التعديلات التي اجرتها الحكومة - أمس الاول - على "قانون جرائم المعلومات" هي خطوة في الاتجاه الصحيح, واهميتها قد تتركز في كلمة "تعديلات" اذ يتوقع كل من يريد لهذا الوطن خيرا ان تدخل في قاموس السياسة الحكومية الراهنة, لان هناك قرارات- اصبحت معروفة للرأي العام- تحتاج لهذه الكلمة السحرية من اجل بناء مناخات من الوئام والتفهم والتفاهم بين الحكومة وبين قوى عديدة في الشارع الوطني.

جسور كثيرة بحاجة الى ترميم, بين الحكومة من جهة وبين الاعلام والمعلمين والقضاة والاخوان المسلمين والمتقاعدين العسكريين. وهي حاجة اردنية ملحة لاعتبارات منها:

1- ان الجميع في هذا البلد; حكومة وفعاليات وقوى اجتماعية, لا يختلفون حول وجود ازمة مالية واقتصادية, ولان هذه الازمة ذات طابع دولي شامل, فالاردن ليس خارج الخارطة الاقتصادية والمالية العالمية بل هو بحكم اعتماد اقتصاده على المساعدات واتفاقيات التجارة العالمية سيكون في مقدمة المتأثرين سلبا بهذه الازمة ومسؤولية مواجهتها ليست واجب الحكومة فقط انما المجتمع باسره.

ولا خلاف ايضا, حول حاجة الاقتصاد الوطني لقرارات صعبة, وفق شعار حكومة الرفاعي, لكن الخلاف هو حول الشق الثاني من هذا الشعار "بعدم البحث عن الشعبية" هناك التباس في الفهم يحتاج الى تعديلات ذلك ان ما يجعل القرارات "صعبة" ليس توقيع مجلس الوزراء عليها, انما صعوبتها تكون بتأثيراتها القوية على الناس, لانها تعني ضرائب جديدة, وعدم خلق فرص عمل وارتفاع بالاسعار وتكاليف المعيشة مقابل عدم وجود زيادات في الرواتب يصاحبها نقص القيمة الشرائية للدينار.

القرارات الصعبة, يفترض ان تحث الحكومة على البحث عن الشعبية, بمعنى, ايلاء الرأي العام وردود فعله على قراراتها الاهتمام الاكبر, فالقرارات الجيدة مثل زيادة الرواتب لا تحتاج لجهد حكومي لخلق الشعبية انها تحصيل حاصل, لكن القرارات "الصعبة" تحتاج مثل هذا الجهد عبر فتح قنوات الحوار مع الناس ومنحهم فرص التعبير والجدال وحق الاختلاف وصولا الى صيغة التفهم والتفاهم مع الرأي العام للتكيف مع آثار هذه القرارات.

2- هذا العام, وهذه الحكومة وفق كتاب التكليف السامي لها, هو عام التنمية السياسية وعنوانها "انتخابات عام 2010" ونجاح هذه الحكومة ليس بوضع الاف الصناديق في الاف الغرف المدرسية وتعطيل الدوام وتشغيل كمبيوترات وزارة الداخلية في يوم التصويت انما في اجراء انتخابات يُقبل عليها الاردنيون وفي مقدمتهم "قوى المعارضة" وفي مقدمة هذه القوى "الاخوان المسلمين".

من دون تحقيق هذا الهدف ستكون انتخابات غير كاملة, بالتالي نجاح حكومي محدود في اجرائها, والفرصة متاحة لاجراء "تعديلات" على السياسة الحكومية تفتح ابواب الحوار مع القوى المقاطعة للانتخابات. حوار صريح وشفاف امام الرأي العام. يقوم الاعلام بتغطية مواقف المتحاورين, فاذا كانت شروط الاخوان للمشاركة تعجيزية تستطيع الحكومة جذب الرأي العام لجانبها ان اثبتت انها "تعجيزية", المهم ان يلقي الجميع اوراقه على الطاولة وامام الملأ.

3- وهناك تعديل مطلوب تجاه المعلمين وملف الاستيداع, باستئناف الاتصال مع لجان المعلمين, فهذه القضية تجتذب مشاعر الاردنيين وهي قبل غيرها ساهمت في تعميق الهوة بين الرأي العام وبين الحكومة.

لا افهم, لا من باب الاداء الحكومي ولا من الناحية الانسانية كيف اقدم مجلس الوزراء على احالة عدد من "قادة لجان المعلمين" الى الاستيداع, فهؤلاء الذين, معظهم, قضى اكثر من 20 عاما في خدمة سلك التعليم ليصلوا الى راتب 400 دينار وهو اقل من خط الفقر. يعاملون بهذه الطريقة لانهم تجرأوا ورفعوا اصواتهم مطالبين بالعدالة, حيث احيلوا على الاستيداع لتكون النتيجة ان رواتبهم انخفضت من 400 دينار الى 120 دينارا وهو راتب التقاعد. ان هذا الرقم التقاعدي الهزيل لمعلمي الاجيال بعد ربع قرن من الخدمة هو اكبر دليل على عدالة مطالبهم. فهل من "تعديل" حكومي يصحح ما وقع من ضيم عليهم?.


taher.odwan@alarabalyawm.net
العرب اليوم