facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التسول .. هل أصبح ثقافة وطنية ؟!


فايز الفايز
01-07-2007 03:00 AM

كنت جالسا على مقعدي ، راميا بيدي على طاولتي ، أصابعي تحاول لملمة أجزاء رأسي المتناثر إحساسا ، بين فكرة وأخرى ، بين إضاءة وإعتام ، بين يأس وتفاؤل .. حتى فاجأني صديق قديم جديد ، جاء مهرول القلب نحو الوطن الأجمل .. ظاناً ان الحكومة تبني سرادق في ساحات المطار ، أو على طريقه باتجاه عاصمة الحب الليلكي ، ترحيبا بأبناءها المغتربين ، وبالعائدين من طاقات وخبرات وعلماء واساتذة البلد ، ممن إضطروا ولم يجبروا على الإغتراب عملا ، خارج بيوتهم ، تاركين أطفالهم وزوجاتهم وأهلهم ، ليتحمصوا على نار الغربة والبعد ، والتعب ، كي يؤمنوا لقمة الخبز ، لتلك الأفواه الفاغرة ، ولتلك القلوب الموجوعة .ظن صديقي ان " الجماعة " تهتم لأمرهم ، وتقيم وليمة بمناسبة عودتهم سالمين غانمين محملين بالشوق وهدايا العواطف لتراب وطنهم الذي تلوث بالإسمنت الأسود . خاصة إنهم استثمارنا الوطني خارج البلاد ، وتحويلاتهم المالية تصل الى ملايين الدنانير سنويا .

المهم .. قبلت الصديق الذي يعرفني ويعرف بلدي أكثر مني .. وبعد سين وجيم ، ومجاملات لا تؤدي الى معنى ، وشكوى الحياة التي لا تحل إلا بطمرها تحت التراب .. سألته كيف شفت هالبلد ؟ .. فاسترسل بالحديث قائلا :
عندما هبطت الطائرة في المطار ، شعرت بذات الإحساس الجميل ، ولأنني أتوق الى الوصول الى أهلي ، أسرعت الخطى نحو بوابة الخروج ، فتلقفني شاب يدفع أمامه عربة لتحميل الحقائب ، حيث شعرت إنني شخص مميز ، خاصة عندما علمت إن هذه الخدمة شبه مجانية ، وفي الطريق نحو الخروج بدأت الأسئلة من الشاب ، لتصب الفكرة النهائية ، انه عازب وعاطل عن العمل ولم يجد غير هذا العمل ليقوم به ، وهو بالكاد يكفي مصاريف تنقلاته ، مما دفعني الى إجزال العطاء له ، لأنه أول شخص من وطني يتحدث معي وهو يخدمني ، ولا أخفيك ـ والحديث في مجمله لصديقي ـ إنني شعرت بالغبن ، لأنني دفعت مالا طائلا مقابل خدمة لا تساوي جهدا كبيرا ، ولكن قلت في نفسي " يلله كلها عشرين دينار " .

أوصلني الشاب الى البوابة الخارجية ورمى حقائبي على الرصيف ، فتلقفني سائق تكسي ، وبدأنا رحلة عمان ، التي بدأها بدعاء يارب ، ليستمرفي شكوى وتذمر من الوضع المعيشي لأسرته ، ولباقي الأسر المشابهة له ، حتى كدت أفقد شهية الوصول الى مدينتي ، وعندما وصلنا الى الدوار السابع ، سألني .. وين بدك تروح بالضبط .. قلت له وجهتي ، فقال .. آه طيب ، لأنه الأجرة تختلف على هيك .. ولن أشرح أكثر ، فقد وصلت الى البيت ، ودفعت ضعفي الأجرة المعروفة تحت طائلة إرتجاف الدموع في عيني السائق .
.. وفي البيت ، تلقفتني الزوجة والأولاد .. بالأحضان والزغاريد والقبل ، وبعد سويعة ، بدأت الزوجة بفتح حقائبي ، لتسأل .. شو ؟ جبت لأمي اللي حكيتلك عنه .. و .. و .. و .

نمت كما لم أنم من قبل ، تلك الليلة ، وفي الصباح وجدت جاري " أبو معروف " على باب البيت ، مرحبا ، مصهللا ، بكلمات الترحيب والتفخيم ، متشبثا بحق الجيرة ، سببا في دعوتي الى وليمة ، وسرعان ما تهللت أساريره لرفضي القاطع ، بسبب ضيق وقت إجازتي ، ثلاثة أيام ، ضاع أولها في الطريق ، وكما يعلم الجميع ، فأن إخواننا الخليجيين يتعاملون معنا وكأننا عبيد ، والإجازة أعطيت لي بعد تذلل ، مع إنني أحمل شهادة الدكتوراه ، والأستذه قبلها في علم الأخلاق وفن التعامل والأمانة ، ومديري ، لا يستطيع ان يقرأ جملة في صحيفة دون ان يخطىء فيها .!

فرد الجار الطيب الجواب ، بطيب ماشي .. بس المرة الجايه ، مارح تفلت مني .. فوعدته خيرا ، وسألته عن الأحوال ، فسرد لي قصص وهموم تنوء عن حملها الجبال ، وقبل ان ينتهي علمت مدى حاجته المادية ، حيث أنهى الحوار بطلب خجول ، بعض من مئات من الدنانير ـ قرضة الله حسنة ـ ليكسب مني نصف ما طلب خجلا!
وحتى أكسب الوقت ، قبل زيارات الأرحام ، توجهت بالتاكسي الى دائرة لأنهي المعاملة التي جئت من أجلها ، فكان نصيبي مع السائق ليس بأفضل من نصيبي البارحة على طريق المطار ، وحين دخلت الى الدائرة قال لي الموظف بقرف ، وين الإستدعاء .. أجبته : أي استدعاء ، أليس المفروض ان يكون هناك نموذج خاص من قبل دائرتكم .. فأجابني وهو يشيح بوجهه عني نصف إشاحة ،.. روح فيه كاتب استدعاءات بره ، هو يقولك شو بتعمل .

عدت الى الخارج لاهثا ، باحثا عن الكاتب ، فوجدته ، جالسا مقرفصا وراء طاولة حديدية قديمة صدئة ، مليئة بالأوراق البيضاء ونسخ من ورق الكاربون ، وأذا به هو من تشبث بي صوته مناديا علي قبل الدخول ، وكأنه يعرفني منذ زمن ، غير انني لم أحفل به قبلا ، فعدت له مجبرا ، فحرر لي معلومات الأسم في استدعاء مطبوع الصيغة سلفا ، خلال دقيقتين ، وبالطبع سألته .. كم تؤمرني .. أجاب مجاملا بكذب .. خليها علينا مش مستاهلة .. قلت له .. لا عمي تسلم والله .. كم ؟ ، فأجاب مرة أخرى : أللي تجيبه ، فأعطيته خمس دنانير ، قطعة واحدة ، فأعاد لي نصفها ، فقلت مستغربا .. مش كثير؟ .. وليتني لم أقلها ، سرد لي نصف مأساة شعب مالاوي .

عدت الى الموظف واعطيته الاستدعاء ، فسألني .. أين الطوابع ؟ وأردف .. حط طوابع بدينار ، سألته من وين .. فقال مع المراسل ، بتلاقيه في الممرات .. ذهبت باحثا عن المراسل ، فوجدته ، فباعني الطوابع قيمتها دينار ، بدينارين وسط حيرتي .. ثم تلاشت الحيرة ، بعد ترسيم المعاملة ، برسم معلن ، وعند الصندوق قبضت وصلا بالمبلغ ، لأجد فيه بنودا ليس لها محل من الصرف ، رسوم أساسية + ضريبة + رسم تقدير + ضريبة إضافية + رسم جامعات + رسوم أمانة + ضريبة على المجموع ، ثم دخلت الى المدير العام حاملا المعاملة للتوقيع ، فوقعها مبتسما دون ان ينظر في حيثياتها ، وخرجت شاكرا ، ثم في الطريق نحو المكتب الأخير تصفحت المعاملة فلم أجد الإستدعاء أبو الطوابع ، وفجأة نسيت الموضوع ، تلبية لطلب مراجع خصني بطلب قلم ليكتب به استدعاء هربا من ثمنه .

