facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




الفضائيات «الإسلامية» .. بين معركة الإغلاق والخطاب البديل


د.مهند مبيضين
29-10-2010 05:35 PM

ثمة حرب في البيوت، حرب ناعمة تأتي عبر الأطباق اللاقطة، وميدانها الشاشة الصغيرة، هي حرب زمن لم تعد فيه الحروب مجرد التقاء جيوش جرارة، لكنها صارت حربا تنوب فيها الفضائيات عن الدول، وعبرها يتم تسريب الأفكار، وتهيئة الشعوب للتغير المقبل.

ففي ظل محاولات ''تنميط الإعلام'' ومع العولمة الثقافية للمجتمعات الإنسانية التي تعيش على وقع عصر الصورة التلفزيونية أو القنبلة الإعلامية التي أشار إليها عالم الاجتماع الفرنسي جورج بلاندييه بلفظة ''هيمنة وسائل الإعلام'' Mediacratie التي حولت كل شيء في مجتمعات الحداثة الفائضة المتعاظم شأنها، إلى قابل للفرجة، وفيها تحالفت القوة التقنية مع القوة الإعلامية لتؤلف مجتمعات أصبحت فيها الصورة التلفزيونية ظاهرة اجتماعية كلية تولد أحاسيس متناقضة تفشل طاقات التفكير الناقد وتروج لنمط ثقافي محدد، أو تبث فكرا محددا أو توجه الناس نحو قناعات محددة، يأتي السؤال عن الفضائيات الإسلامية، من حيث طبيعة الدور الذي تقوم به وأزمة المنافسة الشديدة بينها، ومرجعيتها الدينية وأثرها في جودة العمل وشروط المهنية الرفيعة التي لا يبدو أن الفضائيات الإسلامية تسير إليها بكل اقتدار. كما أن السؤال يبدو مفتوحا على ''من يستخدم من'' في معركة إغلاق الفضائيات الإسلامية التي ظهرت أخيرا.

التاريخ يشهد أن نابليون حين جاء إلى الشرق محتلا، مر في جزيرة مالطا، ومنها سرق مطبعة، وحملها معه إلى مصر، وفي الطريق في عرض البحر المتوسط، قرر أن يكتب منشورا يرسله إلى أهل مصر بتاريخ 13/7/1798، ومما جاء فيه: ''يا أيها المصريون قد قيل لكم إني ما نزلت بهذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم، فذلك كذب لا تصدقوه.. وقولوا للمفترين إني ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من أيدي الظالمين، وإني أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى''.

هذه الرسالة، كانت تمثل محتوى الفضائية الفرنسية آنذاك، ولا تختلف عن خطاب قناة الحرة الأمريكية التي رافقت حرب أمريكا على الإرهاب في شيء، كما أن خطاب أوباما في الأزهر الذي بدأه بالسلام على الطريقة الإسلامية، لم يخرج عن كونه خطاب الغالب إلى المغلوب. لكن الفضاء اليوم هو المعركة، بين الغرب وبين الشرق، بين الإمبراطوريات وبين أحلام التوسع وإرث التاريخ، فروسيا اليوم وقناة تركيا العربية، والقناة الفرنسية والأوروبية والـ ''بي بي سي'' كلها راغبة في أن يكون لها حضور في عالم العرب. أما عالم العرب فهو منقسم فضائيا. الديني والفني، بين الممانعة والاعتدال، بين المذهب والمذهب بين الطبخ والسيارات والرياضة واختراع شعراء للقبائل والدول، وبين فينة وأخرى تقام الدنيا وتقعد على فتوى تصدر من هنا أو رسالة تبث من هناك، وكأن الفضائيات غدت المنابر الجديدة.

