كعادتها استيقظت مبكرا ، وأدت صلاة الفجر ودعت ربها أن يكون يومها خيرا... بدأ النهار يشق نوره ، أخذت تشاغل نفسها بأمور بيتها ؛ منتظرة بفارغ الصبر أن تشير العقارب إلى الساعة السابعة ،جهزت نفسها وأسرعت إلى مدرسة القرية اصطفت في مقدمة الراغبين بالاقتراع ، وبعد فترة وجيزة جاء دورها ثم دخلت إلى القاعة المخصصة إلى الاقتراع .
وبعد أن ألقت "زريفة" التحية على رئيس اللجنة والمراقبين، فتحت كيس النايلون الأسود الذي كانت تحمله ، واخرجت منه (كراديش وقراص عيد وخبز شراك ) كانت قد صنعتها بنفسها ، وأخذت توزعها على الموجودين و "عيت " فيهم أن يفكوا ريقهم بهذا الصباح المشرق .
مدت "زريفة " يدها إلى "عبها "، وأزاحت "الشمبر الأسود "جانبا، وبعد نحو دقيقة ، أخرجت ظرفا صغيرا مربوطا ب" بمطاطة عريضة " ، وأخيرا وصلت إلى هوية الأحوال المدنية ، وأخرجتها ، وناولتها إلى رئيس القاعة.
اخذ رئيس القاعة يدون المعلومات على كشف المقترعين ، ويختم ورقة الاقتراع " أربع مرات " وبادرت "زريفة" فورا بالقول وهي تعدل عُرجتها : ترى أنا أمية " لا بقرأ ولا بكتب ، يا بني " ، سارع وأبلغها بأن القانون يمنعها أن تذكر اسم من تريد انتخابه على الملأ .. صمتت قليلا وقالت باندهاش : كيف أنتخب وأنا لا أقرا ولا أكتب ، رد عليها : يا حجة اهمسي بأذني ، وأنا بكتب عنك على الورقة .. "زريفة" قاطعته ، وقالت : عيب يا ولد .. بصباي ما عملتها، قال لها : لا يا حجة ، قصدي خلي الحكي بينا ..
ارتفعت حدة صوتها وهي تقول له : شو بيني وبينك ، حتى يكون بينا حكي .. أجابها وهو يهز رأسه : ما تفهميني غلط يا حجة ، قاطعته قائلة : شكلك آخذ عني فكرة غلط .. قال لها رئيس اللجنة : خلص يا حجة ، دخيلك اقترعي وخلصينا ، خلينا نشوق شغلنا ..
عقدت "زريفة" حاجبيها ،وقالت بعصبية : هات أذنك أقولك مين بدي أقترع .. قال : ها ، تفضلي .. قالت "زريفة" : حط أبو شعلة لتنظيف الأفران .. هز رأسه رئيس القاعة ورد : يا حجة ، هذه قاعة انتخابات مش مطبخ
ثم واصلت كلامها : ليش زعلت ، بدي نائب يكون شعلة بالبرلمان .
حط قلمه ، وقال لها : يا حجة ، اصطبحي بالله ، عندي شغل .. قالت له : خلص فهمت : دون مزيل الأوساخ ،"هايبكس" .. رمقها بنظرة حادة ، وقال: وبعدين يا حجة ، شايفتينا على المجلى ..
قالت له : لازم يكون النائب نظيف بلا زفرة ، يبيض الوجه .. بلاش أقول لك اكتب : حبيبات "كونكر" لتسليك المصارف .. نفخ رئيس القاعه خدوده بالهواء غاضبا ، ونفث أنفاسه بسرعة وهو يقول : وبعدين يا حجة .. قالت "زريفة" : خلص ، قررت ، دون عندك ، "ايزي" ، لتلميع الزجاج ، نعم أريد من يمثلني في البرلمان أن يكون شفافا ، نظيفا ، "بدي إياه واضح ، بلمع ، بتشوف من خلاله" ..
مع احمرار وجه رئيس القاعة ، ارتفعت نبرة صوت "زريفة" وهي تقول : إذا كان مش عاجبك .. دون : "ميكي" ، لتسليك المصارف والحمامات .. حط رئيس القاعة القلم ، وقال لها : الله يجيبك يا طولة الروح ...
قالت له : أكيد أريد نائبا قادرا على إزالة الفضلات التي خلفها من سبقه ..قال لها : يا حجة "زريفة" : "مش قادر أطول بالي عليكي أكثر من هيك" ..
قالت له : طيب ، اكتب "بف باف " للزواحف ، بدي إياه يكون قادر على القضاء على كل من تسول له نفسه أن يزحف إلى مجتمعنا النظيف ويروج لعادات سيئة ، وأفكار هدامة ..
بدأت القاعة تعج بالضحك .. التفتت "زريفة" على الموجودين في القاعة ، ولاحظت ابتسامة على وجوههم .. وسمعتهم يتهامسون .. وبحده وجهت الكلام إليهم : لا " تتهزوا علي " ، أنا أريد من يمثلني تحت القبة ، أن يكون نظيف اليد واللسان ، أمين على مصالح الأمة ، صادق الوعد مع من انتخبه ، شفاف... واضح ، لا يبدي مصالحه على مصالح الوطن والمواطن ...
أريده أن يكون كريما في حب الوطن ، وحصنا منيعا لأي خطر يهدد بلدنا .. أريد نائبا من أيام زمان ، همه الوطن ، "مش همه شو بده يستفيد ويفيد" .
بعيون قد اغرورق بالدموع والألم والحسرة ، رمقت "زريفة " جميع الموجودين بالقاعة بنظرة وهي توجه الحديث إلى رئيس القاعة : من الواضح إنني أنتمي لزمان غير زمانكم ، اختلفت فيه المعايير والأولويات والمطالب .
وخصت بنظرة حادة رئيس القاعة ، وهي تنفض "شرشها " ، قائلة : خلص ..... قررت..... أريد أن اقترع .
اكتب عندك : (سايقة عليكم الله ، الوطن أمانة برقابكم ).
Jaradat63@yahoo.com