أخذت معاملتي ، وقفلت عائدا الى المنزل لأشارك قبيلتي الصغيرة طعام الغداء .. وفي الطريق الى الشارع العام استوقفتني إمرأة تخفي وجهها تحت خمار وصوتها متحشرج ، قائلة .. لو سمحت يا أخوي :
فوقفت لها وقفة الهزبر .. نعم يا أختي تفضلي ، أي خدمة .. قالت .. يعلم الله بحالي ، جئت الى صندوق المعونة الوطني ، ليعطوني 30 دينار مخصصات أسرتي الشهرية ، ولكنهم أخبروني بعدم إمكانية ذلك ، وأطفالي ينتظرون وجبة الغداء التي وعدتهم بها ، وليس في جيبي أجرة الطريق ، وأولاد الحرام ماخلو للولاد الحلال فرصة .. وتحت إنهدام قلعة الصمود والتصدي في وجه العزةّ والكبرياء ، مددت يدي الى جيبي ، ولم تكن معي " فكة " فحصلت على عشرين دينار غسلتها بالدعوات المستورة .

وما أن توقفت التاكسي عند إشارة حدائق الملك عبدالله وادي صقرة ، حتى هجم علينا مجموعة
أطفال لا يتجاوزون العاشرة ، يحملون علكة ويسألونني الشراء بإلحاح ، واحد منهم دموعه تسيل على وجنتيه ، الأخر بيده ورود ، الكل يريد ان يبيع ، حتى إذا ما أخرجت من جيبي بعض الفكة ، حتى تجمهر غيرهم ، ممن أتقنوا الدعاء غير المستجاب .

عدت الى البيت ، متعبا ، أسأل الله لنا الستر ، حتى إذا ماجلسنا الى المائدة ، إذا بباب المنزل يقرع ، فتحت زوجتي الباب ، وتكلمت قليلا ، ثم عادت تطلب نص ليرة ، اعطيتها دون ان أسأل ، حتى عادت الى الغداء ، لتخبرني إن الطارق إمرأة على باب الله .

في المساء ، جاءني صديقي الدكتور باسم الباسم زائرا .. ومن خلال الحديث ، شكيت له ما رأيت .. فقال ياعزيزي .. هذا أمر طبيعي .. فنحن بلد نعيش على المساعدات الخارجية ، أكانت نقدية أم عينية ، حتى القمح لم نعد نزرعه ، ولم تعد هناك أراض تزرع أصلا .

إنك ترى ياصديقي ، كيف يتم الإحتفال وتبادل الزيارات مع الجيران الأغنياء ، ولا يدري أحد بأقرب الأقربين الذين يحملونهم على الأكتاف ، ويأكلون من لحم الأكتاف ، ولا يكتفون من حب الوطن ، ولا يغدرون ، ولا يخونون ، ولا يساومون ، ثم ترمى لهم العظام ، أو بقاياها ، أو شوربة الكوارع ، أو بقاياها ، ولحم خرافنا تذهب الى هناك .. ولا تسألني ياصديقي .. هناك أين .!

المهم يجب ان تعرف .. ان الجميع ، بدأ يتسول .. الطالب يتسول علامة النجاح من المدرس ، والمدرس يتسول المدير درجة التقييم ، والمدير يتسول الوزير ترقية ، والوزير يتسول رئيس الوزراء وظيفة مرموقه لإبنته ، والرئيس يتسول الصحافة بورتريه يلمع فخامة جنابه .

فقلت لصديقي .. إذا كان الحال هكذا ، فإن الأب يتسول زوجا لأبنته ، و الطالب الذي تخرج منذ سنوات يتسول ديوان الخدمة ، وظيفة شريفة ، أو يتسول مؤسسة خاصة ، وظيفة أي كلام .. والمزارع يتسول أعلافا لأغنامه .. والمرشح يتسول أبناء دائرته صوتا ، والمصلين يتسولون الأمام دعاء ، والميت يتسول أهله صدقة عن روحه ، والوطن يتسول وقفة إنتماء تدافع عن أمنه ورفعته وسيادته .

فقال لي صديقي .. أكيد .. ألم تشاهد برنامجا عرضته فضائية عربية ذات رمضان ماض ، اسمه حروف وألوف ، واتصل به للمصادفة رجل في ليلة وامرأة في ليلة أخرى وجميعهم من وطني ، وكان المبلغ قد وصل ثلاثة آلاف دولار ، حيث شكى الرجل عدم قدرته على دفع فواتير الهاتف وأجرة المنزل .. والأخت شكت حاجتها للعلاج مع انها مغتربة في مدينة الرياض .. مما دفع المذيع الأديب الى التبسم ساخرا .

ثم انهى صديقي حديثه قائلا .. في اليوم التالي توجهت الى المسجد كي أصلي الجمعة ، ثم اتوجه الى المطار مسافرا ، وبعد الصلاة ، انتزعت نفسي من بين يدي النساء المتسولات على باب المسجد .. وذهبت مسرعا الى المطار لألحق بالطائرة ، وبعد أن أوصلني السائق الى المطار ، ودخلت مهرولا الى شباك الجوازات ، فقال لي الموظف مبتسما بملائكية ، عفوا استاذ مادفعت ضريبة المغادرة .. مما دفعني الى الصراخ بأعلى صوتي :
مشااااااان الله ، وانا وين ضريبتي .. وين ضريبة حبي للوطن .. وين ضريبة غربتي ، وين ضريبة حرمان زوجتي .. وين ضريبة ضياع أبنائي وانحطاط أخلاقهم .. وين ضريبة تعبي وتحويلاتي ، وين ضريبة ضياع فرص وظيفتي الشريفة في بلدي .. وين ضريبة تنازلاتي عن حقوقي السياسية والرقابية ومزاحمة الدبيكة وطالبي قربى الشيكات والعقود الحكومية ؟

فصمت برهة .. وقلت لصديقي .. أممم .. نسيت شيئا ياصديقي .. فقال ماهو .. قلت :
نسيت الصحف التي تتسول كي تحصل على إعلاناتها .. ونسيت الكتاب الذين يفردون عضلات أقلامهم في الصباح ، ويلعقون أحذية الباكوات والباشوات وأصحاب المعالي والدولة ظهيرة يتسولون جنيهات ، ولقيمات ، و عبارات إطراء ..
ألم ترى ياصديقي ، ان الصحف الكبرى لم تعد فيها صحافة ، ولا ثقافة ، ولا أخبار ، تحت هجمة صفحات الإعلانات ، ومحسوبية النشر ، وتلميع الأشخاص المغبرة وجوههم .
فقال صديقي .. هذا كله يحصل لنا .. لماذا ، و كيف هذا ، .. قلت له .. لم تقل لي كيف عدت إذا الى هنا .. فقال :
لقد قمت بعد ثورتي العصبية بدفع ضريبة المغادرة ، وعند التدقيق على الحاسوب ، وجد الموظف إنني ممنوع من السفر ، لوجود تعميم وصل أمس ، ويجب علي مراجعة وزارة المالية ، وعندما عدت الى وزارة المالية في اليوم التالي ، كان هناك مطالبة مالية قديمة جدا ،أيام الورق ، مقدارها عشرون دينارا ، وأخذت براءة ذمة وكف طلب ، ولكن الطائرة راحت علي .. والحجز يابن عمي لن يتم قبل أسبوع ، واتصلت مع مديري لأطلب منه المغفرة وتمديد الإجازة ، فأبلغني بأنني تجاوزت فترة أجازتي دون عذر موجب ، لذلك فمن الأفضل أن أبقى عند أولادي ..
فقلت له طيب وبعدين .. قال لي : لذلك ياصديقي ، الله بعثك لي ، أسعفني بعشرين دينار .. فقلت له أنتظر عندك .. سأبحث عن صديق أو أحد المعارف ، أو أرفع استدعائي لدولة الرئيس حتى أتسول لنا أربعين دينارا ، نص إلك ، ونص على تاريخي وتاريخ أمتي .
royal430@hotmail.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :