facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تطويع حصان


سليمان القبيلات
02-08-2007 03:00 AM

ذات صيف حلّ في ديرتنا جنوبيان من الحسا جاءا مع اسرتيهما وماشية وإبل وعدد من الخيول بينها مهر جميل. كانت سنة محل في الجنوب لكن الديرة حظيت بحصاد وفير كان سببا لاستقرار هؤلاء المهاجرين الذين احسن الناس وفادتهم فاحتضنوهم بدفء حتى غدوا جزءا من الذاكرة. تعاطف الناس مع ضيوفهم الذين اشعلوا فيهم ذاكرة رحيلهم طلبا للكلأ والمرعى في الشمال في أواخر اربعينيات القرن الماضي، في عام تلا نكبة فلسطين سموه "السنة السمرا" التي يبس فيها الضرع وجف الزرع . قالوا انهم "شوملوا " اي قصدوا الشمال الى "عارضة عباد" التي انزلوها منزلة الجنان الخضراء لوفرة غلالها وحسن معشر ناسها.
في أُمسياتهم وتعاليلهم كانوا يشحذون الاستذكار في القص معتمدين على عدد من ممن اشتهروا في الديرة بذاكرة خصبة مليئة بالسرد الشيق لاحداث الغزو القبلي والمواجهات مع الجند التركي. استعادوا اياما كانت قطعانهم الكبيرة تحجب عين الشمس عن ارض المراعي ومساحات مزروعاتهم بعد حصادها.
..وفي امسية طلبوا الى احد ضيوفهم ان "يُعللهم"، فبدا هذا يتحدث في اسلوب شد انتباه الجلوس الذين اصخوا السمع لقصه الذي نمّ عن حكّاء ذرب اللسان يستشهد ببيوت من القصيد النبطي في تمجيد قيم البادية وحروبها.
توقف السارد طويلا عند قدرة سائس الخيل على تطويعها . فقال ان ترويض الخيول وجعلها طيعة أمر تعتوره صعوبة لان ذلك يعد افقادا للجواد حريته وهوما لا يتأتى الا لفارس خبر الخيل والفروسية.
اكد الرجل ان الخيل قبل ترويضها تكون ذات نية طيبة لا تضمر شيئا لسائسها الذي تُقدر مهارته في "التطبيع" دون ايذاء. اضاف ان تدريب الجواد ليكون "عاديا" او "مُطبّعاً" يبدأ بوضع قطعة قماش على ظهره فترة من الوقت ترفع يوميا وتعاد ليغدو وضعها ورفعها سهلاً وميسورا لكنه اوضح ان السائس الجيد من "يُطبع" الجواد ملاطفا وهامسا بكلمات تبثُ الطمانينة لوضعه المُقبل.
افاض المتحدث في شرح طريقته في الترويض والتطبيع بالهدهدة والتمليس على ظهر الجواد الذي يأخذ شيئاً فشيئاً في تقبل وضعه الجديد. شرح ان اياما طويلة وصعبة ستمر على من اراد ان يكون سائسا متقنا للترويض وقال انه لا يُقدم على وضع الشكيمة في فم الجواد وهي قطعة حديدية يقاد بها الا بعد ايام وتكون مدهونة بدبس او عسل ليتقبلها الجواد وهي خطوة متقدمة في "التطبيع" يحرص ان تستمر يوميا حتى تصبح ممارسة مألوفة لتبدأ خطوة ربط الشكيمة المُحلاَة باللجام فتترك في فم الجواد ساعات.
في الاثناء توقف السارد عند مشاعره حيال الجواد الذي يصفه جموحاً يستأهل كل هذا العناء خصوصا اذا ما كان من سلالة نبيلة. وصف الخيل وأفاض في تمجيدها لكنه اكد انه يميل الى مراقبتها قبل "تطبيعها". قال بما يعني ان سلوكها يعجبه ويثير فيه توقاً للعودة الى مساحات لا تلوث فيها ولا تنازل او مهادنة . واضاف : الخيل دون تطبيع تعني اللاهدنة اما تطبيعها فيحيلها حيوانا يُقاد برسن في تمارين المشي والخبب والهذب ومن ثم امتطاؤه وركوبه أول مرَة.
استرسل المتحدث في عرض معاناة "مُطبعي" الخيل الذين صنَفهم فئات وطبقات بيد انه قال ان بينهم قصير النفس الذي تعوزه الحكمة والصبر فيلجأ الى السوط قبل الاوان ظناً ان الجواد سينسى أنفته وتمرده فيخشاه مستسلماً.
لا ادري لِمَ توقف السارد عند هذا الفئة من السائسين الذين أفاض في وصف مقته لهم. قال ان منهم من يذهب بعيدا الى حد تبريح عقوبة الجواد الذي لا يطاوعه . ومنهم من يوصي بتحويل الجواد او الفرس الى اعمال الحراثة والنقل وسواها من وجهات لا مكان لها في حياة الخيل إن كانت خيلاً.
مرّت سنوات وسنوات وجاء أحد الجنوبيين ضيفا يرافقه ابنه البكر. كان مثقفاً
فسألناه عن القطعان الكبيرة والخيل وسياسة الخيل. تنهد وبأناة قال: أستعيد صوراً استقرت في الذاكرة لخيل أبي في قصِ حكاياته فاجدها سردية وطيفا جنائزيا ومأتما مقيما. اليوم لا خيل بعدما اقصاها الصمت والموت بعدما وظِِِفت لمهمات الحمير. اليوم خيولنا ان وجدت لا تطفح بخطاب التحدي والامتلاء .
تشرّبت الذاكرة تلك الكلمات التي كان اقساها تساؤل يتردد صداه : ألم يكن أمس مريضا ليبدو يومنا هذا طريح الفراش؟. وختم : ان "الحصان" بعد تطبيعه وترويضه يمكنك ان تنعته ما شئت من اسماء التدجين. فانت تختار عليقته ومهماته لينسى ذاته فينقاد لك حتى دون سوط.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :