facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




صخرة سيزيف المعاصر


رمزي الغزوي
06-08-2010 06:03 AM

من الراجح أن مبتكر التعريف الشائع اللامع للصحة ، من أنها تاج على رؤوس الأصحاء ، لا يراه إلا المرضى ، هو واحد من المرضى المتخمين بالأوجاع والآلام ، فالأصحاء في العادة ، لا يشعرون بأهمية العافية إلا إذا دهمهم المرض والسقم ، عندها يتفقدون تاجاً كان يتربع على الرأس متلألئاً،.

وما ينسحب على الصحة لربما ينسحب على السعادة ومعانيها ، فكثر من التعساء أنهكوا أنفسهم ، من أجل وضع تعريف متكامل لها ، وتفلسفوا ولفوا وداروا ، حتى توافرت لدينا عشرات بل مئات التعريفات المدرسية الشائعة ، والتي لا يأبه بها إلا الذين يغرقون في لجج التعاسة والشقاء ، فالسعيد هو ذلك الشخص الذين لا يجد وقتاً ليسأل نفسه ، هل هو سعيد أم لا ، على حد رأى برنارد شو،،.

ففي القاموس الفلسفي للالاند ، يرى أن السعادة هي حالة من الرضا تملأ الشعور ، وهي رضا لجميع ميولنا ، أما المعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربية ، فيعرفها بأنها تلك الحالة ، التي تنشأ من إشباع الرغبات الإنسانية كماً وكيفاً ، وقد تنمو وتتطور إلى مستوى الرضا الروحي ، ونعيم التأمل والنظر ، وهناك المزيد من هذه المقاربات الكلاسيكية لها أيضاً،،.

سيزيف في أساطير اليونان استطاع أن يتغلب على الموت ، بعد أن صارعه وقضى عليه ، مما أثار حفيظة الآلهة ، التي توعدته بانتقام يليق بصنيعه المشين ، واعتدائه على قانون الطبيعة: فحكمت عليه ، بعد أن أصبح خالداً ، حكمت عليه أن يظل يدحرج صخرة كبيرة ، إلى قمة جبل شاهق،.

المشكلة أن سيزيف كان يرهق نفسه وتخور قواه ، حتى يدحرج الصخرة الثقيلة إلى القمة ، لكنه ولسوء حظه تنفلت منه ، قبيل بلوغها بشبر أو أقل ، تعود ساقطة إلى بطن الوادي ، ليعيد الكرة تلو الكرة ، وهكذا إلى نهاية الزمان ، جزاء وفًاقاً على ما اقترفت يداه ، فأي بؤس هذا الذي جناه على نفسه سيزيف؟.

السعادة قمة ، وقمة شاهقة جداً ، ولم يصدف أن أحدا من البشر قد بلغها وتربع عليها ، فهذا يعني نهاية الحياة ، لكننا كلنا نرنو إليها ، ونتسلقها ، فمنا من ينقلب على ظهره ، قبل خطوته الأولى ، ليرتع في ضحضاح تعاسته شقياً ، ومنا من يتسلقها إلى أعلى قليلاً ، لكنه ما أن يشعر ويلتذ بما اكتسبت يداه ، حتى يرى سعادته في شيء آخر ، فيبدأ بدحرجته ، وهكذا ، دون أن يبلغ القمة،،.

متسلقو الجبال ، الذين قد يدفعون أعمارهم ثمناً لمغامراتهم ، حتى يحققوا هدفهم ، وهم ما إن يصلوا أعلى قمم العالم المغطاة بالجليد والزمهرير والعواصف ، فما يلبثوا أن يدقوا علم بلادهم ، ثم ينزلقون متدحرجين ، إلى أسفل القاعدة ، بعد أن نالوا متعة التسلق ، حالمين بجولة أخرى،.

وربما لحسن حظ البشر ، فسعادتهم في سعيهم لتحقيق أهدافهم ، لا بلوغها ثم الجلوس عليها ، فالقمة ليست هدفاً ، وما من قمة مريحة وجميلة ، وإنما الطريق إلى بلوغها والوصول إليها ، هو أجمل لذة يجنيها الإنسان ، وسلوا أهل القمم ، هل القمة مكان يليق بالعيش؟، ، أننا فقط نكون على قيد السعادة ، عندما ندحرج صخرة أيامنا: فتسقط منا ، ثم نعيد الكرة مرة إثر مرة ، فنصير سعداء،،.

ramzi279@hotmail.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :