بعيداً عن شمس الوعود المخنوقة بنية عدم الإيفاء ، يباغتنا شهر حزيران بحرًّه وحرارته ولهيبه: كي يطبخ لنا المشمش (حزيران طبّاخ المشمش) ، كما يقول المثل الشعبي الرائج. ورغم طيب هذه الفاكهة الذهبية الرائعة ، ورغم رونقها ونكهتها ، ورغم حقائق حزيران الفاضحة كشمسه البارقة التي تحرق عين العصفور ، إلا أننا ما زلنا نقول لكل المشاريع المؤجلة ، والتي لا ننوي إتمامها ، ولكل الوعود التي ننوي خنقها في مهدها ، عن سبق إصرار وتلكؤ ، نقول: في المشمش،.

حتى الشاعر المحمص على نار الشوق ، والمتقلب على جمر الغضى ، الذي لوعته وماطلته حبيبته (هند) ، حسب القصيدة الشهيرة ، وهو يتوسلها ميعاداً يجمعهما ، كانت تكتفي وتقول بغنج وعيون يسبلها النعاس: بعد غد،،. وإذا كان هذا الغدُ لا يأتي ، ولا تطلع له شمس ولا تضحك فيه نجمة صبح ، في عرف المراوغين والمماطلين ، فكيف سيأتي (بعد غد). الله يكون بعون كل العاشقين؟؟،.

وربما تسلل وعد (في المشمش) إلى ثقافتنا الشعبية ، عبر قصة جحا الذي كان يلتهم عنقود العنب غصلة غصلة ، وحين عاتبته خطيبته: العنب حبة حبة ، يا حبة عيني،، ، فقال له: بل ذلك في المشمش،، ، أي أن طريقة الأكل حبة حبة ، لا تصلح مع العنب ، بل مع المشمش ، الذي قد تصلح معه طريقة: دو دو ، أي حبتين حبيتين. وأهلاً بالمشمش بكل طرائق أكله،،.

ولكنني أرى أن هذا الوعد المطعم بعدم الإيفاء ، تسلل إلى ثقافتنا ، لأن المشمش يأتي مباغتنا ومفاجئاً وسريعاً ، تبعاً لحر حزيران الذي لا يمهله ، بل ينضجه بلمحة عين ، على أمه الشجرة ، وكل الذين كان يقطعون وعودهم بأنها ستكون في المشمش ، ربما كان في بالهم ، أن لا أحد سيلتفت لموعد حين يهل المشمش اللذيذ ، فهو سيكون منشغلا بهذه الهبة الربانية سريعة النفاذ،.

العشاق الملتاعون تمتعهم هذه الوعود، ، حتى وهم يعرفون أنها (في المشمش) ، أما المتعبون من الناس المنتظرين على قارعة الصبر ، فتلهيهم كل المشاريع ، حتى لو قيل لهم ، إنها في المشمش. أما أنا أقول: العمر ليس إلا جمعة مشمشية. فهل نقنص هذا العمر الهارب هروب المشمش ، ونحياه بصدق. وسلامتكم،،،،.

ramzi279@hotmail.com

(الدستور)