في مصر صدر القرار أخيرا بإغلاق 12 قناة فضائية، وإنذار 20 قناة أخرى على القمر المصري الـ ''نايل سات'' لأسباب تراوح بين الإساءة إلى الأديان السماوية والإباحية، ما أثار شكوكًا حول الهدف الحقيقي من ذلك. كما صدر قرار مماثل بوقف بث قناتي ''الرحمة'' و''الحكمة'' على قمر ''نور سات'' التابع لشركة نور سات للاتصالات الفضائية التي تتخذ من عمان والمنامة مقرا لإدارتها. وفيما عزا محللون قرار الحكومة المصرية بإغلاق عدد من الفضائيات الإسلامية إلى أنه يهدف أساسًا إلى وقف انتشار التيارات السلفية التي يمكن أن تعزز التأييد الجماهيري لجماعة ''الإخوان المسلمين'' خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، إلا أن السؤال الذي يمكن أن يثار هنا والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا الحرب أو قرارات المنع تستهدف الفضائيات الإسلامية دون غيرها، وماذا عن الفضائيات الشيعية والتنصيرية والإباحية، ولماذا الاحتفاء الإعلامي الغربي المقصود ضد الفضائيات السنية تحديدا، وهل يأتي ذلك في إطار إشعال الفوضى الطائفية في المنطقة، ولماذا السب والشتم والاستهداف وأين أخلاقية المهنة؟

والجواب هل من تنسيق أمريكي ـــ إيراني في الأمر، هل هذا الموقف جزء من الصفقة السياسية بين واشنطن وطهران، وهل هو جزء من معركة التصفيات المسبقة بين إخوان مصر والنظام السياسي قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، ثم هل القنوات الفضائية الإسلامية كلها سواء، هل الأداء العام لها مقبول؟

الجواب قد يكون في كل ما سبق، لكن على أرض الواقع لا يمكن إنكار وجود آراء متفاوتة حتى بين الإسلاميين تبدي تحفظات على الأداء والخطاب الإعلامي للفضائيات الإسلامية عمومًا، وهذا شأن أي عمل إعلامي لا يحظى بالإجماع من المشاهدين، إلا أنها في المجمل شكلت حالة إيجابية في رأي الكثيرين، حالة وإن أثرت فيها الدعوة الإسلامية، وجاءت بدعاة جدد للجمهور إلا أنه يمكن تلمس الأخطاء فيها ويمكن أن نجد فيها الكثير من انعدام المهنية. ومع ذلك يظل إغلاق الفضائيات الإسلامية، جزءا من سياق، سياق الاحتواء لإيران في المنطقة، وسياق كف التحريض ضد تغولها في المنطقة، وسياق المواجهة معها ومع خصومها، وفي السياق ذاته تجفيف منابع التدين بما يخدم المشروع الأمريكي في المنطقة، وهو جزء من الضغط على بعض الدول بما لديها من خصوصيات ثقافية ودينية، وهذا ما يتبدى في حالة مصر من تحضير لمعركة طائفية، وقد ظهر أن الأزمة التي تفجرت في مصر على خلفية مواقف الكنيسة اكتسبت بعدًا شعبيًا واسعًا جعل من الصعب على أي وسيلة إعلامية غض الطرف عن الخوض فيها. صحيح أن الفضائيات الإسلامية نجحت في تحقيق الإثارة العاطفية، وهذا ما يذهب إليه الفرنسي كارل بونج الباحث النفسي صاحب المدرسة المسماة باسمه إلى الاعتقاد بأن الإثارة العاطفية جزء من نشوء وانتشار أي ظاهرة أو خبر ما أو مجرد شائعة، والإثارة العاطفية أو المرجعية العاطفية في مهارات علم الاتصال لا يمكن اعتمادها أو تصنيفها ضمن معايير الاعتماد الخاصة بتقييم أي وسيلة إعلامية أو فضائية، ذلك أن المهنية والموضوعية والحياة التي تعد الثالوث القيمي للعمل الإعلامي تتراجع، لا بل تسقط أمام مرجعية الأيدولوجيا أو العاطفة الدينية. تدل المقاربة الثقافية بين الفضائيات الإسلامية على أنها تتشابه في مصادرها وفي أهدافها العامة ولكنها تختلف في الأسلوب الذي تعتمده من أجل الوصول إلى مساحة انتشار زائدة، وهذا ما يتضح من خلال الاعتماد على فنانين في تقديم بعض البرامج أو في نوعية البرامج الموجهة إلى شريحة الشباب المسلم واستثمار دعاة شباب جدد في ظل تراجع الدعاة التقليديين عن الساحة. تستند الفضائيات العربية التي تتبنى نهجا إسلاميا، إلى مرجعية دينية بالضرورة، وهي مرجعية لا تتساوى مع افتراض مفاده أن الحرية الإعلامية هي المعيار الأول في العمل الإعلامي، كما أن المهنية الموضوعية والاحتراف وشروط الكلمة الحرة هي أكبر من أن تحاط بأي تصورات مسبقة أو أيدولوجيا حاكمة تقود المشاهد إلى محورية الصورة التلفزيونية وكينونتها.

بالعودة إلى مسألة إغلاق بعض الفضائيات الإسلامية في مصر، ينبغي التذكير بأن المبررات لإصدار قرار الإغلاق لم تكن واضحة أو مقنعة، بعد أن أحجمت المبررات عن الإشارة صراحة إلى تلك الضغوط التي مارستها قيادات الكنيسة وعلى رأسها البابا شنودة على الحكومة المصرية سرًا وعلنًا، سعيًا إلى إخراس الفضائيات الإسلامية، بزعم أنها مدانة بإثارتها الفتنة الطائفية، وبكونها تهدد الوحدة الوطنية.. إلخ. الثابت اليوم أن القرار في مصر المحروسة حول إغلاق الفضائيات الإسلامية، ليس بعيدا عن أجواء الانتخابات المقبلة في مصر، وهو قرار سيزيد من حجم التوتر في الشارع المصري، كما أنه سيولد حالة من التحدي لدى جمهور تلك القنوات، إذ تشير مصادر في التيار السلفي المصري إلى أن سلفيين بدأوا بتنفيذ حملات تبرعات داخل مصر وخارجها، وهي تستهدف الاستحواذ على حيز لباقة تلفزيونية على قمر مواز للـ ''نايل سات'' يتم بثه من أوروبا، إضافة إلى حجز مساحات على القمـر القطري سهيل الذي ينطلق بالقرب من مدار ''نايل سات'' نهاية عام 2010، وسيتم إطـلاق الباقات التلفزيونية الدينية الجديدة تحت اسم القمر الإسلامي الذي بدأت حملات السلفيين في الدعوة إلــيه عبر شبكة الإنترنت، ليضم جميع القنوات الإسلامية التي ترفض ''نايل سات'' استضافتها. ومع أن كل ما جرى قد ينظر إليه على أنه جزء من إرهاصات الانتخابات المقبلة، إلا أنه لا ينفصل عن واقع الفضائيات ذاتها التي تقدم برامج ذات قالب واحد، وهذا ما يجعلها متشابهة إلى حد كبير، وهو ما يسهم في إظهار الإعلام الإسلامي إعلاما مقلدا ليس فيه ابتكار، كما أنه إعلام مثقل بالمرجعيات التي تغذيه. ولعل الساحة تبدو مواتية اليوم لتجري القنوات الفضائية ذات القالب الإسلامي مراجعة عامة لعملها، وهي وإن كانت تعوزها المهنية، كثيرا إلا أنها في المجمل تظل أكثر إيجابية من قنوات الأغاني والتسلية والترفيه، التي لا تحمل أي رسالة إعلامية أو ثقافية غير مسخ المجتمع ودفعه إلى قيم غربية ينميها اليوم ما يسمى بتلفزيون الواقع.

ففي مقابل قدرات تلفزيون الواقع على إبراز المقدرة والموهبة والمثابرة لدى العناصر المشاركة، تأتي برامج الفضائيات الإسلامية حاملة رسالة الدفاع عن القيم الفاضلة، التي تحاول المثابرة على التذكير بها، ولكنها لا يجب أن تكون حصراً على قناة دون أخرى، كما أنها تحتاج إلى اتباع أساليب جديدة في التعامل مع عقل المتلقي الذي يواجه وسائل جذب أخرى شديدة التأثير من قبل القنوات الأخرى التي توصف بأنها فضائيات مخلة بقيم المجتمع العربي الإسلامي أو ذات خطاب إباحي.

*عن الاقتصادية السعودية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :