قالت العرب وقولتها الحق المبين «الجاهل لتاريخه كالجاهل لأبيه». ولأن التاريخ يمثل النتاج التراكمي لفكر الأمة – الشعب، السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والعلمي، وهو سجل الأحداث التي تمر بها الأمم والشعوب، فإن هذا التاريخ يعتبر، وكما أكد على ذلك العلامة ابن خلدون ، الأب لكل العلوم الإنسانية، سواء العلوم الاجتماعية أو التطبيقية- التجريدية، وبالتالي فإن ما دأب عليه قسم التاريخ في الجامعة الأردنية من استذكار لعلماء التاريخ في الأردن، خاصة في الجامعة الأردنية حال بلوغهم سن السبعين، يعد ظاهرة وطنية- قومية- حضارية، وتمثل ريادية في السلوك والعمل ومعاني الإسلام السامية التي تنطلق من قوله تعالى « ولا تبخسوا الناس أشياءهم» صدق الله العظيم.

لقد اصدر قسم التاريخ في الجامعة الأردنية في السنوات الماضية إصدارات بحثية- علمية في حقل علم التاريخ والعلوم الاجتماعية الأخرى، مهداة للعديد من العلماء الأجلاء في قسم التاريخ الذين رصدوا تاريخ الأمة والإنسانية ويمثلوا الشواهد الثقاة في نقل تلك الأحداث وتتبعها.

فقد أصدرت الجامعة الأردنية مثل هذه الإصدارات بمناسبة سن السبعين لكل من العلماء الأجلاء: الأستاذ عبد العزيز الدوري والأستاذ عبد الكريم الغرايبة والأستاذ صالح حمارنة والأستاذ صالح درادكة والأستاذ علي محافظة.

ومثل هذه السلسلة المتوالية من الأبحاث والدراسات لتكريم كل من ساهم في رصد تاريخ الوطن والأمة والإنسانية لأعضاء قسم التاريخ في الجامعة الأردنية يعتبر سُنّة حميدة للغير، سواء على مستوى باقي أقسام التاريخ في الجامعات الأردنية او العربية، لان تكريم المؤرخين يمثل أعز الوفاء لأبناء الوطن والأمة، لأنهم الراصد الحقيقي لتفاعلات الإنسان والوطن سواء على المستوى الداخلي او الخارجي.

وما نحن بصدده اليوم هو آخر هذه الإصدارات التي رأت النور قبل بضعة أيام بعنوان « بحوث ودراسات مهداة إلى الأستاذ الدكتور محمد عبدة حتاملة بمناسبة بلوغه سن السبعين» .

و في الوقت الذي ندعو فيه للأستاذ حتاملة بطول العمر، فإننا نأمل من استأذنا الجليل الاستمرار في العطاء، والتفرد في الإنتاج حول تاريخ الأمة، خاصة ما يتعلق في التاريخ الإسلامي- الأندلسي، والذي يعتبر من أهم المراحل المستنيرة في التاريخ العربي- الإسلامي عبر عصوره المختلفة.

لقد أبدع العالم حتاملة في غزارة انتاجه العلمي والتاريخي في مجال تخصصه، وتتلمذ على يديه العشرات من أبناء الأردن والوطن العربي ، وأنا أحدهم، ومنهم الكثير الذين أصبحوا في مواقع صنع القرار وتحمل المسؤولية وتوجيه الأحداث.

كما ساهم الأستاذ حتاملة في رفد «الأرشيف» العربي بالعشرات من الكتب والأبحاث المنشورة باللغتين العربية والاسبانية، التي أثرت تراث الأمة الأكاديمي والتاريخي الذي يمثل السجل الخالد لوجود هذه الأمة الجريحة التي ما زالت تئن تحت وطأة الاستلاب الحضاري الذي أصابها منذ سقوط بغداد سنة 1258م إلى اليوم.

كان « تشرشل» حينما يخرج من مجلس العموم البريطاني ويرى القاذفات الألمانية تدك كل ما يقع تحت أجنحتها من عاصمة التاج البريطاني الذي لا تغيب عنه الشمس، يقول لمن حوله « سجلوا ذلك حتى لا ينسى البريطانيون ما حل بهم وليكن عبرة للأجيال القادمة للدفاع عن أمجاد بريطانيا العظمى» !!!.

إن ما قام به العالم الجليل حتاملة من رصد وإعادة كتابة تاريخ العرب في الأندلس يمثل المعين الملهم لأجيالنا الحالية والقادمة، عسى ولعل أن تعتبر بما حصل للعرب والمسلمين في الأندلس...حيث ما أشبه اليوم بالبارحة!!!.

لقد جاء الكتاب- الهدية- في أكثر من خمسمائة صفحة متوسطة الحجم، توج بــــــ 29 بحثاً ودراسة باللغتين العربية والإنجليزية، ومن أقلام جليلة مشهود لها بالنزاهة في علم التاريخ والآداب والسياسة والعلوم الأخرى، مؤكدة هذه الأقلام بان التاريخ واستذكار أحداثه هو محفز الأمة للنهوض من تحت رماد الهزائم والجراحات.

و في النهاية نبارك لعالمنا الجليل الدكتور حتاملة بهذا التكريم الجليل ونشد على يد قسم التاريخ في الجامعة الأردنية على هذه السنة الحميدة، التي تؤرخ للوطن والإنسان.

Almajali74@yahoo.com

الرأي