرح مشاريع ومواقف ثم اتخاذ قرارات ليعود الزعماء كل الى بلده, فيما تتحول قراراتهم الى خطط وسياسات واموال والتزامات تُنَفّذ بدقة.

في سرت كان هناك عرس عربي, وهذه المرة تعبير »العرس« ليس استعارة لغوية انما بحق وحقيقة, دبكات وصقور وجمال واهازيج, وجو ليبي مرح اعطى لكل من توقع بان قمة سرت ستكون مختلفة فرصة تحقيق توقعاته, اما عن الجد, فهذه القمة اتفقت وحتى قبل انعقاد الزعماء على رصد 500 مليون دولار لانقاذ القدس, وهو ما يشبه »البقشيش« للنادل كي »يُزَبّط« الحفلة. مع الفارق بأن هذا الرقم على هُزالِه سيظل حبرا على ورق.

تراجيديا القرارات التي لا تُنَفّذ عن القمم العربية تحتاج الى تفسير لان هناك حالة من التضاد بين الفعل والقول عندما يجتمع شَمْلُ القادة. ولا أنوي هنا ان أحلل هذه الحالة فالاحداث التاريخية كفيلة بوصفها. لكني أتوقف عند مبلغ ال¯ 500 مليون التي تنوي القمة اقرارها من اجل القدس. فحتى لو رصدت بالفعل, فالسؤال هو: كيف ستصل هذه الاموال الى المدينة? مع التذكير بان اسرائيل صرفت فعليا 17 مليار دولار على عمليات الاستيطان في القدس والضفة المحتلة.

هذا القرار أنموذج للقرارات العشوائية التي تَسْهُل صياغتها لان من يضعها يعرف انها غير قابلة للتنفيذ. ولو كان القرار جدّيا لتم بحث الآليات والاهداف والسياسات التي ستغطي عملية صرف هذ المبلغ الزهيد من اجل »انقاذ« القدس المحتلة.

مثل ان تطالب القمة - امام ادعاءات سلطة الاحتلال بأن منازل الفلسطينيين التي تستولي عليها في الشيخ جراح او داخل أسوار القدس هي ملك لليهود - باستعادة (7000) منزل, اي سبعة آلاف بيت ومكان هي ملك للمقدسيين الفلسطينيين داخل القدس الغربية التي استولت عليها القوات الصهيونية عام 1948 ومنعت اصحابها الفلسطينيين من العودة اليها. وتمنعهم اليوم من شراء اي منزل في القدس الغربية.

بين الفعل والقول مساحة واسعة. وبين قرارات قمة الاتحاد الاوروبي التي تُتَّخَذ وتُنَفّذ, وبين كرنفال قرارات القمم العربية التي لا تُنَفّذ هناك فجوة مصداقية كرست حقيقة باتت تنمو في الوعي العام للأمة وهي ان القمم وقراراتها لم تعد ملجأ للشعوب العربية من الكوارث النازلة بها. لا في فلسطين ولا في العراق ولا في الصومال »التي لم يغب ممثلها عن اي قمة«. وبالنسبة لكارثة القدس الوشيكة فان مبلغ ال¯ 500 مليون دولار لانقاذها هو مثل من يشترط على الغريق ان يصل الى الشاطئ كي تُمد له الأيدي لانقاذه.0

taher.odwan@alarabalyawm.net
العرب اليوم.