احد جذور الفساد الاداري والمالي في البلاد يعود الى مقولة سمعتها منذ اكثر من ثلاثة عقود, في معرض "رد رسمي" على احتجاج عدد من الموظفين ضد مديرهم في مؤسسة اعلامية, وهي: (لن نصغي لمطالبهم, لانه; اذا كل ما احتج عدد من الموظفين على تصرفات المدير, نلبي مطالبهم, ذلك سيخلق فوضى, لذلك الدولة مع المدير وليس مع موظفيه حتى لو كان على خطأ وهم على حق)! .

هذا "المنطق" متداول في الاوساط الرسمية في مواجهة مطالب المجتمع خاصة عندما يتعلق الامر بتحصيل حق, او اصلاح خطأ اجتماعي واقتصادي ما, حتى انه تحول الى ما يشبه "العُرْف", وقد سمعت من يردده, ايام اضراب المعلمين, الذين يطالبون بنقابة. فكل ما يصدر عن الناس بصورة مطالب, باساليب الاحتجاج "القانونية" المختلفة لا يتم الاصغاء اليه.

وحتى عندما طالب قسم كبير من الرأي العام عبر وسائل الاعلام والصحافة باستقالة بعض الوزراء على خلفية اخطائهم كنا نسمع بان الحكومة "لن تنصاع", وهي ستنتظر التعديل الوزاري بعد مرور الوقت, وبعد ان تبرد القضية, فاذا ما خرج الوزير عندئذ لن يُفْهَم بانه تنفيذ لرغبة الرأي العام!! .

والحق يقال, ان الاردن شهد منذ عام ,1989 مناسبات عديدة اجبرت فيها حكومتان على الاستقالة, وأخْرِج بعض الوزراء باعلان استقالاتهم, وذلك على خلفية احتجاجات شعبية وحملات اعلامية وصحافية لكن جميع هذه المناسبات حدثت بتدخل مباشر من الملك الذي يبدو انه الاكثر استشعارا باهمية اخذ اراء الشعب بالحسبان, وفي تلبية مطالب الرأي العام عندما يتطلب الموقف تحديد المسؤولية عن الاخطاء, ومحاسبة المخطىء حتى لو كان رئيسا للحكومة او وزيرا عاملا.

لا يضير هذه الحكومة, ولا ينتقص من هيبتها, ان هي تقدمت بخطوة حاسمة باتجاه انشاء نقابة للمعلمين, فالمعلمون ليسوا فئة على الهامش انما هم في طليعة النخب الاردنية, وهم يتصدرون مسؤولية مهمة, حمّلهم اياها رأس الدولة, الذي يعتبرها الهدف الاهم في الحاضر والمستقبل, وهي "التعليم". وكان الملك قد كررها اكثر من مرّة في آخر لقاءاته الاعلامية.

في بيانهم امس الاول طالب المعلمون الحكومة "بتعديل التشريعات والقوانين بحيث يتم السماح بانشاء النقابة". وهذا مطلب ديمقراطي حق, واذا لم يكن من السهل تمريره بنجاح قبل "15" عاما بناءً على فتاوى قانونية بعدم دستورية اقامة نقابة للمعلمين, فانه لم يعد مقبولا اليوم التمسك بهذه الفتاوى لانها تضر بمصالح فئة اردنية واسعة هي المعلمين, كما انها لا تتوافق مع منطق النظام نفسه, الذي يعلن في كل مناسبة توجهاته نحو الاصلاح والديمقراطية السياسية والاجتماعية. ان اول اختبار لهذه التوجهات هو حسم مسألة النقابة لـ اكثر من 100 الف معلم, وهو "حق" لهم, ان لم يكن الدستور ضامنا له, فان العلّة تكمن في الدستور.

في التقرير الجديد "حول اوضاع حقوق الانسان في الاردن" الصادر عن المركز الوطني لحقوق الانسان. تؤكد المادة 136 منه "ان عدم وجود نقابة للمعلمين يعتبر انتهاكا للحق في التنظيم النقابي الذي كفله العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذلك الدستور الاردني".

واضيف; ان استمرار رفض الحكومة انشاء نقابة للمعلمين هو انتهاك آخر وتجاهل متعمد لارادة قطاع مهني واسع من الشعب الاردني. وستكسب الحكومة بانشاء النقابة, الا اذا كانت لا تزال تعتقد بان "الشعبية" غير مهمة, الى درجة ان مطالب الشعب لا قيمة لها. واخيرا, اذا لم تستجب الحكومة لرأي مواطنيها فلماذا تقول انها تمثلهم?0

taher.odwan@alarabalyawm.net

العرب اليوم