توضأ صبحاً بعطر شمس أم الفحم وافترش سجادة الصلاة . أولها في أم الفحم وبعضها في القدس. مرّ على الكرمل في الطريق وقبَل داليتها ، ويمم وجهه صوب الخليل ، ليقطف من عنبها الأسود زوادة للطريق. تيمم في عين الماء بعد أن جفف الصهاينة ماء نبعها. فتراب فلسطين من عكا إلى حطين مجبول بدم الشهداء، والتيمم به جائز بحسابات المؤمنين البسطاء. عمل بوصية أمه: أن صلي حيثما كنت يا بني في وطن مزروع بالشهداء. وتذكر ما قاله أبوه: هذا مكان على من يمر به أن يبطأ الخطو، فتحت كل خطوة قدم عظم شهيد. منهم من تبوأ مقعده مع النبيين والصديقين ومنهم من يشهد على العصر.
هذه حقائق غابت عن بال من اجتمعوا في بال. واختاروا فلسطين وطناً قومياً لهم . لهم في رقبتنا ثار بعد أن طردوا من جزيرة العرب. هكذا يظنون ولا يعرفون أن بعض الظن إثم. ما دار بخلد زعماء الصهاينة الذين قسموا الوطن إلى شطرين عام 1948، بأن الأقلية العربية التي بقيت ستكون مسمارأً في نعشهم، لا تهوّد ولا تنصرّ لأن اللقطاء لا يمكن أن يكونوا آباء. فاجأتم الأرض ، فأنبتت شعراء بعدد الشهداء.
هو الشيخ رائد صلاح، مسح جبينه بالرحمن وأشغل نفسه بالوطن . نأى بنفسة عن من جعلوا فتاوى الحيض والنفاس ديدنهم. وانشغلوا بالمسيار وكل ما يجلب للأمة العار والدمار. لم يخضع لموازين القوى المائلة منذ بداية القرن لصالح المحتلين . آمن بأن دولة الباطل ساعة وأن دولة الحق يقين. لم يكتف بحراسة الأفصى من الداخل. اختار الأقصى من الأرض ليعود للأقصى. أنهك دولة وهو يقاتلها صبح مساء. لا يفاوض، لا يحاور، لا يناور، لا يستنكر ، لا يشجب بل يقاوم. سجنوه وعذبوه ووضعوه تحت الإقامة الجبرية ولكنهم ما جعلوه يحيد عن طريقه الذي اختاره قيد أنملة. طريق العبادة أو الشهادة. إن سئموا وجوده في البر عاد لهم راكباً البحر. وإن نجحوا في اختطافه من البحر أعادوه مرغمين للبر. فليختاروا وإن احتاروا . فقد دلهم محمود درويش على الطريق وذكّرهم بأنهم ماروون بين الكلمات العابرة . لقد أخذوا أكثر من حصتهم من دمنا ، وجاء دورنا لنسترد بعضاً من دمنا. وإن غداً لناظره قريب.