اعلم أن كان من حسن الطالع أم سوءه عندما قادني الريموت كونترول إلى مشاهدة قناتي العزيزة إلى قلبي فضائية الأردنية , والتي اعتز وافتخر بها كونها نافذة تطل على وطننا الحبيب بمدنه وقراه وباديته ورمال صحراءه , ولكن كان لحظي العاثر أن يترافق توقيت مشاهدتي مع موعد بث برنامج يحمل عنوان لا يمت لمضمونه بصله برنامج " دليل المستهلك " والذي كان في فترة زمنية سابقة يحمل مسميات أخرى , كما كان يحمل رسالة ساخنة شكلا ومضمونا , إلى المسؤول تهدف إلى اتخاذ إجراءات رادعة بحق كل من هو مخالف للقانون والمنطق في نفس الوقت, بحيث يقوم بعرض مسآئل حساسة تهم المواطن وعائلته بطريقة منطقية وواقعية, لكن وبكل أسف ما حدث في الحلقة التي شاهدت والحلقات القليلة السابقة لها , عبارة عن مسرحية سوداوية , حملت قلما من السخام الأسود لتشوه , وبدم بارد , مرآة هذا الوطن الصافية , من خلال عرض كل ما هو فاسد ورديء, وفي قطاع هو الأهم في حياة كل البشر, ألا وهو قطاع المؤسسات الغذائية التي لا يمر يوم واحد على إنسان إلا ويرتادها , وقد أصبت بصدمة قوية , من المستوى الدنيء, الذي وصلت إليه عين كاميرا البرنامج ,فأصبحت لا ترى سوى كميات كبيرة من الأغذية الفاسدة, ذات المناظر المنفرة لكل من يشاهدها , وهي أشبه ما تكون بأكوام من النفايات, ولا يمكن للعقل أن يتصور أن هذه المناظر موجودة فعلا , داخل مؤسساتنا الغذائية , وتقوم بالبيع المباشر للمواطن , والتي ظهرت بأنها من الكثرة ما يجعلها المحتلة الرئيسية للأسواق .

أعلم أننا لم نصل بعد الى المثالية , كما لا أنكر وجود مثل هذه المخالفات, ولكن لا يعقل ,أن لا يصور البرنامج منذ بدايته وحتى النهاية سوى هذه المناظر المقززة , وكأن الرسالة تقول ,لآ يوجد لدينا ما هو نظيف وصحي ومرتب وآمن من الأغذية لنصورها .

نحن مع الر قابة ,ونشد على يد كل من ينادي بضرورة معاقبة المخالفين خاصة ,عندما يتعلق الأمر بقوت المواطن وسلامته هو وأطفاله , ولكن في نفس الوقت لا يمكن أننجلس بين صفوف المشاهدين , نرقب بسلبية ,من نسي انتمائه ووطنيته و أمسك بسكين الحقد والتنكر, محاولا تمزيق وجه الوطن اللامع , فالطبيب الناجح يستخدم مبضعه لأجتثاث الورم الخبيث, ولكن دون المساس بالعضو السليم الذي نحب .

في وسط حالة من التفاجئ أشبه بالصدمة, من بشاعة المناظر التي شاهدت خطر ببالي تساؤلا اعتبره مشروعا في هكذا مواقف, كيف أصبح وجود الأشخاص أصحاب العلاقة أمام الكاميرا مباشرة, وهم في حالة من الارتباك والشعور بالذنب , لا يملكون من الدفاع عن أنفسهم سوى إخفاء وجوهم عن الكاميرا , ولا يقوم أي منهم بالاعتراض على أسلوب قريب إلى التشهير منه الى ايصال رسالة وهدف , كيف أصبح وجودهم عادي ...؟؟و ماذا سيكون موقفهم أمام معارفهم وأقربائهم وزبائنهم وحتى زوجاتهم وأبنائهم عند مشاهدتهم على الشاشة بهذه الصورة ...؟؟؟ .

في النهاية أقول أننا نعتز بالتلفزيون الأردني وبكوادره الفذة, وكلنا أمل أن يكون هناك عدل ومصداقية في كل ما يقدم على هذه الشاشة العزيزة خاصة, ونحن في موسم نحتضن فيه ضيوفنا وأحبائنا, من كل أرجاء الوطن العربي الكبيرومن خارجه , آملين أن يكون ثقتهم فيما يأكلون ويشربون, اكبر من مجرد برنامج على شاشة , واود أن أخاطب كل ذي ضمير حي أن يضع مخافة الله نصب عينه, عندما يتعلق الأمر بسلامة المواطن , داعية القائمين على البرنامج أن يعيدوا النظر بطريقة عرض القضايا وإبداء المزيد من الواقعية والمنطق في العرض .

د. ردينه بطارسه