facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عيد الموسيقى


رمزي الغزوي
18-06-2010 03:58 AM

بعيداً عن إيقاعات ، وصخب ، وهوس ، كأس العالم لكرة القدم في جنوب أفريقيا ، وبعيداً عن دربكات الكرات والأقدام وشعارات التشجيع ورقصاته وعنفه ، في بعض الأوقات.. بعيداً عن هذا كله ، نحن ـ بني البشر ـ تُفرقنا اللغات واللهجات والجهات والغايات ، والأهواء والأمنيات ، لكن لغة واحدة وحيدة شفيفة لطيفة خفيفة ستبقى قادرة على جعلنا كياناً واحداً متماسكاً: هي الموسيقى: هذه اللغة التي تسري فينا مسرى الدم ، ومن دون أن نشعر أحياناً.

لربما ارتبطت الموسيقى بالإنسان الأول بحبل متين: فقد كان يصطاد صيده بالموسيقى: كان يستدرجها لشباكه أو كمائنه ، وجاء في بعض الأساطير البدائية ، أنه عندما خلق آدم من طين ، أراد خالقه أن يبث فيه الروح: لتحركه وتسري فيه ، لكن هذه الروح رفضت الدخول: لأنها سماوية وآدم من تراب ، فأمر الخالق أحد الملائكة بالنفاذ إلى هذا الطين المستكين ، وحين دخل في آدم كان يشدو بأغنية من مقام ذي شجن.. مقام عذّال ، وهو مقام لطيف ، فافتتنت الروح به ، ودخلت الجسد. وحين شاعت الحياة في أعطاف آدم وأطرافه ، وخرج الملك ، بعدما سكت عن الإنشاد ، اندفعت الروح تريد الهروب ، فبادرها آدم ، وأخذ يدندن ويشدو للروح مرة أخرى ، فقررت البقاء في هذا الجسد الترابي.

ومع أنني لا أحب أن نجعل يوماً للأشياء الجملية الأثيرة ، لنحتفي بها ونتذكرها ، كعيد الأم ، ويوم الشعر ، وعيد الحب: فمقتل الجمال وآفته أن تجعل هذه الأشياء على قيد التذكر والنسيان ، لكني يعجبني أن أكون مع الفرنسيين الذين اتخذوا يوماً من أواخر شهر حزيران عيداً ويوماً للموسيقى. فبعد أن تسيَّد البارود وانفجاراته أسماع العالم وأقواله ، أنا مع من يعيد للموسيقى هيبتها وألقها وسحرها ، ونشوتها لهذه الكرة الأرضية المتعبة ، التي باتت تتراكلها أقدام الضجيج ، لعل هذا العالم يستريح من همومه وأوجاعه قليلاً ، ويتخلص من أدرانه وأحزانه ، ويُقبل على الحياة بمرح وفرح.

ومن الطريف أن كلمة موسيقى لها في الأساطير والمعتقدات ما يفسّر تكوينها ووجودها بصوت الماء: فبعد أن التقى موسى ربه في صحراء سيناء ، قال له جبريل: اضرب بعصاك الحجر. فانفلق منه اثنا عشر ينبوعاً ، وصدر عن كل ينبوع منها صوت موسيقي يختلف عن الآخر ، وكانت هذه الأصوات في مجملها هي المقامات الكلاسيكية ، وأمر جبريل آنذاك أن يشرب بنو إسرائيل بالجملة الآمرة التالية: موسى اسقً، ومن هذه الجملة جاءت كلمة موسيقى.

وبخاطري أن أشكر كل من يفكر في روح هذا العالم وشفافيته ، وأشكر كل من يحاول إخراجنا وتخليصنا من اندغامنا وانغماسنا بالماديات والترهات ، فبالموسيقى ربما نرتفع عن تراب الأرض ، ونسمو طيوراً روحانية ، لنلج رحم الغيمات ، ونتزاوج مع أجنة المطر والرعد. فالضجيج والنشاز صارا يملآن كرة الأرض ، ويتخمانها حتى ترقوتها ، فسلام على أوتارنا التي ما تزال قادرة على توليد الأنغام الصادقة.. وسط هذه المعامع،

(الدستور)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :