facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عن الزئبق والزئبقيين


رمزي الغزوي
28-05-2010 04:11 AM

يتماوت الثعلب ، بكل سكون الموت وهدوئه وخنوسه وجموده ، إن أراد الإيقاع بفريسة غافلة ، فينبطح على ظهره رافعاً قوائمه الأربع عالياً ، ونافخاً بطنه ، فاغراً فمه كمغارة مهجورة: فإذا اقتربت الضحية من جثته الهامدة ، انقض عليها كالسيل العرمرم ، وتلذذ بها. فهل هنالك ما هو أكثر روغاناً من هذا الثعلب المدفوع بواجب الجوع؟.

في الفيزياء ، يوجد السيد زئبق ، وهو من أكثر عناصر الطبيعة كثافة: فكل سنتمتر مكعب واحد منه يزن (13,6) غرام. ومع هذا الثقل الكثيف ، إلا أنه أكثر روغاناً من ثعلب قلَبَه الجوعُ على ظهره ، منتظراً ضحية غبية تمر في طريق كمينه المنصوب. فهذا العنصر ، أي: الزئبق ، لا يلتصق بشيء ، ولا تقدر أن تقبض عليه بأصابع يديك. ومهما حاولت وراوغت ، فهو يتجمع على شكل كرات عصية على القبض ، وهو حساس للحرارة ، يستشعر بها أيما استشعار ولهذا يستخدم في الموازين الطبية.

ولكن ، لماذا تخوضون الغابة بحثاً عن ثعلب ماكر مشرع قوائمه للريح؟ أو لماذا توغلون في ثقل الفيزياء كي تدرسوا عنصر الزئبق المخاتل؟ وكلنا نعرف أولئك الصيادين المنتهزين الذي يمسكون العصا من وسطها ، والذين يتفلتون بيننا تَفَلُّتَ الزئبق المبثوث على سطح أملس.

للعصا مآرب كثيرة غزيرة ، مثل الهش على الغنم (أي: ضرب الشجرة كي يتساقط ورقها للغنم) ، أو للتعكز والاتكاء عليها ، أو للقتال الخفيف ، أو للأفعى والوحوش ، وإخافة والكلاب ، ولإرهاب الزوجات ، وتأديب الصبيان ، (هل هنالك مآرب أخرى؟).

وفي العادة ، لا تمسك العصا من وسطها: لأن مسكها بهذه الطريقة يجعلها عديمة الفائدة ، ولا تؤدي غرضها أبداً ، اللهم في تأديب الصبيان. لكن الكثير من المثقفين ، أو بالأحرى (المتثاقفين) ، في هذا الزمن ، يدفعون أعمارهم من أجل تعلم مسك العصا من وسطها ، ولهم في ذلك مآرب جمة وطرق شتى.

يحدث في هذا الزمن المقلوب ، أحياناً ، أن تغدو القيعان قمماً شاهقة في ليلة وضحاها ، أو أن تصبح القمم سهولاً جرداء ، في رمشة عين أو أدنى. ويحدث ، أيضاً ، من باب الزراعة الصناعية المسممة المهرمنة ، أن تنتج شجرة الخبيث ثماراً أمقت خبثاً من أولئك الذين سيتخذون الثعلب رمزهم العالي ، والزئبق شعارهم المثالي ، والعصا الممسوكة في الوسط صولجانهم الغالي.

المثقف المراوغ ، الذي يجيد استخدام العصا ، يؤمن أن لكل شيء ما له وعليه ما عليه: فيستطيع بغمضة عين أن ينقلب (180) درجة - إن اقتضت مصلحته ذلك - وهو لا يتسرع في حكمه على الأشياء ، بل يتمهل حتى يرى أين الكفة الراجحة ، فيصب فيها. وهو دائم البحث عن مشاجب عالية ليعلق عليها فشله ، أو فشل الموالين له ، والذي تبنى نظريتهم ، ودافع عنهم ، وبيَّض صفحتهم ، وجمَّل صنيعهم. وهذا المثقف الخطير ، دائم المراهنة على وجود البديل ، ويرى أن الزمن لم ينته بعد: فًلمَ اليأس؟.

إذا حاول المثقف الزئبق أن يهذب من ضميره الشائك قليلاً ، فإنه يصبح مثقفاً خياطاً ، يجيد السير في الركب ، ويضع رأسه بين الرؤوس ويقول: "يا قطاع الرؤوس" ، ويمنح ولاءه لمن يقبض على زمام الأمور ، وهو يتقن حياكة الثياب للنظم والتشريعات ، كي تأتي على المقاس ، وقد يصغر ويكبر ، و(يقيف) كلما أقتضت الضرورة.

من الثعلب ، لربما نحصل على فراء جميل ، ومن الزئبق نصنع ميزان حرارة حساساً جساساً ، ينبئنا عن درجة حرارتنا وغيظنا ، ونحن نقلب بالمتثاقف: صاحب العصا من الوسط ، الذي سيبقى أبد الدهر ، منبطحاً على ظهره ، مفضوحاً للناس. فتباً لعصاه الممسوكة من وسطها النحيل ، والتي لا تخيف قطرة زئبق،.

(الدستور)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :